( بقلم : سعدي السوداني )
ان الله تبارك وتعالى بعث الأنبياء والرسل لهداية الإنسان وإيصاله الى الكمال المطلوب والسعادة الخالدة ، حيث ان الهدف من خلق الإنسان ما كان ليتحقق لو لم يبعث الله رسله إذ لولا ذلك لغرق الإنسان في أوحال الضلال "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً" فان جميع الأنبياء الربانين كانوا يتطلعون الى هدف واحد هو سعادة الانسانيه عن طريق الإيمان بالله ويوم القيامة والتعليم والتربية الدينيه الصحيحه ، وتعزيز الأسس الإخلاقيه في المجتمعات البشرية حيث يعتبر الدين الاسلامي هو الدين الرسمي الوحيد في هذا الزمن وهو دين الله الأكمل ، جاء ليستوعب بتعاليمه وأصوله وتشريعاته كل جزئيات الحياة من صغيرها وكبيرها وتفاصليها لينتج بأنظمته الرائدة المتكاملة نسيجاً متكاملاً يغطي جميع احتياجات الإنسان ويهدي مسيرته في كل مجالات حركته في هذه الحياة ، سواء ما كان منها مرتبطاً بكيانه المادي أو ما هو مرتبط بجانبه الروحي وبكلا الإطارين الفردي الخاص أو كونه جزءاً كبيراً مترابط ترابطاً عضوياً متيناً
ويعتقد المسلمون ان الكثير من الأنبياء السالفين أنبئوا بظهور الأنبياء الذين جاءوا من بعدهم ، وقد أخبر نبيي الله موسى وعيسى بمجيء نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآلهِ) وبشروا به حيث تضمنت بعض كتبهم ذلك حتى يومنا هذا "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل أولئك هم المفلحون" ، ولهذا ينقل لنا التاريخ ان مجموعة من اليهود كانت تردد على المدينة قبل ظهور الدين الاسلامي انتظاراً له ، لأن كتبهم كانت تتحدث عن انبعاث دين جديد من هذه الأرض المقدسة ، وقد آمن بعضهم بالفعل بعد الإعلان عن الدين الاسلامي في حين عارض آخرون ممن تعرضت مصالحهم للخطر ، وان الأديان السماوية ولا سيما الدين الاسلامي لم تأت لإصلاح الحياة الفردية فحسب ، ولم تتخصص في القضايا المعنوية والاخلاقيه فقط وإنما تهدف لإصلاح جميع الشؤون الاجتماعية ،وقد تعلم الناس الكثير من العلوم المطلوبة في الحياة اليومية من الأنبياء الامر الذي أشار إليه القرآن الكريم في بعض آياته ، ولذا فأن المسلمين يعتقدون ان محمداً (صلى الله عليه وآلهِ) هو خاتم الأنبياء وآخر الرسل وشريعته موجهه لجميع الناس وباقية ما بقى العالم ، بمعنى ان المعارف والتشريعات والتعاليم الاسلاميه من الشمولية بحيث تلبي كل حاجات الإنسان مدى الدهر ، لذا فأن المسلمين يحترمون جميع الأنبياء "لا نفرق بين احدٍ من رسله" ويعتقد المسلمون انه يمكن تبيين حقيقة الإسلام وتعاليمه للجميع من خلال البحث المنطقي والنقاش الموضوعي ويعتقدون ايضاً بأن قابليه الاستقطاب والجذب في الإسلام من القوة بحيث يمكنه لفت الأنظار نحوه وكسب إليه إذ جرى توضيحهُ بشكل صحيح ، لاسيما في عالم اليوم حيث يكثر الإقبال عليه لوعي رسالته ، لهذا يعتقد المسلمون ان الدين الاسلامي يجب ان لا يفرض على الآخرين قسـراً " لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ّ" ، وكذلك يعتقدون ان الالتزام بتعاليم الدين هو أسلوب آخر لتعريف الإسلام للآخرين ، ويعتقد المسلمون أيضا ان من أهم أهداف دينهم العدالة الاجتماعية في المجتمع البشري "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" ، وان الدين الاسلامي يرفض كل أنواع التمييز العنصري والقومي وإنما المسلمون ينظرون الى جميع الأمم والأقوام واللغات والأجناس نظرة واحدة ويخاطب القرآن كل الصنوف البشرية بالقول "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، وروي في الحديث المعروف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله في منى في موسم الحج والناس ملتفون حوله "يا أيها الناس ألا ان ربكم واحد وان أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولأسود على احمر ولا لأحمر على اسود ، إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم : قال ليبلغ الشاهد الغائب " تفسير القرطبي:9:6162 ، إذن لم يكن الدين الاسلامي الذي هو احد الأديان السماوية في يوم من الأيام إحكاما خاصة بالعلاقات المباشرة بين الإنسان والخالق ، متمثلة بالصلاة والصيام وما إليها كما يفهم العدد الأكبر من المفكرين العصريين في العالم بل هو نظام تطل به كل النواحي الحياة الإنسانية على جميع الأصعدة سواء الفردية أو الجماعية فالسياسة الإسلامية هي تنظيم أفضل برنامج لحياة الشعوب ، كما تضمن للأقليات الدينية كامل حرياتها المشروعة بل تشمل رحمتها حتى الحيوانات وهي أيضا تبتني على السلم واللاعنف واحترام الرأي الأخر وفتح المجال للمعارضة وتمنح الحريات الكثيرة في مختلف ميادين الحياة الفردية والاجتماعية ومن هنا كانت أطروحة ( بناء المجتمع الإنساني المتكامل في جميع جوانبه المادية والمعنوية ) هي من ابرز القضايا التي أولاها الإسلام الحنيف كبير عنايته وفائق اهتمامه وإقامته على أسس محكمة قويمة تضمن تماسكه وثبوته وتديم سلامته من أي خلل أو وهن وإقامته أيضا على متينة من الحق والعدل والخير تحفظ نظام وجوده واستمراره وتحصن مفاصل حركته نحو كماله المنشود من التلف والتخبط والانحراف 0
سعدي السوداني
https://telegram.me/buratha