( بقلم : عباس الياسري )
أعلنت الحكومة المصرية بفرح غامر عن بدء تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل , ولم تكلف الحكومة نفسها الانتظار حتى يوم الخامس عشر من أيار , والذي يصادف الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل عام 1948 , لتكون الفرحة فرحتين كما يقولون , ومن طرفها أعلنت شركة كهرباء إسرائيل بدء تدفق الغاز الطبيعي المصري عبر خط أنابيب لا يمر بأراضي السلطة الفلسطينية , وقد وصل الغاز فعلا إلى مدينتي تل أبيب واشدود , بموجب اتفاق ما زال غامض , ولم يشأ الطرف المصري الإفصاح عن بنوده ,والعقد ابرم مع شركة غاز شرق المتوسط المصرية ,والذي ينص على توريد كميه غاز طبيعي تبلغ 1,7مليار متر مكعب سنويا لمدة عشرين عام , وبحسب الشركة الإسرائيلية فانه ما يزيد على 20% من الكهرباء التي ستنتج في العقد المقبل ستكون معتمده على الغاز الطبيعي المصري , واستطاعت الشركة الإسرائيلية أن تحصل على الغاز بأسعار مخفضة وتفضيلية , في الوقت الذي رفضت الحكومة المصرية بيع الغاز إلى السلطة الفلسطينية , الأعلام العربي والجمهور العربي ونخبه ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية مر عليه الخبر مرور الكرام وكان شيء لم يحدث ,الفلسطينيون تناولوا الموضوع من زاوية غريبة وفيها الكثير من التضليل , وانتقدوا الاتفاق بمقدار تعلق الأمر بالحصار المفروض على غزه , والأزمة الخانقة للوقود الحاصلة هناك , ولو لم تكن هناك أزمة لما تكلم الفلسطينيون عن الصفقة ,
سياسي مصري سابق قال ( بأنها كارثة وأعانه للمشروع الصهيوني الذي يريد أن يلتهم مصر ) , الأعلام العربي أيضا لم يلتفت إلى تحذيرات المسئول المصري السابق بل لم تتناوله أي فضائية عربية , وربما اعتبرت تصريحاته دقه قديمه كما يقول أخواننا أبناء الكنانة مثل منصبه القديم , وهنا من حق الجميع أن يتساءل , الجميع العاقل والمنطقي والذي يرى بأكثر من عين , وليس الجمع الغوغائي الذي يردد شعارات لا يفقه معناها , ولا يرى ألا ما يريد له الآخرون أن يراه , فتتحول لديه الهزائم إلى انتصارات والتخاذل إلى صمود والتأمر إلى مقاومه , والذي أدمن قلب الحقائق وقبول المزيف والتفاعل معه , تساءل غير بريء عن سبب هذا الصمت الذي لازم ويلازم كل ما يتعلق بالعمل العربي الإسرائيلي المشترك , وحجم التأمر الذي خرج إلى الهواء الطلق بعد أن كان يمارس في الدهاليز المظلمة , والمثير للسخرية أن هذه المؤسسات تحول الأوهام والأحلام إلى حقائق فيما يتعلق بالعراق , فقد أشيع أخيرا إلى أن الطائرات الإسرائيلية التي قصفت موقع المفاعل النووي السوري تم بالتنسيق مع القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وبعض الجهات العراقية , إضافة إلى العديد من الأكاذيب التي تم تداولها منذ خمسة أعوام , منها تواجد شركات إسرائيلية ومكاتب للموساد منتشرة في اغلب مناطق العراق , مع وجود شركات سمسرة تشتري الأراضي والمشاريع لصالح إسرائيل , وجمعيات تبشيرية بلبوس منظمات إنسانية ,وإسقاط الدكتاتور مطلب إسرائيلي , وقانون اجتثاث البعث و الفدرالية وقانون النفط والغاز وقانون الاستثمار والانتخابات كلها مطالب إسرائيلية , وعلاج أطفال عراقيين في تل أبيب مؤامرة إسرائيلية لاغتيال البراءة العربية , والمؤسف أن من اثأر قضية الأطفال طبيب اختصاص قلب يدعي انه عراقي يمتلك مستشفى في عمان رفض علاج هؤلاء الأطفال , وتباكى عليهم في مسرحية علاجهم في تل أبيب , وان النفط العراقي يهرب إلى إسرائيل ,
فإذا كنتم تبيعون بالعلن لماذا نحن نهرب , هذه الأوهام والأكاذيب وغيرها نجحوا بتمريرها كحقائق على الكثير من السذج , أوهام غلفت بأغلفة طائفية سهلت من نفاذها للعقلية العربية , هذه العقلية الازدواجية المأزومة والمهزومة في نفس الوقت , وكان هناك تباكي وصراخ وعويل على العراق وعروبته , والخوف من التهامه من قبل حكومة اولمرت المفترسة , وعقدت ندوات ومؤتمرات وأماسي شعرية وبرامج تلفزيونية لهذا الحدث الجلل , كلها من اجل إنقاذ العراق , هذا الأحداث لم تقع طبعا ألا في عقولهم المريضة وحقدهم الطائفي على العراق , بل وصل الاستهزاء بالجمهور العربي وعقله حد لا يوصف , ففي الوقت الذي تقام في احد الشوارع مهرجانات واعتصامات لاستذكار النكبة بذكراها الستين , مع وعود لإزالة إسرائيل من الوجود , تقام في الشارع المقابل احتفالية قص شريط مشروع تدفق الغاز المصري لإسرائيل وتدعيم مشاريع السلام والتكامل الاقتصادي مع الشقيقة الجديدة , وفي الوقت الذي تستضيف الدوحة قادة حماس في إحدى القصور الأميرية المباركة , تنزل السيدة تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية ضيفة أمير البلاد في القصر المجاور , يمازحها رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم قائلا ( سببتي لي الكثير من المشاكل ) , ولا نعرف ما هي المشاكل التي سببتها له السيدة , ربما لأنه لم يمازح أشقائه قادة حماس بنفس الحرارة ..!!! , وفي الوقت الذي تصدر الفتاوى والتصريحات التي تحرض الكثير من الشباب العربي للذهاب إلى العراق وقتل أهله و حرق ثرواته وتفجير أباره النفطية , هذه الأعمال الإرهابية تسوق بفتاوى على أنها جهاد وضرب لمصالح أميركا وإسرائيل ,
أما ضرب الأنبوب المصري الذي بدء بنقل الغاز إلى إسرائيل مؤخرا فانه حرام ويضر بمصالح المسلمين وقوتهم اليومي , ويصورهم بنظر الآخرين أمه جاهلة وإرهابية لا تحترم عهودها بالسلام , هذه فرصة مجانية للمجاهدين العرب فالأنبوب يمر من تحت أقدامهم ويستطيعون تفجيره ولا يكلفون أنفسهم عناء التسلل إلى العراق وقتل أهله الأبرياء , لذلك على العرب أما أن يعيدوا تركيب الأحداث حسب العقل والمنطق , أو أن يعيدوا ترتيب عقولهم ومنطقهم حسب الأحداث . والأخيرة اقرب للواقع .
https://telegram.me/buratha