( بقلم : فالح غزوان الحمد )
و سئلت النائبة لقاء حول ما تعتقد به حول الضربات التي تعرّض لها جيش المهدي في الآونة الأخيرة من أنها ستؤثر سلباً على وجوده ككيان مقاوم ؟ و قد أجابت السيدة النائبة بالآتي حرفيا :
" لقد أكّد السيد "مقتدى الصدر" إن جيش "المهدي" ليس جيشاً بالمعنى الاصطلاحي ، بل هو جهة رسالية عقائدية تحمل اللواء المهدوي وتُحارب من أجل حقوق المستضعفين من أبناء الشعب العراقي، وتحمل لواء قتال المحتل من مُنطلق الدفاع عن النفس الذي تكفله جميع الأديان والشرائع السماوية والأرضية . لذلك فإن مفاهيم الجيش النظامي لا تنطبق عليه فهو لا يمتلك مُعسكرات تدريب خاصة به ، وليس لديه رواتب يتقاضاها ولا يستلم أي أجور مُقابل أعماله ولا توجد حتى هيكلية تنظيمية لهذا الجيش، أما بالنسبة للحديث عن كون الضربات الأخيرة قد ساهمت في إضعاف قدرات جيش المهدي فأنا لا أعتقد ذلك لأن المفهوم العقائدي و الرسالي لهذا الجيش لا يُمكن أن يتزعزع أما إذا كُنت تنظر للمفهوم المادي لقدرات جيش المهدي فإن لكُل فعل رد فعل ولن يتأثر بما أصابه ويُصيبه " .
إن لمن الطبيعي أن ينكر الصدريون هزيمتهم العسكرية و لا شك و لكن ما يهمنا هنا هو بضعة نقاط تستحق الوقوف و المناقشة وهي بمجملها من ثوابت خطابية لدى مقتدى و قادة مليشياته . و من هذه النقاط :
أولا : إن جيش المهدي جيش عقائدي و ليس جيشا بالمعنى الاصطلاحي بل هو جهة رسالية عقائدية .. الخ . و قد اعتاد المواطن العراقي على سماع هذه الجملة مرارا و تكرارا و لا يكاد يدرك ما هو المفهوم الذي يمكن أن يقبله المنطق أو يتسنى له إيجاد سابقة مماثلة تاريخيا ماضيا و حاضرا ، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ان الصدريين يرفضون وصف جيشهم بالمليشيات في مقابل الرفض السابق لوصف مليشياتهم بالجيش . إن وصف الجيش يطلق على مجموعة منظمة تحمل عقيدة عسكرية معينة تابعة لنظام سياسي و مجهزة بالسلاح و الذخيرة اللازمة للمواجهة المسلحة ، و حين تفقد بعض هذه المقومات التعريفية للمفهوم تصبح تلك المجموعة المنظمة مليشيات مسلحة . و المليشيات هي عبارة عن كيان مسلح يؤمن بفكرة ما دينية أو غيرها و يحاول فرض كلمته عن طريق قوة السلاح متمردا على السلطة القائمة وفي حال عدم وجود تلك السلطة لظروف معينة كانحلال كلي لمؤسسات الدولة فإن المليشيا هنا لا تكتسب مشروعية قانونية أو سياسية و لا حتى أخلاقية لمجرد غياب السلطة و عدم وجود مؤسسة عسكرية معترف بها . إن ما تنثه النائبة لقاء من عطور لغوية و تلاعب بالألفاظ لا يمكنه تغييب الحقائق و تغييرها ، إن جيش المهدي كان و لا يزال مجرد مليشيا خارج سلطة القانون و هي ذراع مسلح لحزب أطلق عليه أتباعه و بعض القنوات الإعلامية اسم التيار و أصبح تسمية لازمة و مميزة له .
ثانيا : أما أن هذه المليشيات تدافع عن حقوق المستضعفين من أبناء الشعب العراقي، وتحمل لواء قتال المحتل فهو لو كان واقعا و صحيحا لما اعترض عليه الناس بيد أن الحقيقة هي أن هذا الجيش محض عصابات للقتل و مصادرة حقوق المواطنين و إجبارهم على الأخذ بأطروحاته و توخي رؤاه و نظرته و التسليم بمطلقاته .
ثالثا :على أن حضرة النائبة تجعل قضية مقاومة ما أسمته بالاحتلال هو من وحي قضية مبدئية متسالم عليها و تقرها كل الأديان تتمثل بحق الدفاع عن النفس . وهنا نقطة غاية في الأهمية لا بد من توضيحها للقارئ الكريم وهي إن هذه المقولة " مقولة الدفاع عن النفس " مقولة فضفاضة تفهمها و فهمتها عبر التاريخ كل جهة حسب ما يتماشى مع مصالحها و أهدافها و إيمانها المطلق بأحقية أفكارها على أفكار الآخرين . لهذا من السذاجة نسبتها إلى الإسلام كنوع من التشريع و إشاعتها تحت عنوان أخلاقي عام تقره كل الأديان و الشرائع السماوية و الأرضية كما تقول السيدة لقاء . فالحق إن ثمة بون شاسع بين الفهم الإسلامي لمعنى الدفاع عن النفس – و ليكن واضحا أنها لا تندرج تحت مفهوم الجهاد مطلقا حتى وفق موازين و فتاوى السيد محمد صادق الصدر والد مقتدى نفسه و ليراجع الجزء الثاني من منهج الصالحين الفتوى 390 – إن الدفاع عن النفس إسلاميا هو رد الخطر في لحظة تحققه فلو فرضنا أن شخصا هب أمامك ليطعنك بسيف أو خنجر و قمت بصده و انتهى صدك إلى طعنه و من ثم قتله فإن ذلك الفعل يعتبر دفاعا عن النفس و هو ما لا ينسجم مع تسع و تسعين بالمائة مما يقوم به جيش المهدي من أفعال و أعمال مسلحة . المهم إن تحقق مشروعية الدفاع عن النفس يكون بتحقق لحظة التهديد الفعلي للإنسان و هنا تتحقق بدورها مشروعية ما يترتب من قتل أو جرح تحت عنوان الدفاع المشروع . تجاوز هذه الحالة إلى حالة أكثر عمومية و تحت لافتة مقاومة المحتل تدخل القضية في باب الجهاد الدفعي وهو محكوم وفقا لفتاوى الفقهاء الشيعة و منهم السيد محمد صادق الصدر بتوفر جملة شروط لا بد منها و لتراجع في رسائل و كتب هؤلاء الفقهاء .
رابعا : تمضي السيدة لقاء آل ياسين بترديد معزوفات صدرية بالية تحاول من خلالها عبثا طمس معالم الحقيقة الساطعة كون جيش المهدي مجرد مليشيات لا شرعية لوجودها بالقول : لذلك فإن مفاهيم الجيش النظامي لا تنطبق عليه فهو لا يمتلك مُعسكرات تدريب خاصة به ، وليس لديه رواتب يتقاضاها ولا يستلم أي أجور مُقابل أعماله ولا توجد حتى هيكلية تنظيمية لهذا الجيش . و في هذا الكلام مغالطة واضحة و افتئات على الحقيقة فأولا إن سلمنا بعدم انطباق الجيش النظامي عليه فهو سيصبح مليشيات مسلحة و لا يوجد وصف ثالث له وثانيا فإن قضية المعسكرات ليس من الضروري توفرها ليمكننا وصف الجماعة المسلحة بكونها جيشا أو مليشيا كذلك ، فقضية التدريب في معسكرات أمر لم يكن متوفرا في بعض عصور التاريخ و أقربها الجيوش الإسلامية الأولى و الأوكد من ذلك أنها ليست من مقومات و ضروريات وجود المليشيات و الحديث عن إعطاء الرواتب باعتبار ذلك مقوما أساسيا فهو كلام فارغ و لا معنى له . على أن أغلب عناصر جيش المهدي الفاعلة تتلقى أموالا سخية من إيران أو من عوائد تهريب النفط و غيرها كما كان يجري حتى وقت قريب في ميناء أم قصر قبل أن تسترده القوات الأمنية من أيدي شراذم جيش المهدي أضف إلى ذلك ما تجبيه هذه العصابات من أموال و إتاوات من المواطنين و التجار بل و حتى الباعة المتجولين في بعض مناطق العاصمة و غيرها وهو ما بات مكشوفا و مفضوحا و يعرفه القاصي و الداني .
خامسا : ثم تصل السيدة آل ياسين إلى جوابها عن لب السؤال بعد هذه الجولة البائسة من التبريرات غير المنطقية لتقول مضيفة "أما بالنسبة للحديث عن كون الضربات الأخيرة قد ساهمت في إضعاف قدرات جيش المهدي فأنا لا أعتقد ذلك لأن المفهوم العقائدي و الرسالي لهذا الجيش لا يُمكن أن يتزعزع أما إذا كُنت تنظر للمفهوم المادي لقدرات جيش المهدي فإن لكُل فعل رد فعل ولن يتأثر بما أصابه ويُصيبه " . و لا ريب لدى العاقل إن جيش المهدي تعرض خلال الآونة الأخيرة إلى أقسى الضربات و فقد الكثير من سلطته و نفوذه و تعرض إلى خسائر جسيمة أما الحديث عن أن المفهوم الرسالي لا يتزعزع فهو كلام مجرد تقوله كل جهة حتى بقايا صدام و عصابات القاعدة . و إنكار ذلك على المستوى المادي ضرب من التعامي أو الخداع للأتباع قبل غيرهم على أن الجملة الأخيرة لحضرة النائبة وهي قولها " أما إذا كُنت تنظر للمفهوم المادي لقدرات جيش المهدي فإن لكُل فعل رد فعل ولن يتأثر بما أصابه ويُصيبه " فلا أكاد أخرج منها بمعنى أتعقله لماهية الفعل و رده الذي يعني في النهاية عدم تأثر جيش المهدي بخسائر مادية !
سؤال آخر وجه للسيدة لقاء آل ياسين وهو : ماذا عن سلاح جيش المهدي ؟ فأجابت : " أنا أعتبر أن هُنالك 1300 رسول سلام في البصرة رفضوا أن يُقاتلوا أخاهم العراقي، أخاهم بالإنسانية قبل أن يكون أخاهم بالدين، جاءوا وسلموا أنفسهم وأسلحتهم . وأنت تعلم جيداً بأن حدود العراق مفتوحة من جميع الجهات وأن قوات الاحتلال وحسب ما تدّعي، وإن كانت هي تريد أن تطبّق مفهوم كلمة احتلال فإن الدولة المحتلة يجب أن تقوم بحماية الدولة التي تحتلها ومن ضمنها حماية الحدود، وهو ما لم تقم به كواجب من واجباتها تجاه العراق المحتل فلا تزال الحدود مفتوحة ويوجد تجار سلاح من مُختلف الهويات " . تعبير الـ 1300 رسول سلام بلا شك يمثل مفخرة إبداعية للخطاب الصدري الذي يقترب أحيانا من لهجة أبناء الشوارع و السوقة ، و هو إحدى ثمرات رسالة الدكتاتوراه للسيدة لقاء و لكن للأسف لا يعدو كونه جميلا في لفظه بعيدا في مضمونه و معناه الذي يجافي الواقع الذي يعرفه سكان البصرة و منطقة الحيانية على وجه الخصوص . إن الـ 1300 شيطان دموي كانوا قد قتلوا العديد من الشرطة و الناي الأبرياء طيلة سنوات وهم لم يرفضوا مطلقا أن يقتلوا أبناء بلدهم و أخوتهم كما تدعي لقاء آل ياسين و ما حصل لا يعدو أكثر من أمر استسلام وكف عن القتال صدر من مقتدى و رغم عودة تلك الشياطين إلى جحورها فهم لم يكونوا راضين تماما على قرار مقتدى . نعم نوافق الدكتورة لقاء في قولها الأخير حول وجود تجار أسلحة و من مختلف الهويات التي تعود لدول الجوار و لكن نصف الحقيقة الذي أخفته السيدة لقاء هو إن هؤلاء التجار يقومون بتهريب الأسلحة عبر الحدود لصالح مليشيات جيش المهدي و ما تلك الأكداس من الصواريخ و الأعتدة و العبوات الناسفة التي وجدت في مقارهم و مساجدهم و بيوتهم إلا دليلا على نقول و إلا فمن أين جاءت و هي تحمل تواريخ العامين الأخيرين يا حضرة الدكتورة الفاضلة ؟؟
بالطبع حاولت في السؤال الآتي أن تكمل تزييفها للواقع حين سئلت : ولكن ألا يتعارض امتلاككم للسلاح مع مفهوم الدولة، خاصة وأن التيّار الصدري هو أحد المؤسّسين لهذه الدولة ؟ فكان جوابها هو : " نحن لا نمتلك أسلحة ثقيلة، بل أسلحة عادية مثل الكلاشينكوف والمسدسات التي لا تشكل تعارضاً مع مفهوم الدولة وهي موجودة لدى جهات كثيرة . " جيش المهدي لا يحمل أسلحة ثقيلة كالصواريخ التي تطلق على الأحياء السكنية و تلك التي تستهدف المنطقة الخضراء باعترافهم و قد تم تثبيت هذا الاعتراف بشكل رسمي في بنود الاتفاق الأخير بين وفد الائتلاف و الهيئة السياسية للتيار الصدري بشكل و إن كان ضمنيا بأن يتعهد جيش المهدي بعدم ضرب مؤسسات الدولة و منها المنطقة الخضراء .. كذلك لا يمتلك جيش المهدي عبوات ناسفة كالتي زرع فيها كل شوارع و أزقة مدينة الثورة و هو أيضا مثبت في بنود الاتفاق .. كل سلاح المليشيات مجرد مسدسات و كلاشنكوف !!! أقول فقط حين يصل الأمر بنائبة في البرلمان و حاملة لشهادة علمية رفيعة و تعرض نفسها أنها منتمية إلى جهة رسالية عقائدية أقول إن من أبسط الأمور الأخلاقية التي يجب الالتزام بها حين يكون الإنسان على هذا الوصف هو الصدق و الابتعاد عن رذيلة الكذب الصراح .. و لكن لكل امرئ من دهره ما تعوّدا ، و يبدو ان ذلك عادة الدكتورة الصدرية الرسالية العقائدية .
https://telegram.me/buratha