( بقلم : عواد عباس الموسوي )
بعد أن ضرب الإسلام بجرانه على الكثير من بقاع الشرق القديم و مضت جحافل الفتوحات إلى أطراف قصية في الأرض كانت بعض الشعوب و الأمم في أماكن معينة على ديانتها السابقة و منهم مسيحيون و يهود و حتى مانويين و زرادشتيين و عبدة للنار و غيرهم . و رغم انصهار و تلاقح المسلمين مع ثقافات و تقاليد تلك الشعوب إلا أنهم بقوا مميزين عنهم بلباسهم و زيهم العربي الإسلامي و حتى بطريقة السير و الأكل و الشرب وغيرها كما ورد في بعض المصادر المعتبرة و استمر ذلك حتى بداية القرن الخامس الهجري . وقد كان ذلك نابعا من تعاليم النبي الأكرم "ص" الذي نهى عن التشبه بزي النصارى و اليهود و قد وضعت لقضية النهي عن التشبه بلباس أهل الكتاب عدة أسباب متصورة و اجتهد الكثير من العلماء و الدارسين في تلمس العلة لذلك النهي . و رغم كل ما قيل فإن من بين ما نراه من سبب هو احترام زي الآخر و عدم التطفل عليه و على خصوصيته وفيه كذلك احترام للذات و لخصوصيتها . و مع مضي الوقت كان لطبقة العلماء زيهم الذي يميزهم عن العامة و ينالون به احترام الآخرين . و لعل العمامة تبدو ابرز ملامح الزي الذي بقي مميزا لطبقة العلماء و طلاب العلم الشرعي . و قد أخذت العمامة ثقلها في ذهن الناس كونها علامة الفقيه و رجل الدين العالم بالقضايا الشرعية و لها قدسية و جلالة روحية . لهذا فهي محترمة من قبل صاحبها أيما احترام كونها أشبه بالأمانة التي يجب أن تصان و يتعاهدها المرء بكل ما من شانه عدم تدنيسها و دفع العامة لاحتقارها عن طريق تصرفات و أفعال صاحبها . من هنا فلا غرو أن نجد بعض علمائنا الأجلاء وقد ألزم أتباعه بعدم ليس العمامة في أماكن معينة أو حين مزاولة مهن و أعمال بعينها و منهم من حضرها على الراغب في أن يعمل في السياسة .
إن الرجل المعمم يتحمل مسئولية كبرى حين يضع على رأسه ذلك الجبل ، فهو لا ينفك عن مراعاة كونه رجلا يحمل علامة الفقهاء و طلبة العلم الديني فيحدد تصرفاته و يلزم نفسه بالهدوء و السكينة و الوقار و الحشمة فيما يفعله و يقوله و هكذا دأب الفقهاء و طلاب العلم في الحوزات و المدارس الإسلامية عبر العصور . إلا أننا نعيش في زمن اختلت فيه المقاييس و أصبحت الأمور تجري على غير سابق عهدها ، فصرنا نرى من يلبس العمامة و يقوم بأفعال ذوي الزنّار و مرابط الخصور ..
و لئن لم يكن مستغربا أن نرى شواذا كهؤلاء ممن يحسبون زورا أنهم معممين و مشايخ و طلاب علم و دارسين في الحوزات فإن ما يدعو للعجب هو أن تتبعهم جموع من الشباب و تهرّج خلفهم بشعارات تافهة و تحيلهم إلى رموز للمقاومة و الوطنية و البطولات الزائفة التي ما هي إلا الاستقواء على العزّل من المدنيين نساء و أطفالا و شيوخا . إن هذه الأفعال التي يقوم بها بعض لابسي العمامة و منتحلي طلب العلم لا يمكن أن تكون عفوية و غير مقصودة لا سيما حين تكون أمام أعين الخلق و في وضح النهار و يجري تصويرهم و هم يتراقصون و يتمايلون و يصفقون محفوفين بشراذم من الرعاع الذين ينعقون خلف كل ناعق . يبدو أن الهدف هو الإمعان في تشويه " العمامة " و تسقيط أصحابها و إعطاء الحجة لمن هب و دب في تصوير الأمر على أن كل لابسٍ للعمامة من رجال الدين الذين يتعاطون السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر هم على هذه الشاكلة . فليسوا أكثر من منافقين و مدعين لتقوى مزيفة ، إنهم لا يليقون بتحمل المسئولية و لا حتى النبس بكلمة واحدة في شأن من الشؤون السياسية و الاجتماعية و حتى الدينية . هذا مع أن الواقع يقول إن هذا النفر يمثل الاستثناء و ليس هو إلا الشاذ عن الجمع الخيّر و الصادق و الذي يحترم عمامته فنواياه صادقة و أقواله لا تخالف أفعاله .
إن الشاذ الذي يتراقص مائعا بين أتباعه و مؤيديه إنما يعكس حقيقة نفسه و من ينتمي إليهم من مدّعيي عمامة الفقه وهم لا يعرفون ألف الفقه من بائها و من تلك القطعان المارقة من ذوي العاهات النفسية المزمنة و الذين افرغوا حقدهم على الشعب و شكلوا عصابات للقتل و الإجرام .. إنهم أصحاب عمامة الشيطان الذين يحاولون خداع الناس بلبس العمة التي راج انتحالها أيام صدام حسين و بدا أولئك المعممون الدخلاء و كأنهم من يمثل الحوزة التي استلبوها ذات يوم بالتواطؤ العلني و المفضوح من السلطة البعثية التي وضعت عمائم الرحمن قيد الإقامة الجبرية و فرضت عليهم عزلة تامة فيما تركت عمائمها الشيطانية تسرح و تمرح بحرية لتسيء ما وسعتها الإساءة إلى قدسية هذا الرمز الإسلامي و تلطخه بكل ما هو مشين ..
https://telegram.me/buratha