ماجد الحداد ||
الآن بدأت مهمة زينب (ع) و رحلتها الجديدة ، ظروف مختلفة و أوضاع صعبة و تحدّيات كبيرة تواجهها بدون أخوتها و رجال بني هاشم .
مرحلة قدّمت فيها الحوراء كل معاني الصمود و الثبات و الشجاعة ، فقد إرتَجَزَت في كل محطات الأسر من أرض كربلاء مرورًا بقصر الإمارة (الكوفة) الى معقل الأمويين (الشام) ، و هي تقدّم أروع مواقف الرفض و الممانعة و تُرتِّل كلماتها بكل شموخ و كبرياء ، بل جعلت آل أمية في أصعب موقف حتى باتوا يفقدون أعصابهم و أرادوا قتلها أو منهم من يعرض رأس أخيها أمامها يُريد بذلك إنهيارها لتُظهر ضعفها أمامهم ، لكن هيهات من بنت علي و فاطمة !.
كانت السيدة زينب (ع) تعمل بوصية أخيها و إمامها الحُسين (ع) حيث أَعدَ لها خارطة الطريق ، إذ أوصاها : «يا أُخيَّة ، إتقّي اللهَ وَ تعزَّي بعزاءِ الله ، و إعلمي أنَّ أهل الأرضِ يَموتون، و أنَّ أهل السماءِ لا يبقونَ …». فكانت تعلم بما ستؤول إليه الأمور و ما سيحدث لاحقًا ، و قال لها أيضًا : «يا أُخيّة ، إني اُقسمُ عليكِ فأبرِّي قَسمي ، لا تشُقي عليَّ جيبًا ، وَ لا تخمشي عليَّ وَجهًا ، وَ لا تدعي عليَّ بالويلِ والثبورِ ..» .
فلذلك لا يعتُبر ما حلَّ بها من مصائب و أحداث مهولة بالأمر الغريب و غير معروف بالنسبة إليها ، لأنه كان على عاتقها إنجاز الجزء الأهم من ثورة الإمام الحُسين (ع) و نقلها للعالم الإسلامي ، و كانت الحلقة المهمة في إيصال الرسالة المحمدية رغم مخططات أعداء الإسلام و أعمالهم حتى إستطاعت و إنتزعت من بين يديّ يزيد بن معاوية الإنتصار و جعلته يعيش الهزيمة و الخذلان ، و زلزلت دولته بخطبتها في مجلسه أمام وزراءه و قادة جيشه و أُمراءه .
و أنا أقرأ مرارًا و تكرارًا خطبتها و أقف عند كلمتها بوجه إبن الطلقاء "إنّي لأستصغرُ قَدْرَك" فأشعرُ بكل صفات العظمة و القوة ، و ليس ذلك غريبًا على بنت (نهج البلاغة) و (الخطبة الفدكية) .
امرأة بهذه العزّة و الشموخ كيف تصوّرونها بالضعيفة و الذليلة و المسكينة ؟ ، هل تَنْحَب و تلطُم وجهها أمام أعدائها و تَلوم قدرها ؟ ، و هي التي تقول "ما رأيتُ إلا جميلا" !.
عن أي زينب تتحدّثون ؟ فـ زينب التي أعرفها هي عالِمَة غير مُعلّمة و فهمة غير مفهّمة و عقيلة الطالبين و الصدّيقة الصُغرى و سر من أسرار حديث الكساء .
أَخجل منكِ يا سيدتي بكمية الألم و حجم الصبر