( بقلم : عواد عباس الموسوي )
في الوقت الذي تشير فيه مصادر مطلعة من داخل مدينة الصدر إلى قرب تنفيذ القوات العراقية و الأمريكية هجوما كاسحا و عنيفا يضع حدا لاشتباكات استمرت خمسة أسابيع وسط معاناة الأهالي سرّب قادة صدريون خبرا مفاده إن ثمة اتفاقا سريا بينهم و بين الحكومة . و رغم أنه لم تشر أية شخصية حكومية أو برلمانية غير الصدريين لوجود مثل هكذا اتفاق فإن هناك ما يفسر إطلاق مثل هذه " الشائعة " حتى الآن على أقل تقدير و هو يتمثل بموجب قراءة موضوعية في مجموعة من الأهداف التي سنعرض إليها .
و لكن قبل ذلك لا بد من الإشارة إلى أن بعض المتابعين للشأن ذهبوا باتجاه أن يكون التحرك العسكري و ترتيبات البدء بهجوم واسع النطاق يكتسح آخر معاقل جيش المهدي محاولة ضغط حكومية على الطرف الآخر والذي هو في وضع لا يحسد عليه لأجل دفعه لإعطاء تنازلات كبيرة و لا سيما إن من المعلوم تماما هو أن المعركة الجارية تدور بين طرفين غير متكافئين و بمقدور القوات العسكرية سحق مليشيات الصدر و عصاباته الخاصة و غير الخاصة في ظرف ساعات إلا أن توقع سقوط أعداد كبيرة من المدنيين بين قتيل و جريح و الخراب الذي سيلحق بمدينة اغلب منازلها تقوم على أساس هش و بعضها آيل للسقوط يمثل العقبة الكأداء بوجه أي قرار عسكري بشن هجوم واسع و خاطف .
و نعود هنا إلى الغاية و الهدف الذي رمى إليه الصدريون بتسريب خبر إلى الصحافة يفيد بوجود مباحثات و اتفاقات سرية بينهم و بين الحكومة العراقية و نرى أن تلك الأهداف تنحصر بالآتي :
أولا : محاولة التشويش على المُخطِّط العسكري العراقي و إرباكه لا سيما و أنه لا يريد أكثر من فرض هيبة القانون و تسليم العصابات الإجرامية لأسلحتها و فسح المجال لقوى الأمن في ممارسة عملها دون تدخل أو حظر و لهذا فالعمليات العسكرية ليست مطلوبة بنفسها بل هي وسيلة لتحقيق تلك الأهداف التي تصب في مصب استقرار الوضع الأمني و فرض سلطة الدولة ، و لعلم الصدريين بأن حكومة السيد المالكي تقف ضابطة أعصابها و مصغية بدقة كلما أظهروا أنهم بصدد إبداء مرونة كافية و الرضوخ لحكم العقل و المنطق في عدم مزاحمة كيان الدولة و سلطتها .
ثانيا : تبعا لذلك إعطاء فرصة لمليشيات جيش المهدي و العصابات الخاصة ذات الإدارة و التوجيه الخارجي لالتقاط أنفاسها و إعادة نشر فلولها و تريب أوضاعها و تحصين مواضعها داخل المدينة المنكوبة بهم .
ثالثا : ترويج أن ثمة اتفاق سري بين الصدريين و الحكومة العراقية يتيح لهم فيما بعد وقوع الهجوم المرتقب الادعاء بأنهم كانوا طلّاب سلام و كانوا يسعون للحل السلمي لحقن دماء الأبرياء المدنيين خاصة و تصوير أن الحكومة كانت مصرة على مواجهتهم لأن القضية – كما كان و سيكون ادعاء الصدر و أتباعه – لا تتعلق بأكثر من الرغبة في تهميش " التيار " و إقصائه هذا بالرغم من أن ضرب العصابات المسلحة أيا كان انتماؤها لا يمكن أن يعد تهميشا للطرف السياسي الذي يكفلها و يدعمها لأن المشاركة السياسية لا تتم عن طريق القنابل و الصواريخ و العبوات الناسفة و اختطاف المدن من أهلها و من سلطة القانون .
رابعا : إدخال الناس في مدينة الصدر في تردد و حيرة قاتلة ستدفع ببعض منهم إلى انتظار شيء قد لا يتحقق أبدا ما دامت العصابات الإجرامية تسرح في شوارع المدينة . القول بوجود اتفاق سري جاء مواكبا تماما للأخبار المؤكدة التي تشير إلى قرب وقوع هجوم نهائي و ماحق و لهذا فالجنود العراقيون يجوبون الآن العديد من القطاعات و يدعون المواطنين لضرورة إخلاء منازلهم و الخروج إلى أماكن أكثر أمنا . فالهدف من وراء ادعاء اتفاق سري هو دفع أكبر عدد ممكن من الناس للبقاء في بيوتهم و عدم الأخذ بجدية الدعوات الصادرة إليهم من القوات العسكرية و بالفعل تشير مصادر خبرية من داخل المدينة إلى أن بعض العوائل حبذوا البقاء في منازلهم ، و بهذا يتسنى تحقيق أمرين الأول استمرار اتخاذ المدنيين دروعا بشرية في المواجهة و الثاني انتظار وقوع أكبر عدد من القتلى المدنيين للتشنيع الإعلامي على الحكومة و التطبيل إلى أنها أوقعت مجزرة كبيرة بالمواطنين . إننا نهيب بالجهات المسئولة كما بالمواطنين الأبرياء المبتلين بعصابات الجريمة و القتل و التخريب أن ينتبهوا إلى ما ذكرناه و يحملوه على محمل الجد لتقليل فرص الوقوع في بعض الأخطاء غير المحسوبة أمام كيد المليشيات و عقول الشر التي تدبر كل ما هو خبيث و مضر بالعراق و العراقيين .
إن لعبة التسريب لوجود اتفاقات سرية في وقت احتقان الأزمات و فقدان الحلول و الشعور بقرب الهزيمة ليست بالجديدة فقد مارسها و لعبها النظام السابق أكثر من مرة و كانت تتوخى أهدافا قريبة مما ذكرناه . فعلى سبيل المثال في حرب الكويت كان صدام و أثناء اشتداد الضربات الموجعة التي وجهها سلاح الجو الأمريكي لقطعاته و مراكز قياداته العسكرية و الأمنية بما توقع معه المواطنون بدء مرحلة سقوطه و انفلات الأمور من قبضته قد سارع لتسريب خبر يفيد بحصول اتفاق سري بمساعدة روسيا الأمر الذي أسهم في تخفيف الضغوط عليه من الداخل نتيجة لتراخي الرغبة في التحرك ضده لتوقع أنه سيستعيد قوته و أن عملية الانهيار الدراماتيكي لقواه الأمنية لن يستمر بما يمنح الفرصة للشعب في الانتفاضة عليه . و من جهة أخرى شوّش حسابات بعض الأطراف الإقليمية التي كانت تتأهب للدخول مع القوات الأمريكية إلى الكويت و من ثم إلى العمق العراقي . كذلك زرع الخوف و التردد في نفوس بعض القيادات العسكرية المهمة من القيام بانقلاب على النظام و تحرك يسهم في إسقاطه و وقف عمليات التدمير اليومي للقوة العسكرية العراقية .
إنها لعبة الاتفاق السري الذي يبدو أنه جزء من ثقافة و عقلية لا تريد مغادرة العراق ما دامت تجد لها وريثا بارا يتمثل بالصدر و مليشياته كما برّ هؤلاء في أكثر من ميدان و على مستويات أخرى فكانوا بحق بقية الظلم الدكتاتوري و حاملة لذات الذهنية مخلصة لها أيما إخلاص سواء شعروا بذلك أم لا و سواء مارسوه بوعي تام منهم أم بنصف وعي أم بدونه حتى ..
https://telegram.me/buratha