( بقلم : كمال ناجي )
كثيرا ما نتساءل نحن العراقيين و لا سيما تلك الشريحة الواسعة ممن ينعتهم الإعلام بالأغلبية الصامتة رغم ملاحظاتنا على هذه التسمية و الأغراض التي تهدف إليها بعض و أؤكد بعض الجهات المروجة لها ، نتساءل الآن و كما سيزيد هذا التساؤل حدة في ترديده و طرحه يوما بعد آخر حتى موعد الانتخابات القادمة عن تلك الجهات التي تمتلك مليشيات مسلحة تعيث في الأرض فسادا و إفسادا و تأبى جهاتها السياسية أن تحلها لتختار طريق السلم الأهلي و العمل السياسي المشروع لتحقيق ما تريده من أهداف تنسجم و ما تحمله من رؤى و تصورات خاصة بها .. نتساءل هنا و هو ما يمكن أن تسمعه من المرأة العجوز و الشيخ الهرم كما تسمعه من الشاب و المثقف و الباحثين و المراقبين دون فرق ، إذ لو قدِّر أن تدخل هذه الجهات محتفظة بمليشياتها الانتخابات و حققت لها موطئ قدم هنا و هناك فما هو الحال و المآل الذي يمكن تصوره بعد ذلك يا ترى ؟ إن عناصر هذه المليشيات تفعل كل ما بوسعها لإقلاق الوضع الأمني و عرقلة التنمية و عمليات الإعمار و يكفي أن أربعة شركات عالمية معروفة تراجعت قبل شهرين عن الاستثمار في إحدى المدن الجنوبية بعد أن نزلت مجاميع ما يعرف بجيش المهدي إلى الشوارع و راحت توجه أسلحتها إلى القوات الأمنية و مؤسسات الدولة إذ من المعلوم أن هذه الشركات لا يمكن أن تغامر للاستثمار في مناطق متوترة و مضطربة أمنيا لخوفها على كوادرها و العمال المختصين من عمليات القتل و الخطف و عرقلة عمليات بناء المشاريع الموكلة إليها بما يترتب عليه مسئوليات جمة فتحشر نفسها في زاوية ضيقة بموجب ما هو سائد من بنود و مواد العقود و الاتفاقيات في مجال الاستثمار . أقول تقوم هذه المجاميع بتلك العمليات لضرب القوات الحكومية و حرق و نهب المؤسسات العامة و قتل الناس الأبرياء و التمثيل بجثثهم .. إلى آخره مما هو معروف من فظائع هذه المليشيات كل هذا وليس لديهم سوى غطاء سياسي معارض فكيف إذا كان غطاؤهم مصادر القرار التشريعي أو التنفيذي في الحكومات المحلية ؟؟ ما الذي يفعله المليشياوي و هو يرى شيوخه و قادته في مناصب حكومية حساسة و أي رعونة و تمادٍ في الغي و السطوة على الناس ستكون لهذا المليشياوي حين تكون مرجعية القرار الأمني و السياسي بيد مواليه ؟؟
لا يصعب الجواب على ذلك و يشترك في التوقع الصائب الصغير و الكبير و السياسي وغيره من المواطنين العاديين . إن مشاركة جهات سياسية ذات اذرع عسكرية تتعالى على سلطة القانون لا يمكنها أن تكون ذات يوم حافظة للقانون و لا مؤتمنة على مصلحة البلاد و العباد . و سيشهد الواقع الأمني تدهورا مفاجئا و خطيرا على مستقبل العراق حيث ستكون المواجهات العسكرية آنذاك أكثر دموية و اشد إيلاما بانعكاساتها السلبية على المواطن و لن تقوى المليشيات كما لم تقو على ذلك في تجربة عبر التاريخ في تقديم شيء يذكر للناس سوى الفوضى العارمة و إشاعة الخراب و المزيد من إراقة الدماء و الاقتتال الداخلي .
إن قطع الطريق على هذه القوى أمر ضروري و حيوي و لا بد منه للمضي في بناء الدولة على أسس صحيحة و لتلافي مآزق لا نرى في حال حدوثها القدرة على التخلص من عواقبها و إمكانية تجاوزها إلا بعد جهود تستغرق وقتا طويلا يشيع فيه الخراب و التدمير و القتل و الفوضى العارمة و الشاملة . و ليس بوسع أحد أن يدعي أن هذا الطرح دعوة إلى تهميش أو إلغاء لمكون سياسي معين لأن المسألة لا تقبل مثل هذا الخلط ، فكل مكون سياسي أو حزب مهما كانت توجهاته له مطلق الحق في المشاركة السياسية و التمثيل في الحكومات المحلية أو البرلمان و لكن دون مليشيات و مجاميع مسلحة و مخازن للعتاد و محاكم خاصة و غير ذلك بما يمثل خروجا عن ابسط مقومات بناء الدولة . فالكرة في ملعب هؤلاء وهم مخيرون بين إلقاء السلاح و التبرؤ من حامليه و من ثم حرية المشاركة في الانتخابات القادمة أو الإصرار على حمل السلاح و تكوين جيوش خاصة خارجة عن القانون و عليه فلا مناص من تطبيق القانون بحقهم و عدم إفساح المجال لهم بالوصول إلى مناصب مهمة تكون فيها الكلمة و السلطة الحقيقية للغة العنف و السلاح الذي يعتبر اللغة الوحيدة التي تحسن المليشيات التفاهم بها . و أخيرا ما أجمل ما قاله احد الشعراء و كأنه ينطق بلسان حال العراقيين اليوم و معاناتهم من جيش المهدي و مليشياته و غيرها من الزمر الإرهابية حيث يقول :بلا ملك يسوم الناس خسفا فكيف إذا رأيت السيف تاجَهْ إذا لزم السكوت حذرتُ منه ولست بآمنٍ منه هياجَهْ
https://telegram.me/buratha