( بقلم : كريم النوري )
علاقات المرجعيات الدينية في النجف الاشرف تميزت بعلاقات متينة وصلات خاصة بحكم الواقع العملي والديني لهذه المدينة والهموم الحوزوية المشتركة ولم تتأثر بطبيعة الصراعات التي افتعلتها الانظمة السياسية المتعاقبة على الحكم في العراق والتي حاولت وضع هذه العلاقات لمؤثرات الاهتزاز وسوء الظن.
كذلك لم تتأثر العلاقات المرجعية في النجف الاشرف بسبب الخلافات في المباني الفقهية والفكرية والتوجهات الدينية والسياسية بل كانت هذه الخلافات لا تتعدى منابر الدرس والمباحث العلمية والمتخصصين باعتبارها قضايا معمقة لم يطلع عليها العوام والبسطاء من الناس. والامر الاخر الذي يميز هذه العلاقات بين المراجع والفقهاء في النجف الاشرف ان السجالات الفكرية والسياسية هي في الواقع محل جدل وابتلاء فكري وليست مجرد ترف ذهني او خلافات تنافسية لا تليق بشأن الحوزة العملية في هذه المدينة المقدسة مدينة امير المؤمنين(ع). وقد تتميز بشكل اكيد هذه العلاقات بين بيوتات المرجعية واهل الفقاهة اذا كانت الهموم الفكرية والسياسية متقاربة او متطابقة كما هي علاقات آل الحكيم بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر.
كانت علاقات السيد الشهيد محمد باقر الصدر متميزة مع شهيد المحراب(قدس) وهي لم تتاطر بعلاقات عائلية تسودها العاطفة والمحبة والانسجام الفكري والفقهي بل تتعداها الى ابعد من ذلك في الهموم الاسلامية الكبرى والقضايا الفكرية الاساسية في مواجهة التيارات الوافدة والمنحرفة.
يتحدث شهيد المحراب(قدس) عن علاقته الوطيدة مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر بقوله: بدأت علاقتي بالشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في وقت مبكر حيث كنت اقرأ كتاب (كفاية الاصول) - من الكتب المعمقة للاخوند الخراساني يبحث اصول الفقه- في سن التاسعة عشر من العمر وقد تعرفت عليه كأحد مدرسي الكفاية فوجدت فيه الاستاذ المبدع والعلم النافع والصديق الوفي وفي هذا الاطار- والقول لشهيد المحراب(قدس)- كانت الاخوة في الله وعلى مستوى عال من الاندماج الروحي والعاطفي والفكري والهموم العامة. ويضيف شهيد المحراب(قدس): وقد تطورت هذه العلاقة الى درجة انه لا يكاد ان نفترق الا لحاجة ملحة ولم نكن نشعر بالوقت عند اللقاء وفي مختلف التفاصيل الصغيرة والكبيرة.
ويشير شهيد المحراب(قدس) الى طبيعة الاهتمامات الفكرية بينه وبين السيد الشهيد محمد باقر الصدر بقوله: في هذه الفترة كان التطلع للقيام بعمل واسع للمواجهة الفكرية والسياسية الواسعة التي كانت قوية ونافذة خصوصاً في أوساط الشباب والمثقفين، وكان تصدي المرجعية الدينية للعمل السياسي والثقافي والاجتماعي والديني خصوصاً بعد انقلاب 14 تموز سنة 1958 ومواجهة التيارات الشيوعية والفوضوية والعنصرية والتطرف اليساري والقومي ومحاولات الغرب لاحكام الهمينة على العالم العربي والاسلامي، فكان تأسيس جماعة العلماء ومجلة الاضواء والحركة الاسلامية المنظمة وتوعية الحوزة واوساط الامة المختلفة واستنباط النظرية الاسلامية لتكوين القاعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
يواصل شهيد المحراب(قدس) كلامه بقوله: وكان لي حضور فاعل في كل هذه النشاطات التي تقوم بها المرجعية الدينية او الشهيد الصدر الذي كان له دور مختلف من حيث السعة والشمول ولكنه كان مهماً على أي حال.ويضيف شهيد المحراب(قدس) وفي هذه الفترة أي في عام 1958 وضع الشهيد الصدر نظرية الحكم الاسلامي على أساس الشورى وتمت مناقشتها وعرضها على بعض العلماء الاعلام وصياغتها على شكل مواد واسس وكذلك تأسيس الحركة الاسلامية وكتابة كتاب(فلسفتنا) واصدار مجلة الاضواء وكنت الى جانب الشهيد الصدر في كل ذلك حيث كنا نعمل باخلاص وتفان وتضحية نبتغي رضا الله تعالى ووجهه الكريم.
ويكشف شهيد المحراب عن الظروف التي كانت تعيشها مدينة النجف الاشرف والحوزة العملية تحديداً بقوله ( لقد كانت مدينة النجف في ذلك الوقت قد احتلت من قبل الاشرار حيث كانت تنتشر فيها ما يسمى بالمقاومة الشعبية في كل مكان خصوصاً في الليل تملأ الطرقات والازقة وكانت بيوتنا مراقبة بشكل خاص، وكنت اسهر الليل الى جانب السيد الصدر وانصرف وقد خلت الطرقات الا من هؤلاء وتنتظر الهجوم علينا في كل لحظة حيث كان يقتل الانسان او يجر بالحبال دون رحمة او رادع.
ويؤكد شهيد المحراب دور الشهيد محمد باقر الصدر في مواجهة التيارات الوافدة بقوله ( لقد كتب الشهيد الصدر كتاب فلسفتنا في هذه الفترة وهو مناقشة للفكر الماركسي واخذت بعض الصحف المعادية للشيوعية بنشره وتوتر الوضع السياسي ضده وكان عليّ ان اطبع الكتاب وكانت المطبعة التي وافقت على طبعه هي المطبعة التي تطبع فيها الجريدة اليومية للشيوعيين في منطقة الفرات الاوسط ، وقد كنت اتردد على هذه المطبعة كل يوم لمتابعة هذا الموضوع واواجه خطر الموت او الاعتقال يومياً.
ويشير شهيد المحراب(قدس) الى مراحل طبع كتاب فلسفتنا بقوله( لقد كان اخراج الكتاب يمر بدور القراءة الاولية للشهيد الصدر ثم بدور وضع العناوين وتقسيمه ثم دور ارساله الى المطبعة وتصحيحه للمرة الاولى والثانية والذي كنت اقوم به ثم يقوم الشهيد الصدر بتصحيح الكتاب للمرة الثالثة من خلال قراءته له بنفسه.
ويضيف شهيد المحراب(قدس) حاول الشهيد الصدر ان يثمن هذا الموقف بمقدمة كتاب فلسفتنا الا انني اطلعت عليه بسبب مرور اوراق التصحيح عليّ فحذفت ما ذكره من تثمين وارسلته الى المطبعة حيث فوجىء الشهيد الصدر بالكتاب يصدر خالياً من ذلك ولم يحدثني بشىء وانتظر كتاب اقتصادنا بعد سنة تقريباً حتى كتب هذه العبارة المشار اليها في مقدمة اقتصادنا وفي هذه المرة اوصى عامل المطبعة ان لا يعطيني الاوراق بل يذهب بها الى المطبعة مباشرة فوجئت بصدور الكتاب وفيه هذا اللطف والمحبة.وسنشير الى العلاقة بين شهيد المحراب والشهيد الصدر في الايام الاخيرة في الحلقة القادمة.
https://telegram.me/buratha