( بقلم : حميد الشاكر )
كيف نظر الاسلام ابّان بزوغه لبنية الاجتماع القبلي وافكارها العصبوية ؟.وماهي الرؤية الاسلامية لفكرة العصبة ؟.ومن اين منشأها الاصيل حسب تلك الرؤية اللاهوتية الربانية المقدسة ؟.ولماذا وفي كثير من الاحيان تربط الاطروحة الاسلامية بين الجاهلية والقبلية العصبوية ؟.وهل عندما تعامل الاسلام بحركيته الاجتماعية المدنية مع البنية القبلية ، تعامل معها بضدية أم انه اعترف بكيانها القائم ؟.وما معنى الرؤية الاسلامية التي ترى التقارن بين الاعرابية الجاهلية والعصبية القبلية ؟.واخيرا من المستفيد من استمرارية النظام العصبوي القبلي ؟.وهل تعتبر القانونية القبلية بمقابل القانونية الشرعية الاسلامية في النظام الاجتماعي الانساني ؟.
******
1 : - في البداية وقبل كل شيئ تذهب الاطروحة الاسلامية الى الاساسيات والقواعد التي انبنت عليها بنيت الاجتماع القبلي لتحدد من معالمها وملامحها الرئيسية ، لتعالج من ثم بنية هذا الاجتماع من الجذور التي يقوم عليها ، لتحلّ محلها القواعد والبنى الاسلامية القائمة على تقوى من الله سبحانه وتعالى ، وبهذا المعنى يرى تلميذ القرءان والاسلام وربيب رسول الله محمد ص علي بن ابي طالب عليه السلام في خطبته المسماة ب (( القاصعة خطبة رقم 190 من نهج البلاغة )) ان اول من أسس لفكرة (( العصبية والعصبة والتعصب )) هو ابليس اللعين ليقول ع :(( فعدو الله امام المتعصبين ، وسلف المستكبرين ، الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية ...))!.فنحن هنا أمام بحث ورجوع وتعقّب الجذور الواقعية لفكرة العصبة التي ينبني عليها البنيان القبلي العصبوي ، لنرى ان علي بن ابي طالب عليه السلام كان يرى ان نظرة الاسلام لنواة الاجتماع القبلي وهي العصبية ترجع بجذورها الواقعية الى زرعة الشيطان عدو الرحمن الذي حملته العصبوية والافتخار والتعزز على اوامر الرحمن بأن يعصي الله في امره ويتمرد على باقي شأنه سبحانه ، فلاريب والحال هذه يكون ابليس (( أول من وضع أساس العصبية )) والطغيان ، لتكون سنة يلتف حولها من يؤمن بالتفوق النوعي لخلقة على خلقة ولحسب على اخر ولعنصر على غيره من منطلق ان الفكرة بالاساس تدفع لتلك النتائج الخطيرة .2 : - ثم وبعد ان ادركنا ان الاسلام يرى ان البنية العصبوية القبلية تقوم على فكرة اسس لها الشيطان أمام المتعصبين ، يلتفت أمير المؤمنين بخطبته العظيمة الى ان هناك الكثيرين ممن آمن ويؤمن بهذه الفكرة والنواة والقاعدة والعنوان الكبير المسمى (( العصبة )) ، مرّة باعتبار ان هذه الفكرة بامكانها ان تتلاقح وتنجب ابناءا وانصار ا يسميهم الامام ب (( أبناء الحمية وأخوان العصبية وفرسان الكبر والجاهلية )) ومرّة باعتبار ان المنتفعين من احياء هذه الفكرة من قادة لقبائل تدر عليهم مصالح جمة ، هم أؤلئك وقود حركة فكرة العصبية والمحيين لبنيان القبلية والنافخين بكيرها كي لايخبوا ولاتنطفأ النائرة ، لالشيئ الا لكون العصبية تضمن لهم السيادة والكبر والقوة والتمنع . يقول الامام عليه السلام :(( ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم ......... فأنهم قواعد أساس العصبية ، ودعائم أركان الفتنة وسيوف اعتزاء الجاهلية ... / القاصعة / خطبة رقم 190))3 : - أمّا عندما اراد ان يعالج الاسلام الاثار السلبية لفكرة العصبية وبناء القبلية الخطير ، فانه لم يذهب ليندد بالفكرة والبنية فحسب ، لابل ورتب اثارا اخروية خطيرة على مجرد الاعتراف بمشروعية فكرة العصبة وبناء الحمية حمية الجاهلية باعتبار ان قلب الانسان المؤمن لايتسع لفكرتين متناقضتين (( تقوى الله )) التي ينبغي ان يقيم الاجتماع الاسلامي بنيانه على نواتها ، و (( وفكرة العصبة )) التي تعتبر نواة بنية الاجتماع القبلي ، ولهذا روي عن ابي عبدالله الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام - من أئمة الشيعة الامامية الاثني عشر من ال محمد ص - قوله :(( من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية ، بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ./ الكافي /ج2/ باب العصبية ))وكذا قوله عليه السلام :(( من تعّصب عصبه الله بعصابة من النار )) ، ويرى هذا الحديث ايضا لرسول الله محمد ص .نعم هناك تقارن عضوي بين الجاهلية وفكرة العصبة ، لالشيئ غامض الا لكون العصبية ماهي الا منتج جاهلي على طول الخط التاريخي للانسان وللاجتماع الانساني في هذه الحياة ، ومنتج شيطاني على طول الخط الكوني والفكري ايضا .4 : - يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم :(( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون / المائدة / 50 )) فالنظام الجاهلي هنا وحسب مايراه النص القرءاني الكريم ، هو منظومة متكاملة من القيم الاجتماعية والاخرى السلوكية ، فهو ( حكم )) سمي للجاهية باعتبار انه هيكلية كاملة قائمة على بنيان اجتماعي مختلف تماما عن الحكم الذي اقامه الاسلام على البنيان الاجتماعي المدني هنا ، ولهذا ربط أئمة أهل البيت هذه السلسلة المتكاملة من النظام والحكم الجاهلي كله ببعضه والبعض الاخر ، فالعصبية ماهي الا فكرة ، وألاعراب والجاهلية ماهي الا اطار جغرافي واخر اجتماعي يستوعب ويؤمن بتلك الفكرة لينتج لنا كيانا قائما بذاته يسمى (( حكم الجاهلية )) القائم على فكرة التعصب والعصبة ونظامها القبلي .5 : - ذهب كذالك الاسلام في معالجاته الاجتماعية لخطر فكرة العصبة ونظامها القبلي ، الى ابعد مكان يمكن ان يمون فكرة التعصب هذه ويمدها في الحياة والتجدد ، الا وهو مكمن (( الدفاع والحماية )) التي توفره هذه الفكرة وذاك النظام الجاهلي للمؤمنين بها ، من منطلق ان الكثيرين ممن يؤمنون بهذا النظام القبلي وينخرطون بالدفاع عنه لالسبب مقنع او ايدلوجي الا لكونه النظام الذي بامكانه ان يعطي الغطاء والحماية لجميع افراده المكونين لبنيانه ، فكل فرد داخل منظومة القبيلة يشعر انه بمأمن مادي وحماية متوفرة من خلال نظام الاجتماع العصبوي هذا ، لذالك هو منخرط داخل هذا الاطار من اجل مايوفره هذا الاطار من شوكة قوة فحسب ونظام حماية لاغير !.حتى على هذا المستوى من الرؤية تدخل الاسلام بمنظومته الفكرية لينتقد هذا الاطار من الداخل ومن الخارج ، وليقول وقوله الحق على لسان الصادق من اهل البيت جعفر بن محمد الباقر ع :(( من تعصّب أو تعصُّب له فقد خلع ربق الايمان من عنقه / نفس المصدر السابق )) اي انه ينبغي على الانسان المؤمن ان لايقبل بالتعصب منه على غيره ولا من غيره له ان كان مخطئأ ؟!.او بمعنى اخر ينبغي ان يدين الانسان المؤمن التعصب بكل اشكاله ومن جميع جوانبه واتجاهاته ، باعتبار ان فكرة التعصب فكرة شيطانية ، استبدلها الاسلام بفكرة الايمان والحقوق والواجبات والقانون والعدالة التي تضمن حقوق الافراد داخل الاجتماع الانساني ، وبلا عصبية لهذا وانتصار بعصبية لذاك ، لابل القانون يحمي حقوق الجميع والقضاء كفيل بدفع العدوان عن المجتمع ، ولهذا لم يسمح الاسلام مطلقا لفكرة التعصب ان تبرز كفاعل اجتماعي او كنواة حماية داخل اطار الاجتماع الاسلامي مطلقا ، وادان :(( من تعصّب أو تعصُّب له ..)) على اساس انه لاحاجة للتعصب وللعصبة مادام الحكم في الاسلام للحق وللعدل !.اذن : هناك نظامان مختلفان تماما عن بعضهما البعض في الفكرة والبنية الاجتماعية ، الاول اسس له الشيطان ابليس اللعين نواته ولبنته الاولى وهي العصبية ، لتلد فيما بعد بنية مجتمعية قبلية استطاعت ومن خلال الممارسة ان تنشئ ظواهرا وافكارا وسلوكا اجتماعيا مختلفة النمطية والتوجهات ، في مقابله نظام اسلامي اسس بنيانه على تقوى من الله سبحانه ، لتلد هذه النواة الربانية وهذه البنية الاسلامية الظواهر والافكار والسلوكيات المجتمعية المدنية القائمة على القانون والتنوع والتمدن والحركة المنفتحة على فك العصبة او شد العصبة عن اطار المجتمع الانساني هذا !.
يتبقى لنا فهم مدنية العلم وعلم المدينة في قول الرسول الاعظم محمد ص :(( أنا مدينة العلم وعلي بابها ..)) ما المقصود من هذه المدنية العلمية ؟.ولماذا كان الاسلام مدنيا بالاساس ؟.
https://telegram.me/buratha