( بقلم : د. خزعل فارس الجابري )
جميل أن نردد عبارات إنسانية و أخلاقية و مهذبة ملؤها التواد و التسامح و إشاعة روح الحب و الألفة و الدعوة إلى الخير و الإصلاح و ما فيه خير البلاد و العباد كما يقال . و لكن كم هو قبيح أن يردد المرء تلك العبارات الجميلة و يطلق الدعوات الخلابة و يجتهد في رفع الشعارات النبيلة ، لكن في ذات الوقت يكون أول من يخالفها و يضرب بها عرض الحائط ذلك الذي رددها و رفعها و دعا لها .. فيسلك مسلك الشر وهو يدعو بلسان ذرب إلى الخير و السلام و يجترح كل ما هو مربك و مصدر للكراهية و هو يطلق عبارات طنانة رنانة في الحب و الوطنية و المحبة . إنها مفارقة لا يحتملها الكثيرون فلا يرون في ذلك سوى ضرب من النفاق و الخداع و تسلقٍ للمصالح بطريقة مخاتلة و مراوغة .
لم يلفت انتباهي ما صرح به أحد مشايخ التيار الصدري لوسائل الإعلام وهو يدعو من مدينة الثورة القوات الأمنية ألا ترفع سلاح الشعب بوجه الشعب ، على رغم جمال هذه العبارة لأن تصريحات كهذه أدمنها الصدريون و لم تعد تثير انتباه أحد لكثرتها و عدم تطبيقها على الأرض من قبل الصدريين و مليشياتهم أولا و قبل غيرهم . و مع هذه الحقيقة يصر شيوخ و نواب الصدريين على ترديد ذلك من فترة لأخرى . إن سلاح الشعب لا يرفع بوجه الشعب جملة مكتنزة بالدلالات العالية فسلاح الجيش ليس أداة فتك بالمواطنين كما كان الحال في أيام طغمة البعث بل هو في سبيل حمايتهم و الدفاع عنهم و لا يمكن أن نفهم معنى آخر إذ ليس من المعقول أن يكون القصد هو أن ملكية سلاح الدولة للشعب فهذه حوسمة في وضح الخبل و العته ، و ليس كذلك أن يكون كل فرد شريك في إصدار قرار استخدام السلاح العائد للحكومة فهو ضرب من الجنون و شيء مبتكر من الفوضى . إذن فتعبير سلاح الشعب يعني أنه سلاح يستخدم لصالحه وهذا ما قامت و تقوم به الحكومة .
غير أن الصدريين و مليشياتهم لا يرون مثل هذا الواقع و يختلقون لأنفسهم واقعا و حقيقة أخرى حيث ينطلقون من كونهم على حق مطلق يجب أن يدور كل ما في هذا العالم من حولهم قضايا و مفاهيم و وجودات في فضائهم و يسبح ضمن إطار ما يفهمونه و يقدرونه . فعلى الجيش و القوى الأمنية أن تغض الطرف عن عناصر جيش المهدي لكونه على حق و يقاتل في سبيل قضية مبدئية لم يطلعونا على كنهها و معناها سوى رفع شعار المقاومة وهم داخل الحكومة أو خارجها و مع العملية السياسية و لا يجهرون بمناوئتها أو رفضها بل و لا حتى التحفظ عليها لكي يتسنى لنا فهم حركتهم و أهدافهم و غاياتهم .
إن ضرب و اعتقال العناصر المجرمة و تخليص الناس من شرورهم لا يمكن أن يوضع في خانة استخدام سلاح الشعب ضد الشعب كما يريد أن يقوله ذلك المتشيخ .. و إلا أصبح كل جيش أو قوة أمنية في أي بلد من بلدان العالم قديما و حديثا يعمل ضد شعبه و يرفع السلاح بوجهه و هذا ما لم يقل به أحد . بل إن السلاح حين يوجه إلى المجرمين و القتلة فهو يمارس وظيفته المنطقية و بلا شك فلا نكاد نعثر على جهة في العالم تحاول مزاحمة كيان الدولة و تريد أن تتحكم بمصائر الناس إلا وترى نفسها هي الشعب و هي الوطن و هي الدولة الشرعية و كل عمل يمسها أو يمس عناصرها يمس الشعب و الدولة و الوطن كما كان نظام الدكتاتور صدام المقبور فماذا يقول العاقل وهو يرى مليشيات جيش المهدي وقد عاثت و تعيث في الأرض فسادا و قتلا و تكميما و مصادرة لأراء المواطنين ... !
خزعل الجابري
https://telegram.me/buratha