المقالات

مراجعة لملفات الحركة الاسلامية في العراق .. المجلس الاعلى... عوامل التماسك وعناصر القوة الحلقة (1)

1283 00:43:00 2008-05-09

بقلم: كريم النوري

ثمة سؤال طالما تردده الالسن او تختزنه الاذهان ويحتاج الى قراءات جدية بعيدة عن التعصب او التحزب والسؤال بكل اختصار هو لماذا تشهد احزابنا السياسية الاسلامية والعلمانية في الشرق ظاهرة الانشقاقات والانقسامات بخلاف الاحزاب في الغرب وفي الولايات المتحدة الامريكية مرّ على الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي) اكثر من مئة سنة ولم يشهدا انشقاقاً او انفصاماً في هيكلية الحزب او مفاصله بينما في تجربتنا العراقية المعاصرة احزاب اسلامية تعيش الهم الواحد والمصير المشترك والادبيات الاسلامية والفكر الحركي لكنها تشظت الى شظايا غير متآخية وانقسمت الى احزاب وتوالدت انشطارات اميبية خطيرة في الحزب الواحد؟

وقد تتعدد او تتباعد الاجابة الجادة التي تعتمد القراءة الموضوعية ولكنها لا تعني بالضرورة المقارنة السلبية للواقع الغربي والاسلامي وما قد يفرزه من قناعات خطيرة على الافكار والنظريات بسبب الخلل في التطبيقات والاداءات. قد تجرنا الاجابة الى مساحات كانت محظورة او ممنوعة يصعب الخوض فيها او الجرأة في نقاشها لاسباب تبدو مقنعة في المرحلة الماضية حيث كانت تواجه مثل هذه المراجعات والمناقشات الى ايجاد ثغرات في جسد الاحزاب الاسلامية يمكن استغلالها للطعن بالحركة الاسلامية من قبل خصومها من الاجهزة المخابراتية الدولية التي تتربص بهذه الاحزاب الدوائر وتحاول تشويه هذه الاحزاب ورموزها، او يجد الباحث لكل مراجعة او قراءة لاداء الحركة الاسلامية المزيد من العقبات والصعوبات وقد يواجه بسيل من الاتهامات الجاهزة بالعمالة او الفسق او الكفر احياناً بخروجه عن الاسلام بمجرد خروجه من الحركة الاسلامية الفلانية.

واذا كان ذلك مبرراً في المرحلة السابقة مرحلة المعارضة وتعقيداتها وخطورة الانظمة السياسية وبشاعتها فان ذلك غير مقنع في المرحلة الراهنة التي وصلت الحركة الاسلامية الى مواقع الحكم والقرار عبر الانتخابات والمنهج الديمقراطي ومسار العملية السياسية في العراق. وان هذه المراجعة وتشخيص مواطن الخلل ومكامن التراجع لاداء الحركة الاسلامية واحزابها ضرورية ولابد من التثقيف عليها ومغادرة هواجس الماضي واتهام هذه المراجعات بخدمة الاجندة المخابراتية ومخططات الانظمة المعادية.

فان أي حركة سياسية لا تراجع اداءاتها ولا تعيد النظر في سلوكياتها بمراجعة جادة وشجاعة فان حاضرها يتحول الى كومة اخطاء ومستقبلها الى كارثة، وسيزيد من مساحات الانحراف لان البداية تبدأ من زاوية ضيقة ثم تتسع وان هذه المخاوف من هذه المراجعات قد تؤدي الى عواقب وخيمة على مستقبل وسمعة الحركة الاسلامية.وربما واحدة من الاجابات على ما طرحناه من سؤال مبكر هذه الظاهرة وهي الخوف من اية مراجعات لاداء الاحزاب الاسلامية او اتهام هذه المراجعات ووصمها بالعمالة او تحقيق اجندة مخابراتية دولية.والسبب الاخر لهذه الانشقاقات في جسد الحركة الاسلامية هو غياب الانظمة الداخلية والمعايير الحزبية التي توجه مسارات ووظائف افراد الحزب.

ان وجود نظام داخلي يضمن سلامة الحزب وضمانة افراده من كل انتهاكات واعتداءات وتهديدات يشعر المنتمين لهذه الاحزاب بالخوف المستمر من غياب الضمانة الحزبية والحياتية والمستقبلية. ولا نعني بضرورة وجود نظام داخلي يوجه مسار الاحزاب هو النظام الداخلي المكتوب الذي لا يكاد يخلو من أي حزب اسلامي او غربي انما ما نعنيه هو الالتزام السلوكي بهذا النظام واحترامه واعتباره هو قانون فوق الامزجة والاهواء والشخصنة.الالتزام بالنظام الداخلي هو ثقافة وممارسة وتربية وانضباط كما لابد من وجود آليات للمحاسبة والمسائلة في حال اختراق بنود النظام الداخلي كوجود الدستور في الانظمة المتحضرة والمتطورة الذي يكون القانون فوق الجميع ولا يخضع لامزجة الحكام مهما كانوا.

وغياب الضمانات والحقوق الشخصية لكوادر الاحزاب الاسلامية وظاهرة الشخصنة والامزجة في اداء القيمين على هذه الاحزاب واحد من عوامل التشظي والانهيار والانقسام. كما ان أن نشأة الأحزاب السياسية لم يكن لها تاريخ طويل كما هو الشأن بالنسبة للبلدان الغربية ودول أمريكا اللاتينية ، التي عرف فيها تطور حركة المجتمع المدني و السياسي نسقا تاريخيا متلائما مع تطور التكوينات الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات البشرية خلال المراحل التاريخية المتواترة  وهكذا عرفت المجتمعات الأوربية منذ عصر النهضة تطورا هائلا على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية وساهمت بشكل كبير في التحولات السياسية والاجتماعية بهذه البلدان.

وقد تكون واحدة من اسباب هذا الانشقاقات والانقسامات التراكم القبلي في التعصب بالرأي وعدم احترام الرأي الاخر وهو ما ينافي العمل الجماعي والشراكة داخل الاحزاب بالشكل الناهض.

ظاهرة غياب العدالة واحدة من العوامل الكبيرة في هذه الظاهرة وبغيابها تنشأ مصالح شخصية على حساب الجماعات وتنتج اثرياء وفقراء في نفس الحزب الواحد بسبب انعدام التوزيع المتكافىء للمكاسب والمنافع فتتحول الثورة الى ثروة طائلة وتتحمل القواعد الحزبية الضريبة الباهضة في المواجهات بينما تحظى اقلية بالامتيازات والثروات وهو ما يخلق حالة من التذمر وفقدان الثقة بالقيادات المتقدمة. ولابد من الاشارة العابرة الى صناعة القرار في داخل الاحزاب والقوى السياسية وهو من العوامل المهمة في تعميق ظاهرة الانشقاق والانشطار الاميبي فقد تستأثر فئة قليلة على طبيعة القرار وتتجاهل القواعد الحزبية في المشاركة وصناعة القرار.

وربما من ابلغ الصدمات التي هزت كيانات الاحزاب السياسية وادت الى تشظيتها الى بؤر واحزاب وتكتلات هو التناقض بين النظرية والتطبيق او التناقض بين تكريس الوعي الاستراتيجي وبين التطبيقات السياسية التكتيكية، والانتقال المفاجىء في اولويات الحزب والمراحل المرسومة عن طريق النخب القيادية دون اطلاع القواعد الجماهيرية على ما يجري من تطورات ومستجدات ولو على المستوى الجزئي المقنع ادى الى نفور كبير من هذه الحركات.

وتأسيساً على هذه الفكرة فان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ربما هو الحالة المتقدمة في الوضع الاسلامي الحركي الذي يختلف كثيراً في كل مفاصله سواء على طبيعة صناعة القرار والمشاركة الواقعية لكوادره في التطورات والمستجدات والحركة المتزنة لقياداته واتخاذ القرارات بشكل جماعي عبر الشوري المركزية في المجلس الاعلى ومناقشة كل زوايا القضية المراد اتخاذها اضفى على هذا التشكيل المزيد من المصداقية والواقعية والمقبولية في الوسط الجماهيري.

ان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لم يشذ عن السرب الانشقاقي الذي تشهده القوى السياسية فحسب بل ازداد تماسكاً وتأثيراً لبقية القوى السياسية التي حاولت الالتحاق به تنظيماً او تحالفاً. ان عوامل التماسك والقوة وعناصر التأثير داخل التشكيل وخارجه اوجد حالات من الاهتمام المتزايد لبقية القوى السياسية والجماهير التي راقبت بشكل دقيق طبيعة القرار المتعقل والمتوازن الذي تميز به المجلس الاعلى. وفي أصعب الظروف تعقيداً وتشابك المصالح وتداخل الخنادق واحتجاب الرؤية كان المجلس الاعلى الاسلامي العراق واضحاً بكل تفاصيل مسيرته ولم يغيب الجماهير عن مساراته برغم ضبابية الواقع وبروز ظاهرة المزايدات والاتهامات ضد هذه التشكيل الاصيل.

سنناقش في الحلقة القادمة عوامل التماسك وعناصر القوة في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك