بدر جاسـم ||
رسمَ الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) لوحةَ العِشقِ الإلهي بمُناجاتهِ وأدعيتهِ التي كانتْ من أبرزِ ملامحِ الطفّ، إذ ما أبداه (عليه السلام) وأنصارُه من رفضِ كُلِّ مُغرياتِ الاستسلام والركونِ للظالمين، رفضًا جعلهم على يقينٍ بأنّ ليلةَ العاشر هي الأخيرةُ في حياتِهم، فما كان منهم إلا التزوّدُ بقراءةِ القرآنِ والصلاةِ و الدعاء..
بل ولم تشغلْهم الحربُ عن الصلاةِ وهم في ساحةِ المعركة؛ فكانتْ صلاةُ الظهرِ آخرَ صلاةٍ لهم مع الإمامِ الحسين (عليه السلام)..
ومع غروبِ شمسِ العاشر كانوا قد غادروا جميعًا الحياةَ مُجزّرين كالأضاحي على رمضاء كربلاء، بعدَ أنْ جسّدوا أروعَ أمثلةِ الحُبِّ والعِشقِ للهِ (سبحانه وتعالى).
نعم، لقد استُشهِدَ الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) في يومِ عاشوراء، إلا أنَّ نداءه يومئذٍ:
"أما مِنْ مُغيثٍ يُغيثنا؟"
"أما من ذابٍّ يذبُّ عن حُرمِ رسولِ الله؟"
بقيَ يملأ الأفاقَ، مسافرًا عبرَ الزمنِ؛ ليوقِظَ أحرارَ العالم، ويوقدَ نارَ الحزنِ والأسى في قلوبِ المُحِبّين.
وهكذا بقيَ عاشوراءُ يومًا خالدًا، تتجدّدُ فيه أحزانُ الطفِّ، وتجتمعُ فيه قلوبُ الشيعةِ، وهي تتلهّفُ كُلَّ عامٍ لسماعِ ذلك الخطاب العالمي الذي سيُلقيه الإمامُ المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، والذي يُمثِّلُ بدايةَ عصرِ العدالة، إذ يجتمعُ أنصارُه وقادةُ جيشِه من بلادٍ شتّى، وبلغاتٍ مُتنوّعة، تجمعُهم العقيدةُ وحُبُّ الإمامِ المهدي (عليه السلام) والدفاع عنه.
فعاشوراءُ الطفِّ يبقى خالدًا حتى يتصلَ بيومِ عاشوراء آخر، هو يومُ ظهورِ الإمامِ المهدي (عجل الله فرجه)، فيبايعهُ الملايينُ من المؤمنين وعُشّاقِ العدالة، فيملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا بعدما ملئتْ ظلمًا وجورًا.
أنصارُ الإمامِ المهدي (روحي له الفداء) هم حصيلةُ ذلك الانتظارِ الواعي ونتاجُ تلك المواكبِ الحُسينية، لقد أدركوا أهميةَ الموقف، وما يتطلبه من تضحيةٍ وما يترتّبُ لهم من رضوان الله (سبحانه)، قد تركوا كُلَّ ما يُعيقُ النُصرةَ والذودَ عن إمامِ زمانِهم (عليه السلام) كأصحابِ الإمامِ الحُسين (عليه السلام).
فعجبًا ليومِ عاشوراء؛ فهو اليوم الملحمي الذي حدثتْ فيه أبشعُ جريمةٍ بحقِّ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) وأهلِ بيتِه وأنصاره، وهو اليومُ الذي فيه سيشرقُ فيه نورُ العدالةِ من مكةَ لطردِ ظلامِ الجور، وليسودَ العدلُ كُلَّ أرجاءِ المعمورة.