المقالات

القيادات الاستثنائية بين السرية والعلنية ... شهيد المحراب نموذجاً

1156 14:19:00 2008-05-11

( بقلم : كريم النوري )

ثمة قراءات وقناعات كرستها اداءات الحركة الاسلامية في المرحلة السابقة وهي إخفاء قيادات الحركة الاسلامية خشية الاستهداف او التصفية في مواجهة انظمة بوليسية تمتلك اذرعة مخابراتية تطال الكثيرين في الداخل والخارج. وهذه القناعات باخفاء رموز الحركة الاسلامية حفاظاً على أرواحهم قد فوتت مصالح كبيرة وادت الى مفاسد لو قيست بفوائد ومنافع الابقاء على سرية القيادات لترجحت كفة المفاسد المترتبة على هذه السرية المفترضة.

فقد أثبتت المتغيرات المتسارعة في العراق منذ التاسع من نيسان 2003 فشل وخطل الكثير من القناعات والرهانات والقراءات حول خطورة رحيل رموز الحركة الاسلامية وزعمائها على مستقبل هذه الحركة وما يمكن ان يتركه هذا الرحيل من فراغ قيادي على مستوى توجيه مسارات القوى الاسلامية.

وكانت هذه المخاوف تشير بإيماءاتها وإيحاءاتها الى المجلس الاعلى الاسلامي العراقي باعتباره من القوى التي كانت تؤمن بضرورة وجود قيادات علنية على رأس التشكيل او الفصيل الاسلامي رغم بشاعة ووحشية النظام السابق الذي كان يهدد طلائع الحركة الاسلامية ويطاردهم في كل منافي العالم بقدرة مخابراتية ماكرة كانت تترصد حركة المعارضين وتستهدفهم خارج الوطن وتستهدف ذويهم داخله.

فاذا كانت مبررات إخفاء وسرية قيادات الحركة الاسلامية في العراق مقنعة الى حد ما بسبب العقلية البوليسية للانظمة الحاكمة وذراعها المخابراتي الضارب فان علنيتها ووضوحها مبرراته اقوى واجدى يحصنها من أي إختراق أو إنشقاق لانها تعمل في الاجواء الشفافة التي لا تكتم ما وراءها من مخططات سرية وتنطلق في الاضواء بعيداً عن التمويه والخفاء الامر الذي يجعل قناعات القواعد الجماهيرية بقياداتها أقوى والا كيف تسير الجماهير وراء قياداته تجهلها خصوصاً ان العمل الحركي يسلتزم مواقف صريحة لما يحمله من مواجهات مسلحة تنتهك فيها الحرمات وتزهق فيها الانفس.

طبيعة الجماهير تتفاعل مع القيادات الظاهرة وليست المضمرة ومع القيادات العلنية وليست الخفية وقد يكون ذلك عاملاً مساعداً لتأكيد التواصل والتفاعل بين الجماهير وقادتها فليس من المقبول والمعقول ان تتبع الجماهير قيادات مجهولة الاقامة والهوية لاحتمال التغرير والخداع والتضليل وامكانية الحفاظ على هذه القيادات اكثر ضرراً على حضورها وسط الامة. واذا كانت ثمة إيجابية من وراء هذا الاخفاء لهذه القيادات فهو يتمظهر على استبعاد توجيه النقد واللوم لها من قبل قواعدها الجماهيرية باعتبار استحالة تقييم ونقد المجهول بخلاف القيادات العلنية التي تلامس الاضواء الكاشفة وتكون امام مرأى جماهيرها.

وقد كانت قيادة السيد شهيد المحراب علنية وواضحة منذ تصديه للعمل الفعلي بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر في التاسع من نيسان 1980 وهو يدرك ضريبة هذا التصدي وخطورته على شخصه وذويه واهل بيته لكن لكل موقف ومسؤولية ضريبة. ففي الوقت الذي كان الرعب الصدامي يداهم نفوس معارضيه في الخارج ولم يجرؤ احد على الظهور امام وسائل الاعلام بوجهه الحقيقي كان شهيد المحراب(قدس) يبادر الى اعلان الموقف الشجاع لاسقاط نظام صدام دون تردد او تراجع. وشجاعة شهيد المحراب(قدس) وحضوره الميداني في المحافل الدولية والسياسية والجهادية قضية اوضح من الشمس في رابعة النهار لا تحتاج الى دليل او برهان.

قيادات المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في المرحلة السابقة ما قبل التغيير كانت تتميز بقدرات استثنائية وخصائص قيادية لا تتوفر عادة مجتمعة في غيرها فان آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الحكيم(قدس) لم يكن قائداً سياسياً يمتلك رؤية سياسية معمقة تستشرف الواقع السياسي بنظرة واعية وافق رحب فحسب بل كان فقيهاً مجتهداً وشخصية علمية كبيرة لولا إنشغاله بالهم السياسي لانقاذ شعبه لاصبح في ارقى السلم المرجعي الديني في العالم. فكانت ثمة خيفة تراود انصاره ومريديه في حال رحيله لتجربته السياسية الكبيرة وحضوره السياسي الفاعل وثقله الاقليمي والعربي والدولي، ولم تتكرس هذه المخاوف داخل المجلس الاعلى وحده بل تجاوزته لمستويات القوى السياسية العراقية التي كانت تعتقد بان وجود شهيد المحراب صمام امان وأمل اعتدال في أداء الحركة الاسلامية في العراق. الذي بدد هذه المخاوف وجدد الامل بتجدد القيادات هو الهيكل المؤسساتي والارتكاز المفصلي في صناعة القرار والموقف في اطار المجلس الاعلى وهو ما يوفر الحركة والاستمرارية والعطاء لهذا التشكيل الذي أشرف عليه شهيد المحراب تاسيساً وقيادة.

وهذا التنظيم المؤسساتي الذي تميز به المجلس الاعلى لا يعني انه لم يتأثر بفقدان قائده ومؤسسه شهيد المحراب بل تأثر مجمل الواقع العراقي السياسي والديني ولكن الاستمرار على المنهج الذي رسمه شهيد المحراب والاقتداء بسيرته والمضي قدماً باتجاه المسيرة التي ختمها بدمائه الطاهرة كان ضمانة اكيدة على استمرارية المجلس الاعلى الاسلامي العراق.

ولابد من الاشارة العابرة في هذا السياق وهي ان القيادات بشكل غالب هي التي تأخذ من حركاتها وتضفي على حضورها القوة والشرعية بينما شهيد المحراب فهو الذي اضاف الى التشكيل الشرعية والقوة والفعالية نظراً لما يحمله من إرث علمي وتأريخي وتضحوي. قد تكون المرحلة الاخيرة التي أعقبت سقوط النظام السابق هي الاصعب نظراً لتداخلاتها وتشابكاتها وخنادقها باعتبار ان المرحلة السابقة كانت مرحلة مواجهة سياسية وعسكرية لقوى المعارضة العراقية السابقة ولم تتوفر لها فرصة الدخول في العملية السياسية والتحكم بالسلطة والقرار كالذي حصل بعد التغيير.

وغياب العقل المدبر للمسيرة العراقية والفقيه السياسي الكبير شهيد المحراب(قدس) والتحاقه مع الشهداء والصديقيين كشف عن طبيعة التماسك المفصلي والهيكلي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بل ان خليفته حجة الاسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي أثبت جدارة فائقة في قيادة المجلس الاعلى وتوجيه مسارات العملية السياسية بالاتجاه الراسخ مستفيداً من تجربة وعطاءات شهيد المحراب(قدس) من جهة وتوظيف قدراته الذاتية ومديات العملية السياسية وآفاقها من جهة ثانية.

ان التجربة الكبيرة للمجلس الاعلى قد اثبتت قدرة الاسلاميين على ايجاد خطاب وطني واداء معتدل والتعاطى مع المتغيرات المستارعة بروح الحكمة والعقل والاتزان بعيداً عن المواقف الارتجالية او الانفعالية التي تربك الواقع وتحجب الحقيقة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك