( بقلم : احمد عبد الرحمن )
في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت الكثير من الدراسات والاحصائيات والتقارير المتعلقة بالاوضاع الامنية في العراق محافظة ديالى الاسوأ امنيا، او انها من بين ثلاث او اربع محافظات عراقية كانت تعد الاسوأ في هذا الجانب. واستندت تلك الدراسات والاحصائيات على كم كبير من الارقام والمعلومات التي تتفاوت في دقتها وتعبيرها عن الواقع كما هو بالكامل، دون ان يعني ذلك انه لم يكن لها اساس او انها من تلك الارقام والمعلومات المفبركة والمختلقة التي تحفل بها وسائل الاعلام الباحثة عن الاثارة والجذب، والساعية الى قلب الحقائق وتشويهها.والى جانب الارقام والمعلومات التي قد لاتنعكس دائما على المتلقي، فأن مشاهدات الناس اليومية لمظاهر القتل والاختطاف وحركة النزوح والتهجير القسري المنطلق من اسس ودوافع طائفية عززت التصور القائم في ذلك الحين عن الواقع الامني للمحافظة.
ولعل هناك اسبابا وعوامل ساهمت في وصول الامور الى مستويات امنية خطيرة ومقلقة جدا في وقت من الاوقات بمحافظة ديالى، ومن تلك الاسباب والعوامل:
اولا:تهاون الحكومة ومعها القوات متعددة الجنسيات ازاء ما كان يحصل هناك من عمليات قتل واختطاف وتهجير قسري ومختلف انواع العمليات الارهابية من قبل عصابات تنظيم القاعدة والبعث الصدامي.
ثانيا:الافتقاد الى مواقف موحدة ومنسجمة بين الوجودات الاجتماعية المتمثلة بالعشائر في المحافظة حيال الجماعات الارهابية، وهذا ربما ارتبط بحسابات واجندات خاصة من جانب، ومن جانب اخر ارتبط بحالات ترغيب وترهيب لبعض وجهاء وابناء العشائر من جهات داخلية وخارجية.
ثالثا:التهاون في باديء الامر وعدم المسارعة بأتخاذ اجراءات حازمة وسريعة من قبل الجهات المعنية لاحتواء وتطويق أي تصعيد من شأنه تأزيم الاوضاع بأكثر مما هي متأزمة. ويبدو ان استمرار حالة التداعي الامني وبلوغه مستويات لايمكن السكوت عليها، وغض الطرف عنها، وتعالي صيحات وصرخات الاستغاثة من مختلف الشرائح والفئات والمكونات الاجتماعية والسياسية في المحافظة، دفع الجهات المسؤولة الى اتخاذ خطوات واجراءات لوضع حد لحالة التداعي ومواجهة العصابات الارهابية الاجرامية.
وبالفعل فأن متغيرات مهمة على صعيد الواقع الميداني في ديالى قد تحققت، فقد بات واضحا جدا الاختلال في موازين القوى على الارض لغير صالح تنظيم القاعدة والجماعات الارهابية الاخيرة المرتبطة به او تلك التي تتبنى ذات المنهج المتبع من قبله، بعد عمليات "السهم الخارق" التي نفذتها القوات العراقية والقوات متعددة الجنسيات في محافظة ديالى صيف العام الماضي. فشهادات الكثير من الناس الذين كانوا يستغيثون ليل نهار بالحكومة وغير الحكومة، اشرت الى ان امورا كثيرة قد تغيرت على ارض الواقع، وان انحسارا واضحا للجماعات الارهابية المسلحة افرزته عمليات السهم الخارق. وكذلك فأن الارقام الكبيرة لاعداد الارهابيين الذين تم قتلهم او اعتقالهم خلال تلك العمليات، واوكارهم ومخابيء الاسلحة والعتاد التي تم وضع اليد عليها، اشرت هي الاخرى الى جانب اخر من المتغيرات الحاصلة على ارض الواقع. واصطفاف ابناء العشائر ومكونات اجتماعية اخرى ضد تنظيم القاعدة الارهابي بعيدا عن الاعتبارات والعناوين المذهبية والطائفية مثلت تحولا مهما اكمل من حيث نتائجه ومعطياته ما تحقق ميدانيا على الارض.
وطبيعي ان كل تلك التحولات والمؤشرات الايجابية يفترض ان تكون قد شكلت حافزا للجهات المعنية بمقاليد الامور لاسيما الحكومة، لاستثمارها اقصى درجات الاستثمار، لاحداث نقلات نوعية على صعيد الاوضاع الحياتية والخدمية والاقتصادية التي هي في واقع الامر خاضعة في تحسنها واصلاحها لتحسن واصلاح الاوضاع الامنية وازالة كل الاحتقانات والتشنجات السياسية.
بيد ان معطيات وحقائق الواقع القائم على الارض لاتؤشر الى ذلك، وبعبارة اخر لاتدعو الى الكثير من التفاؤل، ان لم تكن تبعث على التشاؤم والاحباط والاستياء بالنسبة لاعداد كبيرة من ابناء المحافظة. فالقضاء على الجماعات الارهابية التكفيرية والصدامية في ديالى مثل جزءا او مفصلا من المهمة الشاملة، وليس كل المهمة، حيث ان معالجة نتائج واثار اعمال تلك الجماعات، وازالة مخلفات ما اقترفته من جرائم بشعة يمثل خطوات او اجزاء او مفاصل مهمة ينبغي انجازها حتى تتغير صورة الواقع بالكامل.
فكثير من التقارير تشير الى ان هناك اعدادا كبيرة من العوائل المهجرة لم تعد الى منازلها ولم تسترد املاكها التي اغتصبت منها، لان الظروف مازالت غير مهيأة بصورة كاملة، وان معظم المناطق التي تم تحريرها من العصابات الارهابية تحولت الى اراض قاحلة بعد تفجير الدور وتدمير وتخريب البساتين والاراضي الزراعية التي تشكل احد اهم الموارد الاقتصادية والمعيشية لنسبة كبيرة من ابناء محافظة ديالى.فضلا عن ذلك فأنه حتى الان لاتوجد برامج حكومية واضحة وعملية لعودة العوائل المهجرة من خلال توفير ابسط مقومات ومستلزمات السكن ومتطلبات الحياة اليومية بحدها الادنى، ناهيك عن ان اعدادا غير قليلة من العصابات الاجرامية الارهابية انخرطوا في مجالس الصحوات، وبقوا على نفس منهجهم وسلوكياتهم في محاربة شريحة اجتماعية معينة انطلاقا من حسابات ومعايير مذهبية وطائفية مقيتة.
ان عدم اتمام المهمة المطلوبة في ديالى وابقاء الامور معلقة، يعني تهيئة الارضيات المناسبة لعودة المحافظة الى قبضة عصابات القاعدة والبعث الصدامي، وتبديد الانجازات العسكرية والامنية التي تحققت العام الماضي، لذا فأن الحكومة المركزية مسؤولة بالدرجة الاساس عن غلق ملف الارهاب بالكامل، في ذات الوقت فتح ملف البناء والاعمار بالكامل، واعادة الامل لابناء تلك المدينة.
https://telegram.me/buratha