( بقلم : عواد عباس الموسوي )
بوسع المرء إن كان لديه وقت فراغ أن يتصفح مواقع الانترنت أو يطالع كتب التاريخ السياسي ليقف على حقيقة تعيد نفسها باستمرار في تجارب الأمم و الدول قديما و حاضرا . تتمثل تلك الحقيقة في أن الأجنحة العسكرية للأحزاب أو المجموعات العرقية أو الدينية و غيرها تشهد انشقاقات كبيرة تنتهي بانفصال جناحها المسلح عن جناحها السياسي ليعاد ترتيب خريطتها الداخلية بشكل مغاير ينسجم و طبيعة الظروف التي تقود برغبة أو بشكل قهري إلى واقع جديد و مختلف . و تتزايد فرص حدوث ذلك و ظهور هوة واسعة بين الجناحين كلما كان الذراع المسلح غير منضبط و منسجم مع نفسه و متوفر على مجاميع و عصابات تسعى إلى تحقيق أهداف و غايات شخصية أو لفئة محدودة .
يبدو أن الصدريين على مشارف هذه المرحلة حيث تتفاقم الانشقاقات و تتباين الآراء بين قادتهم السياسيين و قادتهم المسلحين . و أصبح مثل هذا الأمر أكثر جلاء و وضوحا بعد توقيع الاتفاق الأخير بين قياديين بارزين من أتباع مقتدى الصدر من جهة و أعضاء في الائتلاف العراقي و الذي أعقبه تمرد مليشيات جيش المهدي و عدم إطاعة الأوامر الصادرة لها خاصة من مقتدى الصدر نفسه الذي عبر عن مباركته للاتفاق و دعا أن يكون منطلقا رئيسا يحكم العلاقة بين الطرفين مستقبلا . و يروج الآن في مدينة الصدر بين أتباع المليشيات قناعة سلبية تجاه الوجوه البارزة التي ظهرت جالسة إلى جانب أعضاء الائتلاف في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن البنود الأربعة عشر و تم فيه توضيح بعض النقاط للإعلاميين و الرد على أسئلتهم و لا سيما صلاح العبيدي الذي يتعرض إلى حملة سباب و شتيمة و تم تشبيهه من قبل هؤلاء بالخونة و عملاء المحتل كما هو وصف تلك المليشيات للحكومة العراقية المنتخبة من قبل غالبية الشعب . لقد تم رفض الاتفاق من قبل جيش المهدي و أبرز قياداته الميدانية بما يمثل أكثر السوابق إحراجا للهيئة السياسية الصدرية و اللجنة التي كلفت شخصيا من قبل مقتدى الصدر بالتوقيع على اتفاق ينهي الأعمال المسلحة و يطلق يد الحكومة و أجهزتها في ملاحقة العصابات المجرمة و مصادرة أسلحتها الخفيفة كون الصدريين يقرون بأنهم لا يملكون أسلحة ثقيلة ما يعني أن من يمتلك تلك الأسلحة و يعثر عليها في حوزته ليس منهم بناء على ما ألزموا أنفسهم به .
إن هذه المؤشرات تبشر بالخير و لا شك فالصدريين مرحب بهم تماما في حالة توخيهم للعمل السياسي و لا احد بوسعه مصادرة حقهم الذي يكفله الدستور العراقي كأي مكون سياسي آخر . و من شأن ثبات القادة السياسيين لأتباع مقتدى الصدر أن يسهل فرز العناصر المسلحة التي تصر على ممارساتها الإجرامية و عزلها و توحيد الجهود لتخليص الشعب العراقي لا سيما في مدينة الصدر من شرورها . و سيؤدي إلى مكاسب للصدريين أنفسهم قبل غيرهم بما يجعل منهم قوة سياسية و اجتماعية تسهم في بناء العراق على عكس ما يقومون به منذ مدة طويلة من دور معرقل بل و مخرب لكل شيء سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا . بالطبع من الصعب التكهن بمجريات الأحداث و بسط يد التفاؤل لكون القيادات الصدرية غير ثابتة على قرار و دأبت على التخبط و الارتجالية حرصا على التستر على واقع التشظي و الاختلافات بين مراكز قرارها السياسي و المليشياوي .
لهذا يبقى المواطنون ينتظرون ما ستتمخض عنه الأيام القادمة للوقوف على حقيقة ما يمكن أن يتجه إليه المركب الصدري و أين يرسو لا سيما أنه يغط الآن في صمت يمكن القول إنه " صمت الصدمة و الذهول " من عصيان لم يكن متوقعا في درجته و سعته من قبل جيش المهدي الذي رفض إلقاء السلاح و دخول القوات الأمنية لممارسة عملها في مدينة الصدر تعبيرا عن رفض واضح للاتفاق الذي وقعت عليه لجنة تضم اقرب المقربين لمقتدى الصدر و من هم محل ثقته من أمثال الشيخ محمد رضا النعماني و صلاح العبيدي و السيد فاضل الشرع و نصار الربيعي و وليد الكريماوي .
https://telegram.me/buratha