( بقلم : غسان العسكري )
عاشت الامم والشعوب تجارب الصارعات الداخلية والنزاعات الاهلية وعلى مستويات عدة ونزيف دم مستمر وظهور عصابات اجرامية وآثار سلبيه على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ، وهي بعد كل فترات العنف والقتال وازهاق الارواح وهدم البنى التحتية وهدر الجهود والطاقات تعود الى رسم لوحة الحياة من جديد والى فسح المجال امام الشمس للأشراق ثانية ، وترى الجميع يسارع الى ان يكون نصيبه من الحياة الجديدة كبيرا ويحشر نفسه بالقوة لينافس الآخرين في مرحلة البناء والاعمار راكلا سنوات الجمر خلفه وتاركا ماضيه المثقل والدموي الى الذكريات ليلتقي في نهاية المطاف مع الاصوات الداعية الى نبذ العنف والقتال وعدم اهراق مزيد من الدماء والقاء السلاح والتعاضد للبناء المستقبلي وزرع ورود المستقبل واشجاره المثمرة على ارض صالحة خصبة وترك العمل العسكري على جانب والبدء في مشاركة فعلية في العمل السياسي ليوفر لنفسه والآخرين مكاسب ومغانم جمة ، غير ان البعض يريد تقييد حرية الرأي وحرية التفكير ويريد ان يمارس دوره السلطوي على الآخرين وان يجعل لنفسه امارة خاصة به وجمهورية دماء مظلمة تحيطها السجون والقيود والسلاسل وابوابها سيوف وشبابيكها رصاص وشظايا ، لا يريد الا رؤية منظر الدم يسيل من البشر ومن الارض ، يريد ذبح حمام السلام حتى يطير غرابه منتشيا لينعب بالديار الخاوية على عروشها .
ان فكرة الدمار والقتل موجودة وهي ميزة انفرد بها تنظيم القاعدة من اجل مصالح وغايات فهو قد جند لذلك علماء دين من الذين باعوا دينهم وشرفهم وعرضهم ووطنهم وباعوا انسانيتهم ليفتوا بجواز القتل والذبح ، فلم نر فاجعة اكبر من ان تمسك انسانا وتذبحه امام اطفاله فأي بشاعة تلك واي اجرام ؟ وهم سوقوا لهذه التجارة وصدروها الى كل بلدان العالم حتى اصبح القتل والذبح مرتبطا بهم في كل ارجاء المعمورة .
ورجال الدين جاهزون لتمرير اي موضوع واصدار اي فتوى وهم لايرعوون من الانطلاق الى تلك المجالات رغم انهم مسؤولون عن رقاب المسلمين غير ان الدنيا والمناصب غرتهم وجعلت افكارهم تنحرف الى غير جادة الصواب ،ولذلك جاءت الفتاوى بروح دموية ، ولا يوجد في القران والسنة ما يعاضدها سوى ان للقران وجوه متعددة وعلى هذا الاساس قاموا بتأويل الآيات وتحريف الكلم وزحزحته عن موقعه ، وهكذا بدأ هذا الفكر المتطرف يعيث بالارض فسادا ويقتل الحرث والنسل وبدمر كل شيء ، ولأيجاد بديل آخر على ذات الصلة من طرف عقائدي آخر ومن جهة متطرفة متشددة اخرى تكونت فكرة اقامة امارة طالبانية شيعية تحمل لواء المهدي ذلك الرمز القوي والمؤثر في النفوس كون الجميع ينطلق من مبدأ الاحترام لهذا الاسم والعنوان وجرت عدة محاولات في هذا الجانب من باب الترابط الفكري في التشدد وانتهاج نفس الاسلوب في التعامل مع الاحداث وفق المنظور ذاته ، وهكذا خلق حركة قاعدية جديدة بثوابت اساسية في الاهداف والغايات واسلوب التنفيذ وباختلاف في الانتماء العقائدي ، وهذا ما اشعل النار في كل الخيام واحرق المدن التي ذهبت مسبية الى بلاد آل سعود او الى بلاد اخرى ، المهم في الامر ان كلا الخيارين اورثا الدمار والموت وكلا التيارين والجهتين اطبقا فكيهما على العراق . ولرب قائل يقول ان هذا تجني على جيش المهدي كونه جيش عقائدي ولكن واقع الحال وما اقترفته تلك العصابات من جرائم شبيهة بعصابات القاعدة واستخدامها الجوامع والحسينيات كمقرات للقتال ونصب المحاكم الشرعية والحكم بالقتل والاعدام على كل من يخالفهم الرأي ووجود مجوز شرعي من اصحاب الفتوى بقتل كل من يقف امامهم كونهم اصحاب الحق الوحيدين في هذا المكان وعلى الجميع ان يرضخ لهم ويعلن ولائه وطاعتهخ وتسليم الارض لأنهم ورثتها الحقيقين ، فضلا عن التشدد في الافكار والتطرف فيها والادلة كثيرة على هذا المنوال .
والآن بعد ان استحكمت العقدة فلا بد من قراءة واعية لما ستؤول اليه الاحداث في العراق بعد زئير الاسود وما آلت اليه بعد صولة الفرسان ، هناك فرق كبير وملحوظ في الاستقرار والهدوء وتحسن الخدمات والانتعاش النفسي والاقتصادي والاجتماعي وعلى جميع الاصعدة وهذا لم يأتي اعتباطا وانما بجهد كبير بعد ان قررت الحكومة ان لامكان لكل الخارجين على القانون من السنة والشيعة وعدم جعل الدين اداة للتطرف والقتل وتشويه صورة الاسلام تحت اي مسمى ، كذلك خفوت حدة القتل والدمار التي كانت على اشدها في الايام الماضية والتي بلغت اشدها في الايام القليلة الماضية والآن هي تميل الى الهدوء والاستقرار والى التحسن ، وفي الموصل بدات المعركة ضد القاعدة وهي حرب لا تراجع عنها كونها الخيار الوحيد بعد ان استنفذت كل الوسائل السلمية في التعامل معها .
ان المعركة ضد الارهاب معركة الجميع ولا فرق هنا بين اي مكون لأن العراق عراق الجميع ولا يمكن لأي احد ان يعبث به , والآن بعد ان بانت بشائر الاستقرار والهدوء في الجنوب والوسط بعد القضاء نهائيا على جيش المهدي وعصاباته الدموية يأتي الدور على القاعدة التي ربتها وعلمتها على تلك الاساليب ولن تكون هناك امارة طالبانية من اي مكون فالعراق ليس افغانستان جديدة وليس لبنان اخرى ولا يمكن السماح لمن يريد تحريك الهدوء والامن الى مناطق وعرة ومتشابكة ، وستكون نهاية القاعدة كما كانت نهاية جيش المهدي الى موت وتلاشي من العراق .
https://telegram.me/buratha