( بقلم : عواد عباس الموسوي )
يتفق الباحثون المعنيون بالشؤون السياسية إلى أن ثمة أربعة مصادر لقوة الدولة وهي : الموارد البشرية - الموارد الطبيعية ( القوة الاقتصادية ) – القوة العسكرية – الأحلاف و الاتفاقيات مع قوة أكبر . و هذه الأخيرة ليست قوة جديدة في الفكر و العمل السياسي و ليست بدعة ابتدعتها طبيعة العالم المعاصر و أنماط العلاقات الدولية الراهنة ، بل ضاربة بجذورها في التاريخ شانها شأن القوى الثلاث الأخرى .
فمهما كانت موارد البلاد البشرية و قوتها العسكرية و متانة اقتصادها و استقراره فإن الحاجة إلى التحالفات الثنائية و الجماعية يبقى مصدر القوة التي ترجح الثقل في ميزان العلاقات الدولية ، لهذا قلما كانت وعبر التاريخ ثمة قيادة سياسية و إن انطلقت من فهم إيديولوجي محدد لا تأخذ بنظر الاعتبار ما للتحالف مع الدول الأخرى لا سيما الدول العظمى و الإمبراطوريات المهيمنة عالميا من أهمية قصوى إذ يتحقق أكثر من هدف لصالحها تبدأ من رفع احتمالية الصدام و المواجهة مع هذه الدول المهيمنة وتعارض المصالح معها و لا تنتهي عند حدود درأ أخطار التهديد من قوى أخرى و أطراف معينة ضمن المحيط الإقليمي أو العالمي .
هذه الحقائق المذكورة يدركها السياسيون و لا يمكن صاحب السلطة تجاهلها مطلقا لأنه يعلم أن حجم الخسائر ستكون هائلة و تنعكس آثارها السلبية على حاضر البلاد و مستقبلها . بينما يجد المعارضون التقليديون فرصة سانحة على الدوام في أية حركة ضمن نطاق العلاقات الخارجية و تأطيرها ضمن المعاهدات و الاتفاقيات و التفاهمات المشتركة ليطعنوا الحكومات و يشنعوا عليها و هم حين يصلون إلى مركز السلطة فسوف لم ينتهجوا إلا ما انتهجته الحكومات السابقة إذا ما أرادوا العمل لصالح بلدانهم . هذا الواقع " الانتهازي " للمعارضة ضد السلطة يزداد سلبية و عتمة حين يكون المعارض نفسه جاهلا بمضامين تلك الاتفاقيات التي ينتقدها و لهذا تبدو علمية اعتراضه في الأصل مجرد اعتراض لوجه الاعتراض و التسقيط للآخر المختلف معه . و تتجلى هذه القضية اليوم في موقف مقتدى الصدر و ما يعرف بتياره من الاتفاقية المزمع توقيعها مع الولايات المتحدة لإخراج العراق من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي يرزح تحته منذ سنوات عديدة بعد هزيمة صدام في الكويت و فرض الوصاية الدولية على العراق .
بالطبع لسنا هنا في معرض الدفاع عن الاتفاقية أو اتخاذ موقف ضدها لأننا ببساطة لا نعرف مضمونها تماما و كل ما يجري الحديث عنه و إشاعته مجرد تسريبات صحفية لجهات ثبت في السابق أنها لم تكن صادقة مع متلقيها . المهم هنا النظر في موقف مقتدى الصدر و الذي جاء متزامنا مع تصعيد إعلامي و دبلوماسي إيراني تجاه المعاهدة حد أن صرح خاتمي في خطبة الجمعة الرسمية في طهران بالقول إن أية حكومة توقع على اتفاقية العار هذه فان إيران تعتبرها خائنة للإسلام والشعب العراقي . و هو ما اعتبره الكثيرون تهديدا ضمنيا للحكومة العراقية التي ستعتبر خائنة و عدوة لإيران التي تمثل الإسلام . وفي ذات الخطبة ادعى السيد خاتمي إن المرجعيات الدينية في العراق رفضتها و هو ما دفع السيد علي السيستاني المرجع الأبرز للشيعة في العراق إلى الرد على هذه الأقوال و بذات الحكمة المعروفة عنه حيث أوضح انه لا يعرف شيئا عن مضمون الاتفاقية . و هذا يومئ إلى عقلية متبصرة و منفتحة حيث لا يمكن عقلا و منطقا اتخاذ موقف سلبي أو إيجابي من شيء لا يعرفه المرء و لا يقف على مضمونه لتقدير حجم المصلحة والمفسدة فيه ليتسنى إصدار الحكم عليه رفضا أو قبولا أو تحفظا جزئيا .
لكن السيد مقتدى على ما يبدو يأبى أن ينفك من حالة النزق و المراهقة السياسية فسارع إلى جعل هذه الاتفاقية قضية جديدة يثبت فيها حضوره الإعلامي كونه مولع حد الخبل بترديد اسمه في الإعلام كما يبدو واضحا ، و لكي يغطي على ما لحق مليشياته من هزيمة و تقهقر موجع في أكثر من مكان كان رقعة نفوذ الصدريين . على أن أكثر ما يلفت النظر هو هذا التناغم الفريد من نوعه بينه و بين الجانب الإيراني ، و لا نستغرب هنا إلا لجهة الرموت كونترول اللحظوي الذي يسيّر حركة مقتدى الصدر أما تناغم المواقف بشكل عام فهو لا يدعو للاستغراب كون الرجل مرتهن بوضوح بالإرادة الإيرانية .
قبل شهر تقريبا وفي خضم المعارك ضد القوات الأمنية صرح وزير الخارجية الإيراني تصريحات رافضة للاتفاقية الأمنية ثم في اليوم الذي تلاه كانت الصحف الإيرانية و وسائل الإعلام قد فسرت إن ما يحدث من محاولات للحكومة في فرض القانون ما هو في حقيقته إلا محاولة لتحييد الصدريين بغية إمرار المعاهدة على أساس أنهم الجهة الوطنية الوحيدة الحريصة على مصالح العراق و العراقيين فما كان من مقتدى بعد عدة ساعات فقط إلا إصدار بيانه الذي عبر فيه عن رفضه للمعاهدة .
و اليوم نعود لذات التناغم الفريد فما أن ترتفع درجة حرارة الرفض الإيراني للمعاهدة الأمنية حتى يخرج مقتدى بدعوة أتباعه للتظاهر ضد هذه المعاهدة التي وصفها البيان الصادر عنه بكونها غامضة و بالتالي فإن مقتدى و أتباعه سيهبون للاعتراض على شيء لا يعرفون مضمونه مطلقا سوى ما يتّكل وعليه من لوك و اجترار لتسريبات من هنا و هناك لا شيء مؤكد منها . و إن كان ثمة شيء مؤكد فهو إن هذه الاتفاقية ستخرج العراق من الفصل السابع لمنحه السيادة الكاملة و التامة على أراضيه و ثرواته و إن كان فيها مما يقدح بالسيادة العراقية فلا شك أن الحكومة و الأحزاب المشاركة فيها و البرلمان سيقف تجاه ذلك و يضغط بجهة تصحيحه و هو ما أكده أكثر من مسئول و نائب من الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة أو تلك التي خارجها .
https://telegram.me/buratha