غريب هو الإنسان في سلوكه و طبيعته و تزداد غرابة هذا الكائن حين ينغلق فكره و يرزح عقله تحت قيود شتى فلا يبصر عندها غير ما يريد أن يراه و لا يعترف بحقيقة على الأرض إلا تلك التي يتمناها . بُعيْد ذلك الاتفاق الذي عقد بين وفد الائتلاف و قادة الصدريين بقليل كان ثمة أخ من ذوي الميول للتيار الصدري قد جادل في حقيقة الاتفاق الموقع بين الطرفين و أصر على أن اغلب البنود الواردة لا سيما تلك التي تُقرأ من خلالها حقيقة الإقرار بهزيمة مدوية لمليشيا مقتدى الصدر و نصر واضح و جلي للحكومة و قواتها الأمنية حيث يتحقق من خلال تلك البنود التي وقع عليها من خوّلهم مقتدى شخصيا كامل الأهداف التي انطلقت من أجلها العلميات العسكرية و الأمنية من اعتقال المطلوبين و مصادرة الأسلحة الثقيلة و المتوسطة و دخول القوات إلى كل مناطق مدينة الصدر و فرض قانون الدولة و هيبتها على كل شبر وحل المحاكم غير الشرعية التي ابتدعت لها قانونا خاصا راحت تحاكم الناس بموجبه و كأنها جزء من دولة أخرى ، و قد بدى المكسب الوحيد للصدريين هو حفظ شأنية " مكتب الشهيد الصدر " أثناء عملية التفتيش وهو شيء لا بأس به . أقول لقد أصر ذلك الرجل على أن أغلب تلك البنود هي مجرد حبر على ورق و لا يعدو الاتفاق أكثر من كونه اتفاقا أمام الإعلام ، و عندما سألته عن جدوى ذلك للحكومة أجاب إنها تريد التخلص من ورطتها مع جيش " الإمام " !! لم يكن الجدل معه ليجدي و لم يجبني على عديد الأسئلة التي وجهتها إليه برغبة معرفة الحقيقة و اكتناه واقع الأمور بشكل معقول . و اكتفى بالقول ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا .. ذلك لفرط التأكيد على صحة قناعته و صدق ما قاله .
و قد مرت الأيام كما هي عادتها و كل يوم يضيف حقيقة تزيد ما قاله الشيخ خواءً و بعدا عن الواقع فيما تتعزز حقيقة إن الحكومة تحصد مكاسب الاتفاق و تمضي بقوة في تطبيق بنوده التي تعهد قادة الصدر بالإذعان لها . و منذ تطبيق هذا الاتفاق الذي تم بموجبه دخول القوات الأمنية لكل مناطق و أحياء مدينة الصدر استطاعت تلك القوات العثور على مخابئ للأسلحة و القنابل و اعتقال المطلوبين الخارجين عن القانون و إن فر بعض من كبار شياطينهم إلى الخارج و لكن في كلا الحالين تخلص الناس من ظلمهم و سطوتهم . و اليوم يأتي ما يؤكد بوضوح عدة حقائق يعنينا منها حقيقة أن الاتفاق المذكور تم العمل بمختلف بنوده و لم يكن صوريا و لا مجرد حبر على ورق . فقد نقلت إذاعة سوا عن قياديين في جيش المهدي و مسئول مكتب مقتدى في مدينة الصدر أن جيش المهدي يشعر بالغبن تجاه قبوله مبادرة الحكومة في وقف القتال و تسليم الأسلحة الثقيلة و المتوسطة و تسليمه بدخول الجيش و الشرطة إلى جميع مناطق مدينة الصدر و أن هناك انشقاقات حدثت بالفعل في داخل صفوف جيش المهدي وان البعض من القيادات الميدانية ذهبت إلى إيران أو المحافظات الجنوبية .
هذه التصريحات و المواقف تعبر كما قلنا عن أكثر من حقيقة ومنها مدى التفكك و التصدع الذي أصاب تلك المليشيا من جانب و من جانب آخر أن كبار القيادات هربت إلى مناطق آمنة ندعو الحكومة العراقية و القوات الأمنية و العسكرية إلى تعقبهم و إلقاء القبض عليهم و ثالثا إن الاتفاق تم تطبيقه و اتضحت المعالم الناجزة للنصر على حفنات من المراهقين و الشذاذ عاثت بالأرض فسادا مدة غير قليلة . و الحقيقة الأخيرة هي إن بيت الشعر الذي تمثل به ذلك الرجل صدق و لكن على قائله الذي احسب أن الأيام قد أبدت له ما كان يجهله أو ... يتجاهله .
https://telegram.me/buratha