( بقلم : د. ناهدة التميمي )
لو كان هنالك القليل من العدالة ولو كان للفيلية( ظهر) كما يقول العراقيون لكان اول جريمة يحاسب عليها النظام البائد هي جريمة ابادة الفيلية دون ذنب يذكر.. فهم اول شريحة مورست عليها الابادة الجماعية والاعتقالات العشوائية وسياسة الارعاب والتخويف وسرقة المال والاملاك وتغييب الاعزاء دون سبب ما .. واذا كان النظام البعثي قد تحجج باكاذيب في مسالة ابادته للاكراد في حلبجة والانفال من انه كان يقصد البشمركة والمقاتلين الايرانيين المختبئين في تلك القرى وانه انذر سكان هذه القرى بالمغادرة قبل القصف الكيمياوي .. واذا ضلل الرأي العام العراقي والعربي والدولي من ان الشيعة في الجنوب ثاروا عليه وهددوا سلطته فابادهم وقصف قراهم باليوارنيوم المنضب ضمانا لابادة شاملة لهم وللناجين منهم وجفف اهوارهم وشردهم وقصف تجمعاتهم المائية بالكيمياوي ايضا .. فما عذره في ابادة الفيلية وهم عرفهم الجميع بالمسالمة والابتعاد عن السياسية وكانوا من صفوة المجتمع تجار واطباء وعلماء ومهندسين واصحاب رؤوس اموال .
ماذنب الام الفيلية المعذبة لحد هذه اللحظة وبعد كل هذه السنين لاتعرف اين يرقد اعزتها واحبتها .. اخذوا زوجها او ولدها او اخيها او ابيها الى معسكرات الابادة في صحراء السماوة ومورست عليهم كل انواع الابادات من التجارب الكيمياوية بغاز الخردل وغاز الاعصاب والسيرين الى التجارب الجرثومية الى الاذابة بالاسيد لمجرد انه كان يحتاج الى بشر يجري عليهم تجارب حية فكانت هذه التجارب نصيب هؤلاء التعساء .. عندما زار فريق اممي مختص بحقوق الانسان مقر الدكتور الجرثومة والتي اطلق سراحها معززة مكرمة الى سوريا وجدوا في مختبرات عملها غرفة وفيها كرسي لاجراء التجارب الجرثومية والكيمياوية حيث كانوا ياتونها بالسجناء لتجري عليهم تجارب الابادة فسالوها على ماذا تجرين تجاربك قالت على الحيوانات .. كلاب وغيرها .. فسالها احدهم وهل الكلاب والقطط والحمير تحتاج لكراسي يجلسون عليها اثناء التجارب .. نعم كان هؤلاء الكرد الفيلية الذين جعلوا منهم تجارب بشرية للابادة الجماعية ..
انا اعرف احد الناجين من هؤلاء وكان شابا في كلية الاداب عندما اخذوه ولم يشفع له شيء الا لانه كان في اتحاد الطلبة وقد راى بعينه ماذا جرى لصحبه ورفاقه وكيف ابيدوا امام عينه بدفنهم بالحفر احياء وبالاذابة والتجاربالكيمياوية والجرثومية.. اما من كان في مثل حاله فكانوا يسقون اشياء هو ذكرها وسماها, ولكني لااريد ان اذكرها, حتى يصابوا بالشلل او الطرش او الخرس وهو خرج شبه مجنون وكلما سالت عنه قالوا شبه مجنون الى يومنا هذا ..
ما ذنبهم ليجري عليهم كل ذلك.. سلبت اموالهم وهجروا قسرا لبلاد لايعرفونها ولاتربطهم بها جذور اذ ان جذورهم العراق حتى ان البعض منهم وضعوهم في سيارات الترحيل قبل ان ياتي اولادهم من المدرسة او الجامعة او العسكرية .. ما ذنبهم وهم اليوم يعيشون المنافي ومخيمات رثة بائسة في ايران وهناك يسمونهم العرب .. وصدام اطلق عليهم الفرس العيلاميين .. لماذا لم تعاد لهم اموالهم بعد التغيير ولماذا لم يرفع الحيف عنهم لحد الان ولماذا لم يعودوا الى وطنهم ولماذا لم تكشف قبور احبتهم ممن كانوا في ريعان الصبا لهذه اللحظة.. ولماذا الام الفيلية تكابد حتى ساعتنا هذه وتريد ان تعرف بلهفة مصير الزوح والاخ والولد . لماذا لم تبنى لهم مجمعات محترمة يسكنوها في بلدهم العراق بدل المنافي .. سمعت احدهم وقد التقت به الفيحاء من مخيم ازنا يقول انه يضطر هو وابنه ذو العشر سنوات ان يخرجوا من الفجر للعمل والثلج اربع امتار في الشتاء ليأامنوا قوت يومهم القليل جدا ولايوجد لديهم نفط او مصدر للتدفئة او اية اعانة مادية فيعيشون على الكفاف اين العراق الغني والمنظمات الانسانية عنهم متى ينصف هؤلاء القوم ويرفع الحيف عنهم .. ام اننا نتذكر اصواتهم فقط ايام الانتخابات..
د. ناهدة التميمي
https://telegram.me/buratha