المقالات

متى يبلغ البنيان يوما تمامه .. ؟ مدينة الصدر بين الهدم و البناء

1544 15:58:00 2008-05-12

( بقلم : عواد عباس الموسوي )

في نقاش جرى ذات يوم بين شخصية ليبرالية متغربة حد الإفراط و أخرى تنتمي إلى المؤسسة الدينية في إحدى البلدان العربية و رغم أن الموضوع الحواري كان يدور حول كيفية تقريب وجهات النظر بين الشرق الإسلامي و الغرب المسيحي إلا أن المواضيع سرعان ما تفرعت و تشعبت و لم تفلح محاولات اللملمة لها من قبل مدير الحوار في إعادة الحديث إلى القضية المحورية و هكذا إلى أن انتهى اللقاء بتصافح الأيدي و تشبث كل طرف بمواقفه , و على أية حال فما بقي منطبعا في ذهني هو جملة ذلك الليبرالي و لعلها حكمة من الحكم التي جاءت عفوية غير متكلفة نتيجة وعي حاد بسنة التاريخ و القضايا الإنسانية العامة حيث قال : " لو قدِّر لأمة أيا كانت و بأي عقيدة كانت تؤمن أن تسير بتاريخ أبيض لا تشوبه النزاعات و عمليات الهدم لوجدناها الآن على كوكب آخر " .

و لو تأملنا الواقع البشري عبر التاريخ لوجدنا هذه الكلمة محقة تماما ، فلو كانت كل مراحل التاريخ لأمة أو لشعب ما هي محض بناء و تنمية لوصل التطور مدياته القصوى حد أن شعبا كهذا سيجد له القدرة على تخطي حدود الفضاء الكوني و الرحيل إلى كوكب آخر أكثر إمتاعا و أقل متاعب بيئية و مناخية و سياسية و الابتعاد عن الشعوب و الأمم التي تمضي فترات من تاريخها في هدم نفسها و إعادة بناء ما هدم في مرحلة لاحقة و هكذا . لهذا يمكن أن يستنتج المرء بسهولة أن الشعوب التي تقلل من مراحل الهدم و الفناء السياسي و الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي .. الخ هي الأكثر قدرة على التطور و النموّ دون غيرها التي يتوفر تاريخها على مراحل أكثر للهدم .

العراق و للأسف من البلدان التي عانت من مراحل الهدم و التهديم الذاتي على يد مجموعة من أبنائه أو الهدم من الخارج على يد القوى الأجنبية الغازية له و الطامعة فيه و عبر تاريخه الطويل . و يبدو أن التكرار الجنوني للهدم ثم البناء أسهم في ترسيخ قسمة شاذة للمجتمع حيث هناك على الدوام معاول جاهزة للتخريب و التدمير و في المقابل تتواجد سواعد و عقول همها البناء و التنمية و من الصعب أن نؤطر هذين الصنفين ضمن أطر معينة دينية أو اجتماعية أو انتماءات قومية و غيرها .

في واقع اليوم المليء بالمتقابلات و الثنائيات المستميتة نجد كلا النزعتين ، نزعة بناء البلد و نزعة تخريبه و هدمه . و حاملو النزعة التخريبية نجدهم على الدوام هم أهل المطامع و الغايات و المصالح الرخيصة الذين يريدون أن يحكموا العباد و البلاد فإن لم يتسنّ ذلك لهم مالوا إلى التمرد و العنف و إشاعة الدمار ، متماهين في موروث الدكتاتوريات الشرقية التي تخيّر خصومها بين أن تحكم أو تحيل الوطن إلى تراب لا يصلح لحكم الآخرين و لكنها في الأغلب الأعم تفشل في تحقيق هذه المعادلة و تخفق في جعل نفسها الخيار الوحيد للناس .

بعد أكثر من شهر و نصف يتساءل العراقيون ما الذي جنته مدينة كمدينة الصدر من كل هذا العنف الذي ألمّ بها ؟ و ما هي مبررات التسبب بإزهاق أرواح مئات الأبرياء و تهديم البنى التحتية لها و إشاعة مظاهر الخراب فيها ؟؟ بالطبع ليس بوسع المرء الذي يحترم عقله و ذاته أن يلقي بذلك على عاتق الحكومة فالحكومة العراقية كأي حكومة في أي زمان و مكان لا يمكن محاسبتها على ممارستها لحقها في بسط قانون دولتها و فرض هيبتها على كامل أرض الوطن . إن من يقف بوجه الحكومات سيسأل عن قضيته التي يحملها و في حال ثبات أنه صاحب قضية عادلة و وطنية و إنسانية فلا شك عندها سيتم إلقاء اللوم على تلك الحكومة و وصفها بكونها دكتاتورية و ظالمة . و لكن نتساءل هنا عما هي القضية العادلة التي تؤمن بها مليشيات روّعت المواطنين و صادرت إرادتهم و أذاقتهم الأمرين ؟ و أي وطنية و إنسانية في حمل السلاح و ممارسة الجريمة بدعوى مقاومة المحتل الذي يقبع في قواعده و معسكراته ؟ وهي ليست في هذه المدينة و لا بين بيوت الناس الآمنين و لو كانوا أصحاب مبدأ و قضية لخرجوا إلى حيث يقبع هذا الذي يصفونه بالمحتل فيلتحموا معه و حين يلتحموا معه وهم خارجون إليه بعيدا عن منازل الأبرياء يمكن أن يلتمس لهم عذر شرعي ضمن مقاييس الفقه كما يعرفها العلماء و الكثير من طلاب العلم فلا يتحملون دية القتل العمد أو حتى الخطأ على رأي البعض في حال كان القتال بإذن مرجع ديني معتد بفتواه على الأقل . لقد تعرضت مدينة الصدر إلى الدمار كما تعرض العراق إليه من قبل سقوط النظام المقبور و من بعده و القاسم المشترك هو أن المعاول التي تهدم جميعا يحملها أناس يتشابهون في كل شيء و إن اختلفوا عن بعضهم بعضا . فمن صدام الذي سام الناس خسفا و خرب و قتل و هجّر كما يشاء فكانت له عين الله بالمرصاد ، إلى القاعدة و أزلامها و جيفها النتنة التي انسلت إلينا من خارج العراق و مرورا بجيش مقتدى الصدر الذي اختطف مدنا بكاملها لعدة سنوات و منها مدينة الصدر و أخيرا يعود ليسلمها شظايا و أنقاضا و خرائب . لو كانت ثمة عدالة يمكن تحقيقها على الأرض لكان من الواجب على أقل تقدير أن يعاد بناء مدينة الصدر عن طريق الديات الشرعية التي يتوجب على كل أعضاء مليشيات جيش المهدي دفعها عن النفوس البريئة التي تم إزهاقها و قتلها دون ذنب و التسبب بذلك بشكل مباشر تماما .

إن الحكومة لها من القدرة المالية و الإمكانيات التي تمكنها من إعادة ما تم تخريبه و لكن نتساءل ماذا لو لم يكن مثل هذا الخراب قد وقع و إن ما سيصرف الآن لإعادة الأمور إلى وضعها قبل شهرين كان من الممكن إنفاقه لتطوير المدينة و توفير الخدمات لأهلها ؟ .. لا أدري إن كنا سنرى صدريا من مدينة الصدر سيخرج الآن و يعزف لنا تلك السيمفونية المعتادة من عدم وجود الخدمات و أن الحكومة فاسدة و القوات المحتلة تواصل نهج الهدام في تجويع الشعب العراقي و إلى آخره ، هذا مع أنه كان بالأمس يحمل صاروخه و يلقيه على مرفق عام أو دائرة أو منزل لمواطن مغلوب على أمره و يدمره ثم يتشهى على منظر التدمير و تصاعد الدخان و كأنه فعل فعلا بطوليا تشيد به ملائكة السماء و أهل الأرض .. ! اجل للعراقي أن يتساءل و مدينة الصدر نموذج بارز و ساطع أمامه : متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كانت الحكومة تبني و الصدر يخرّب ؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك