( بقلم : د. خزعل فارس الجابري )
في أيام النظام البائد كانت الطغمة الحاكمة قد امتهنت الكثير من الوسائل و السياسات التي أضرت بالمجتمع العراقي و لعل بعضا من إفرازاتها و نتائجها لمسناه عن كثب بعد زوالها كما لا زلنا نلمس ذلك و يتوقع أن يستمر حضور تلك النتائج إلى فترة معينة حتى يتم تنقية الجسد العراقي وعلى كافة الأصعدة منها . و كان من القضايا المعروفة هو سيطرة حزب البعث و البعثية على كامل مشاهد الحياة دون استثناء ، فمن لا ينتمي إلى البعث ولو ظاهرا فهو لا ينتمي إلى الوطن حقيقة .
و قد نتج عن تغلغل الحزبية في صفوف الناس إلى مشاكل اجتماعية خطيرة ظل بعض منها تحت رماد الخوف و الرهبة ، فيما تجلى بعض آخر في كم هائل من الوقائع و الأحداث و المشاكل وصل بعضها حد الشذوذ القيمي و الأخلاقي ، حين كان أحد البعثيين في عائلة ما يبلغ عن قريب له من الدرجة الأولى ليتم زجه في المعتقلات و نسبة غالبة على الظن ألا يخرج أبدا إلى أهله . و تنشب الشجارات و الخلافات بعد ذلك لتجرف بالنسيج الأسري إلى الهاوية ، و مثل هذه الحالات كانت شائعة و فعلت فعلها في طبقات المجتمع كافة فصار البعض يخشى من زوجته إلى ان تمضي وقتا طويلا ليطمأن إليها و يثبت له أنها ليست وكيلة أمن من وراء ظهره أو بعثية حتى القاع فإذا بزلة لسان تذهب به إلى حيث لا عودة . نعم لا يجب المبالغة في هذه القضية و تهويلها فقد كان العراقيون أقوى على التشبث بقيمهم و أعرافهم و قولبهم النقية رغم كل محاولات التشويه و المسخ على يد جلاديهم و لكن تبقى إن تلك الحالات كانت تمثل ظاهرة ولو بحدود معينة لا سيما في فترة الحرب مع إيران . للأسف وجد النظام المقبور خلفا وفيا له ربما وسعنا التحذير من خطره الأكثر بشاعة من صدام و سلطته . فقد أخذت المليشيات و على رأسها جيش المهدي تفت في عضد اللحمة العراقية حتى على مستوى وحداتها الأصغر كالعشيرة و الحي و المحلة و الأسرة الواحدة . فهذه المليشيات و نعني بها جيش المهدي تلتحف بغطاء شرعي و تبرز نفسها كمكون أقرب إلى العقائدي و بالتالي فإن عناصرها ينطلقون في التعامل ضمن محيطهم الاجتماعي و الأسري من هذا المنطلق . و كما هو متوقع لأي كتلة على هذا الغرار و هي مسندة ظهرها إلى مشاجب سلاحها الثقيل و المتوسط أن تصبح عاملا من عوامل تفكيك النسيج الاجتماعي ، و هذا ما نلحظه بوضوح و يزداد جلاء يوما بعد آخر .
فقد أصبحت مليشيات جيش المهدي مصدر توتر و خصومات و نزاعات في العشيرة الواحدة و مثلها في الحي أو المحلة التي كان أهلها قد أمِن بعضهم بعضا ، و أيضا على مستوى بعض العوائل و الأسر التي بدأت تتضعضع علاقات أفرادها نتيجة وجود واحد من أبنائها في جيش المهدي . و قد يصل الخلاف حد التشاجر لا بالأيدي و السكاكين بل بالبنادق و هو قد لا يستغربه البعض ، إلا أن ما قد يستغربه الكثيرون هو حين نقول أنها قد تصل حد استخدام القنابل و الآر بي جي سفن و الهاونات !! حدث مؤخرا في أحد أقضية مدينة الناصرية أمر كهذه حين اختلف شقيقان أحدهما ينتمي إلى جيش المهدي و الآخر مؤيد للمرجعية النجفية و بلغ الخصام حد أن استقوى الشقيق الأصغر المنتمي إلى جيش المهدي برفاقه في المليشيا و هجموا على بيت أخيه هجمة أخٍ واحد .. ! لن تترك الوجودات المسلحة التي تؤمن بالعنف إلا الفساد و الإفساد و لا يمكن لعاقل أن يتوقع إلا نتائج مخيفة و بشعة ، و بلا شك ستنعكس ظاهرة المليشيا على أفراد المجتمع و تصبح لغة العنف و القتل هي السائدة فيما لو ترك العنان مرخيا لها ، إذ أن عناصر هذه المليشيات سوف لن يتقنوا و لن يعتادوا غير لغة السلاح و الرصاص حتى في أسخف حالات الخلاف مع الآخر إن في البيت أو في الشارع أو في غيرهما .
ليهنأ السيد مقتدى الصدر بهذه الانجازات و ليغمض عينه رغدا و هو يسبح و يمجد الله – إن كان يفعل ذلك – و يفكر للحظات في منزله في الدار الآخرة و هو لا يعلم حجم الكوارث الحاضرة و الآتية بفعل قراره السيئ الصيت الذي أعلن فيه تشكيل جيش المهدي و الذي دفع و سيدفع العراقيون الثمن الباهظ بسببه ، و النتائج الملعونة لا تعد و لا تحصى و ربما إذا ما لم يوضع حد لهذه المليشيا و يتم تفكيكها بالقوة فإن الأخطر لم يحدث بعد على مستقبل البلد و على مستقبل الطائفة الشيعية و على المجتمع العراقي بأسره ..
https://telegram.me/buratha