( بقلم : فالح غزوان الحمد )
بعد دخول الاتفاق بين وفد الائتلاف و القيادة السياسية للصدريين حيز التنفيذ و الذي لم يكن برغبة أفراد جيش المهدي إنما أجبروا على الأخذ به نتيجة اليقين الذي توفر لهم بأنهم باتوا فاقدين لخطاب يشرع حماقاتهم و فقدانهم للغطاء الذي كانوا يستندون إليه إضافة إلى إنهم أدركوا إن الاستمرار بالقتال لا يصب في مصلحتهم و ينتهي بخسارتهم لا محال و هو أمر أدركته من قبلهم القيادة السياسية لما يعرف بالتيار الصدري بعد دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ تسرب إلى نفوس أفراد المليشيات شعور مرير و قاتل بالخسارة و الهزيمة بل و الذل أيضا حتى روّج بعضهم إن الاتفاق الأخير هو اتفاق صوري أرادته الحكومة للتخلص من مواجهتهم ! وهذه الحقيقة دفعت بالعديد للتساؤل عما يمكن تصوره و توقعه من ردود فعل لتدارك هذا الشعور و التغطية عليه و على حقيقة الهزيمة المنكرة التي منيت بها المليشيات ؟ بعبارة أخرى ما هي نوعية الخطوة القادمة بعد الشعور بهذا الإفلاس و ألإخفاق ؟؟
يمكن القول إن ثمة ثلاثة احتمالات لا غير في هذا الإطار وهي :أولا : الانصياع للواقع و صوت العقل و الضمير و تدارك أخطاء المراحل السابقة ، فتقوم عناصر هذه المليشيات بقبول ما تحتم بلوغه من هيمنة القانون و حكم الدولة لا غير و التخلي عن محاولات خلق كيان غير شرعي بكل المقاييس السياسية و الدينية و الأخلاقية داخل كيان الدولة و محاولة العودة إلى الصف الوطني و الانحياز لمصلحة الجماهير و الابتعاد عن التدخل بشؤون هي من اختصاص السلطات الحكومية حصرا . و بهذه العودة يمكن تلاشي الشعور بالخسارة بل قد ينقلب في حال انتفاضة العقل و المنطق إلى انتصار و شعور بأن النتائج التي قاد إليها الاتفاق و أنهى المواجهات العبثية كان خير قرار اتخذه الصدر و المسئولين في حزبه . إلا انه و للأسف يبدو هذا الاحتمال ضعيفا جدا و فرصة تحققه ضئيلة للغاية لما نعرفه عن عناصر المجاميع الخارجة عن القانون و سيكولوجية العنصر المليشياوي و خلفية أغلب أفراد جيش المهدي و طريقة تفكيرهم و عقليتهم الجامدة و غير الناضجة و التي لا يمكن تصور أنها ستحقق طفرة نوعية بهذا الحجم .
الثاني : إعادة ترتيب أنفسهم و جمع شتاتهم و القيام بخطوات عملية في سبيل التحضير لمواجهة أخرى و ذلك عن طريق :- الهروب و التخفي لأبرز القيادات و العناصر الفاعلة في المليشيا و العودة في الوقت المناسب لإشعال فتيل مواجهة أخرى .- القيام بإخفاء أكبر قدر ممكن من السلاح و الذخيرة سواء في مدينة الصدر أو إخراجها و إخفائها في مناطق أخرى - العودة إلى معسكرات التدريب خارج العراق و أخذ تدريبات إضافية والتركيز على نقاط القوة و الضعف من وحي المعارك الأخيرة مع القوات الأمنية لكي يتسنى الوقوف على الحلول و المعالجات لبعض العوائق التي عانوا منها خلال المعارك و ما اصطدموا به من قضايا أسهمت في تكبدهم لخسائر كبيرة عسى أن يجدوا لدى الجهات الخارجية الراعية لهم مفاتيح لأبواب موصدة . - محاولة إعادة هيكلة شراذمهم الخائرة و تشخيص العناصر الأكثر شراسة في القتال و همجية من غيرها و إعطائها مناصب أعلى في القيادة و التخطيط لعملياتهم القادمة .
و هذا الاحتمال ممكن و أقرب إلى التصور من الاحتمال الأول ، و لكن يصطدم بحقيقة إن إصرار القوات الأمنية الحكومية على فرض القانون و السلطة على المدينة سيؤدي إلى صعوبة عودة المجاميع المسلحة إليها و يعوق انتشارهم و استمكانهم و قدرتهم على الإمساك برقعة جغرافية مناسبة لفتح جبهة مواجهة جديدة فضلا عن إن إجراء عملية تفتيش دقيقة ستمكن الأجهزة الأمنية من وضع اليد على الأسلحة المخبأة . نعم إذا ما كانت السيطرة للقوات الأمنية مجرد سيطرة في الشكل لا المضمون فإنه يمكن أن يكون احتمالا راجحا و لكن كافة المؤشرات و المعطيات على الأرض لا تؤيد فرضية إن الحكومة ستكرر أخطاء سابقة بل هي بصدد محاولة استنساخ تجربة صولة الفرسان في مدينة البصرة التي انتهت بفرض سلطة الدولة و هيبتها على تلك المدينة .
الثالث : أن تقوم المليشيات و المجاميع الخاصة منها بعمليات اغتيال و تصفية و قنص في المدينة تتكفل بها عصابات منفصلة و بأقل عدد من العناصر بما يسهم في إخافة الناس و إرباك الشعور بالأمن و هذه الإخافة و الترويع هو ما سيكون رد فعل مناسب للشعور بالخسارة و سيسهم في تخفيف وطأة ذلك الشعور المر لا سيما و إن القيام بهذا النوع من العمليات وفي مدينة كمدينة الصدر لا يحتاج إلى أسلحة كثيرة فقد نشهد عمليات نحر و ذبح بالسكاكين أو القامات لبعض المواطنين الأبرياء .
و سيجري التركيز على كل من يخالفهم و يتبع مرجعيات سياسية أو دينية أخرى لكي تتمكن هذه الزمر من تلبية شعور التفوق و الانتصار الزائف . وهذا الاحتمال ربما يكون هو الأقوى و منسجم تماما مع طبيعة هؤلاء و طريقة تفكيرهم و أسلوبهم . و هو أمر سيكمل اللوحة الإرهابية الزرقاوية لجيش المهدي . فمن المعلوم إنه و بعد كسر ظهر القاعدة و قتل أميرها الملعون و انتفاضة أهلنا في المدن السنية على وجودها الشاذ و رفضها لهم اتبعت القاعدة أسلوبا مماثلا تجلى بقيامهم بتصفيات و عمليات اغتيال استمرت لبضعة أشهر قبل انهيارها النهائي و كل ذلك تغطية على الشعور الذي تسرب إلى نفوس أتباعها بالخسارة و الهزيمة فحاولت عبثا القيام بشيء تدعي من خلاله انتصارات و فتوحات لا واقع لها لرفع معنويات ما تبقى من عناصرها و لكن ذهبت كل تلك المحاولات أدراج الرياح و ها نحن نشهد مرحلة تلاشيها و لفظها لآخر أنفاسها النتنة في مدينة الموصل ، و أعتقد أن مليشيات الإجرام في مدينة الصدر و غيرها من المحافظات تسير على أثرها و ستنتهي إلى ذات المصير لا ريب .
https://telegram.me/buratha