الكاتب الحقوقي علي الفارس ||
أشعلت (عاشوراء) أملاً كاد أن يموت في القلوب، وأصبحت مقاومة الظلم حتمية دينية تفرضها روح كربلاء.
ليست القضية؛ أن الحسين قتل، وإنما القضية: ان الحسين، عليه السلام، قام بثورة اختزلت في فصولها الاصلاح والجهاد معاً، وبين القتل والثورة مسافة طويلة.
كانت شعارات الثورة ثلاث كلمات: من اجل الاصلاح من اجل الحق من اجل التحرر والاصلاح يعني: إرجاع الاوضاع الشاذّة الى وضعها الطبيعي، من دون ان يكون للإمام مطمع مادي في ذلك، والحق يعني؛ سيادة القيم الانسانية، والتي تتكفل بتحقيق الخير والكرامة للإنسان، والحق هو هدف كل الاديان والرسالات، أما التحرر فهو الخروج من قيود المجتمع الفاسد، ومن ضغط الشهوات. فمن دون الحرية لا يمكن الوصول للحق، ومن دون الحق لا يمكن تحقيق الاصلاح. فلابد من جهاد مقدس يوصلنا اليه.
لقد انعكست مبادئ الثورة الحسينية على جميع الثورات الاصلاحية التي تلت ثورته المباركة والتي قامت ضد انظمة الحكم الفاسدة، فأصبحت هذه المبادئ عرقاً نابضاً يجري في دم الثوار والمصلحين من المسلمين وغيرهم، فكانت شعارهم؛ طلب الاصلاح في الدين والدنيا، لذا اصبح اسم الحسين، رمزاً للثورة والجهاد ضد كل انواع التعسف والاضطهاد، وعنواناً للتضحية والفداء، كما اصبح اسمه الشريف مصدر قلق وخطر على كل دعاة الظلم من الطغاة والمستكبرين في كل زمان ومكان.
لقد شهدت ارض كربلاء الطاهرة في يوم عاشوراء عام 61 للهجرة، أعظم و أخطر و أقدس حدث ميّز بين جبهتين متوازيتين لن تلتقيا أبداً مع امتداد الزمن، ألا وهما جبهة الحق وجبهة الباطل. جبهة الحرية، وجبهة العبودية. جبهة الارادة الصلبة، وجبهة الانهزامية والخضوع. جبهة الوعي، وجبهة الجهل. جبهة البصيرة، وجبهة العمى جبهة النصر الحقيقي، وجبهة النصر المزيف.
كما شهدت كربلاء في ذلك اليوم المهول نهاية مسيرة وبداية أخرى، جسدها قول الامام الشهيد السبط، عليه السلام: «مثلي لا يبايع مثله»، في اشارة الى الطاغية يزيد الذي انتهك أبوه معاوية عدة قيم ومبادئ عظيمة وثابتة شرعها الله تعالى وعلى رأسها؛ الحرية والشورى وحرية الاختيار، عندما أخذ البيعة له من المسلمين عنوة، كـ «خليفة»، ما كان ينبغي لأحد أن يسكت عن انتهاكها مهما كانت الظروف، ولذلك نهض الحسين السبط، عليه السلام، واصفاً الحال بقوله: «انا لله وانا اليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذا بليت الامة براع مثل يزيد».
إلا انه ينبغي ان نتساءل في سياق اختبار الأمة موقفها الاصلاحي والجهادي ازاء احداث الساحة آنذاك وإبان واقعة كربلاء وما بعدها؛ هل كان الناس يجهلون الحقائق عندما تولى يزيد بن معاوية الخلافة وقرر الحسين، عليه السلام، رفض البيعة؟ وهل كان المجتمعُ يجهل سبب نهضة سيّد الشهداء، عليه السلام، وخروجه ضد الطاغية الاموي المتجبّر؟ وهل كان الرأي العام، لا يعرف من هو الحسين السبط، عليه السلام؟ ومن هو يزيد بن معاوية بن هند آكلة كَبِدِ سيد الشهداء حمزة عمّ رسول الله، صلى الله عليه وآله؟! وهل نسي المسلمون، تحريم رسول الله، صلى الله عليه وآله، الخلافة على الطّلقاء وأبناء الطّلقاء؟ وأنّ الأمويّين هم المقصودون بالشجرة الملعونة التي ورد ذكرها في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً}،(سورة الاسراء) وهل نسِيَت الأمّة آيات الشورى، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}؟!(سورة الشورى).
كلا أبداً، فالنّاسُ والمجتمع كانوا يعرفون كلّ شيء، خاصّة وأنّ فيهم عدداً لا يستهان به من الصحابة والتابعين الذين سمِعوا من رسول الله، صلى الله عليه وآلة، إنْ بشكلٍ مباشر او غير مباشر، وما زال الكثير منهم يتذكّر كيف كان يتعامل رسول الله، صلى الله عليه وآلة، مع سبطه الحسين بن علي، عليهما السلام .الا ان طمع الدنيا والخوف من السلطان الجائر، والحقد الدفين على ال علي عليه السلام دفعهم الى الوقوف ضد الحق مع الباطل للنيل من العترة الطاهرة التي استطاعت، بفضل القربان الذي قدم لله من النصر والانتصار ضد الباطل، وضد اتباع ال امية وأبناء اكلة الاكباد ،حتى وصلت رسالة السماء المتمثلة بثورة الحسين نتاجاتها الينا وعبر الكثير من المعتركات والمنعطفات التي ارادت تغيير مسارها الى ما كانت علية في زمن معاوية ،الا ان كل منعطف وكل محاولة تغيير المسار كانت هنالك قرابين ،تقدم من قبل ال البيت عليهم السلام في سبيل إيصال الرسالة السماوية والسنة النبوية الينا ،واليوم نحن نرى نفس المنعطفات تعج علينا وتعصف بنا الفتن الاموية من اجل القضاء على التشيع والقضاء على اتباع المذهب والدين الصحيح ،ومحاولة إعادة الإسلام الى اسلام معاوية ويزيد لكن نحن اليوم مستعدين لتقديم القرابين والتضحيات فداء للمذهب ،وانتظارنا لصاحب العصر والزمان والتمهيد لضهوره هوه سبيلنا الوحيد نسال الله حسن العاقبة وتثبيتنا على ولاية ال البيت عليهم السلام ...