( بقلم : غسان العسكري )
أشياء كثيرة تثير عدد من التساؤلات حول النية الحقيقة لإعلان وقف القتال بين الحكومة والتيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي حيث دخل في دائرة الصراع من أكثر من ثلاث سنين وازدادت عملياته في الآونة الأخيرة حدا لا يمكن السكوت عنه فقامت الحكومة بشن حملة قوية وضربات قاصمة ودك معاقله في مدن الجنوب وفي البصرة بالذات التي كان يعول عليها الكثير ، وبعد ان توجهت عجلة الأحداث نحو مسارها المؤدي الى مركز قطر دائرة القوة لجيش المهدي والتي يعتبرها منطقة محصنة ذات خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ولكنها أصبحت في متناول يد القوات العسكرية التي تشجعت كثيرا بعد أن زال هذا البعبع المخيف الذي لم يكن في الحقيقة سوى دمية كبيرة مرعبة مليئة بالصوف ولها أنياب ومخالب سرعان ما تناثرت في الهواء فكانت على غير ما كان متوقعا ، وذهبت تلك الهالة الكبيرة التي كان جيش المهدي يحيط نفسه بها أدراج الرياح .
وشرعت القوات العسكرية بالبدء بهجوم كبير وقوي لا تراجع عنه وحاصرت مدينة الصدر لأيام طويلة انهارت خلالها المعنويات وضاق الخناق على العصابات المسلحة بعد قطع الإمدادات وعمليات التصفية والاعتقال وعزم الحكومة الجاد على الخلاص من هذا الخطر الذي يحاول ان يهز شجرة الأمن ليتساقط القتل والدمار والخوف والرعب والتهجير على رؤوس العراقيين . ولذلك قامت هذه الجماعات الخارجة على القانون بما يقوم به الغريق من التمسك بالقشة فراحت تتوسل بهذه الجهة وتلك ، بل إنها قامت بتقبيل أيادي عدوها اللدود علاوي لكي يتدخل في حسم المعركة مع إعطاء تنازلات كبيرة ومهمة منها إلقاء السلاح وتسليم المطلوبين وغيرها من الأمور التي أشارت إشارة واضحة الى الانهيار والاستسلام ، وأيقنت تلك المجاميع حينها ان الأمر كائن لا محال وان الحكومة جادة في اجتثاث العناصر الإرهابية دون الالتفات الى انتمائها وولائها لأن سيادة القانون يجب ان تطبق على الجميع ويجب على الجميع احترامها ، ومن هنا جاءت الأحداث المتوالية بتفاصيلها وما أفرزته من خضوع وتنازل واستسلام وقبول بالشروط التي أملتها الحكومة والتي لم تتنازل عنها طيلة هذه الفترة ، بل انها لم تعر لهذه المعركة أي أهمية والتفتت الى معركتها مع القاعدة في الموصل بإشارة واضحة انها قادرة على القتال في كل المناطق ، وكانت موافقة جيش المهدي على البنود المطروحة في الاتفاق بمثابة المسمار الأخير في نعش هذه العصابات الخارجة على القانون وانتهاج مبدأ القوة مع أي عنصر او مكون يريد ان يجرب حظه في هذه اللعبة التي أتقنت الحكومة تفاصيلها واللعب بها جيدا .
والسؤال هنا هل سيلتزم جيش المهدي بهذه البنود بعد ان أشارت الدلائل انه لا ينصاع لأوامر قياداته ومرجعياته ؟ فقد أعلن السيد مقتدى قبل فترة طويلة تجميد جيش المهدي ولم يلتزم بهذا التجميد واستمرت العمليات الإجرامية على ذات الوتيرة بل ازدادت حدة حتى طالت الكفاءات العلمية والأطباء والنساء والأطفال ثم أعلن التهدئة وإلقاء السلاح ورفع غصن الزيتون وكان ان تعفر الغصن بالتراب ورفعت الأسلحة وجاءت أسلحة جديدة وإضافية غيرها ، وهكذا في كل مرة يعلن فيها انه عاد الى جادة الصواب ، واعتقد جازما ان جيش المهدي لن يترك السلاح ولن يتخلى عن نهجه في القتل والإجرام وربما سيزيد وتيرة العمل بالاغتيالات او بحجة القتال ضد القوات المتعددة الجنسيات وستتكرر فصول المأساة ويعود بركان الرصاص الى الغليان ثانية ويقذف حممه على رؤوس الأبرياء ، لأن عناصره تضم مجموعة من قطاع الطرق والقتلة الذين يعشقون لون الدم وهم تربوا على هذه الثقافة التي لا يمكن تبديلها او الحياد عنها لأنها خلقت لهم جوا من الاحترام المغلف بالخوف والرهبة من ذكر اسم هذا الجيش وقائده علانية في الشارع العراقي الذي رأى ان أي تقاطع مع جهة دموية مصيره الموت ، فضلا عن التبجح والتباهي بالانتماء الى هكذا عنوان .
فجيش المهدي لم يلق السلاح – ان كان جادا في ذلك – الا بعد أن وجد إن فرصته بالنجاة قليلة وهو إن وافق على هذا الوضع فأنه أراد أن يكسب بعض الوقت ويفك الطوق عنه حتى يعود الى نهجه السابق ، وقد قامت مجموعة من عناصره بالإعلان عبر مكبرات الصوت في الحسينيات والجوامع عن عدم موافقة الجيش على هذه الشروط ورفضها تلك البنود واستمرارها في القتال . فالجميع لم يحرز الاطمئنان لجماعات تمارس القتل والتدمير لأكثر من خمس سنين فكيف يمكن ان يتوب بين ليلة وضحاها ؟ أكاد اشك في النية التي لم نر الى الآن مصاديقها على ارض الواقع والقتال لازال مستمرا وحرائق جميلة وانتشار القناصة فوق الدور والمنازل ومعاودة ممارسة نشاطهم دليل أكيد على ان المعركة ستبقى رغم كل الإعلانات عن انتهائها .
https://telegram.me/buratha