( بقلم : فالح غزوان الحمد )
في لقاء ضمن برنامج الجزيرة المثير للجدل " الاتجاه المعاكس " احتدم النقاش ذات يوم بين أحد الدعاة السلفيين المؤيدين لأسامة بن لادن وقاعدته و بين شخصية علمانية و في معرض الجدل و النقاش الفارغ و الأخذ و الرد ألقى ذلك الداعية دليلا قاصما لظهر المرجفين و الخونة و عملاء الغرب و المداهنين و غير ذلك مما عذب لفظه و لذّ معناه لدى من أوصد على نفسه أبواب الجهل و سدر في غيّ الخديعة و الزيف و دليل الرجل كان يتلخص في ردّ تهمة الإرهاب عن القاعدة و السلفية التكفيرية بالقول : إن الأعمال المشينة التي تستهدف الأبرياء ليست من صنع القاعدة بل من عمل المخابرات الأميركية السي آي أيه لأنه ليس من المعقول عقلا و منطقا أن تقدم القاعدة على عمل تشوّه به صورة الإسلام وهي لا تهدف لغير رفعة الإسلام و نشره في كل صقع من أصقاع المعمورة فهذا لا يقوم به سوى الأغبياء و من لا عقل له .. و من هنا يتبين حجم التزييف و التظليل الإعلامي الموجه ضد الإسلام و المسلمين عامة على حد قوله !! طبعا كان هذا الدليل أيام كان البعض يرى في الزرقاوي شخصية وهمية و أسطورة اختلقتها المخابرات الأمريكية . وبالفعل فإن العقل و المنطق يقفان على نقيض القيام بأعمال همجية ليدّعى أن من يقوم بها يحاول نشر الإسلام و قيمه السماوية الأصيلة المليئة بالحب و الدعوة إلى العدل و المساواة إلا إذا كان إنسانا غبيا ومعتوها ..
فأي حب و عدل و قيم إنسانية عالية يؤمن بها الإنسان وهو يرى أن من يدعو إليها يخوض في أنهار من الدم المحرّم و ينتهك حرمات الناس و يقتلهم بأبشع الطرق و أكثرها همجية و تخلفا . بمرور الوقت كان السؤال عن حقيقة الأهداف و الغايات التي تتوخى تحقيقها القاعدة عن طريق تشويه واضح و متعمد للإسلام يتزايد . و أنتج في المحصلة موقفين متضادين الأول هو الذي عُبِّر به عن قناعة الكثيرين بكون القاعدة مخترقة من قبل مخابرات دول أجنبية و منها إسرائيل و الولايات المتحدة و غيرهما و أن الكثير من قادة التنظيم الإرهابي كانوا على علاقات سرية بأجهزة مخابرات تلك الدول . و على ضوء هذه الحقيقة ترتب أن تشويه الإسلام هو الهدف الأساس و الغاية التي كانت تريد القاعدة تحقيقها عن طريق عمليات الانتحار و التفخيخ الهمجية ضد المدنيين ، وكذلك لزيادة و تلقيح الفتنة الطائفية في العراق خاصة ، لحساب جهات عديدة منها دولية و منها إقليمية . و أما الموقف الآخر فقد تبنته الأطراف المؤيدة للقاعدة فراحت تبرر ما تفعله عصابات التكفير اللادني بشتى التبريرات الواهية و حاولت هذه الأطراف توجيه الأمور إلى قضايا عامة تصرف النظر عن الفعل و أسلوبه فخلعت على تلك العصابات سمة المقاومة للوجود الأمريكي و حاولوا جهد المستطاع فبركة الواقع بطرق و أساليب غريبة و مخاتلة حدّ أن ظهر علينا مثنى حارث الضاري ذات يوم على قناة البغدادية بنظرية في هذا المجال مفادها أننا ننظر إلى الفعل كنتيجة و تؤخذ الأمور بشكل كلي فأمامنا أناس يقتلون الأمريكان وهذا الفعل يسمى مقاومة . ولم يقل لنا و يوضح ما ذا يسمى قتل الأبرياء ؟ ألا يسمى إرهابا ؟ و من يقوم به هم نفس أولئك الذين يسميهم مقاومة ؟!
يبدو أن هذا الوضع يعيد نفسه مع التيار الصدري الذي أخذت التساؤلات تتزايد بشكل واضح عن حقيقة الأهداف التي تسعى إليها مليشياته عن طريق إثارة الفتن و قلقلة الأوضاع و شرذمة البيت الشيعي و أصبحت التصريحات علنية و واضحة في عدائيتها و حقدها ضد الأحزاب و الأطراف و الشخصيات الشيعية الوطنية التي لا تقاسم الصدريين رؤيتهم و لا تدافع عن جرائمهم و تمقت منهم هذا الصلف و التعالي الفارغ على أبناء الشعب و قد بلغت ألأمور حدّ أن تسكب الدماء و تخرّب البيوت و لا نلمس لحظة واحدة للصدر و أتباعه لمراجعة الحسابات بل ليس إلا العناد و المكابرة و الإمعان في تأزيم الوضع فلا تصدر سوى الادعاءات الفارغة و المزيفة عن رغبتهم في استتباب الأمور و أنهم يحرصون على القانون و سلطة الدولة مع حشد من الخطوط الحمر و المستحيلات و أولها رفض حل المليشيات التي هي السبب الرئيس في كل ما جرى و يجري من أزمات و محن تلمّ بالشعب العراقي الصبور .
إننا أمام ذات الفروض التي كانت تفرض نفسها لتبرير أعمال القاعدة بل أن الأمر هنا أكثر مدعاة و تأكيدا على ضرورة وضع الجواب المقنع عما يهدف إليه الصدريون وهم يفتّون في العضد الشيعي ويقومون بتخريب العلاقات بين أبناء البيت الواحد و المذهب الواحد و في وضع جزء غفير من أبناء المذهب الشيعي عدوا أبديا لهم و الحرص الواضح على إشهار عداوتهم و إضافة إلى ذلك الإمعان في قتل الأطفال و النساء و العزل من الشيعة على أيديهم التي تنتمي كما هو مفترض إلى التشيع؟؟؟
و على الرغم من أن الغباء هو صفة لازمة لأغلب الصدريين و عناصر مليشياتهم فإن طرح الغباء كونه إجابة لن يكون مقنعا لأي عاقل . فالغباء و العته له حدود و ملامح تميزه بوضوح و يقف عندها ليفصل بين العقل و الجنون ، والغبيّ لن يكون بوسعه أن ينظم مواقفه و حركاته بهذا الشكل المبرمج و المخطط له . إن المليشيات الإجرامية التي تمثل جزءا وافرا من أتباع مقتدى الصدر تهدف منقادة بوعي أو لا وعي إلى تشويه الشيعة و في هذا الوقت بالذات لصالح أطراف أخرى تدعمها في السر و العلن . لسنا نبالغ مطلقا و لا نتعجل إصدار الأحكام بلا دليل مقنع . و على المعترضين أن يقدموا لنا تبريرا واحدا يقنع العقلاء بما هو الهدف و ما هي الغاية التي تدفع بالصدر و أتباعه لاتخاذ مواقفهم الراهنة و القيام بأفعال و أعمال مخجلة ؟ إن اقل ما يمكن أن نتساءل عنه هو لمصلحة من يجري تشويه صورة الشيعة في العراق و إظهارهم و كأنهم مجاميع بدائية تتحارب على المغانم و المكاسب السياسية ، و أنهم لا يبدون قادرين على تجاوز الخلافات بينهم ؟ من الواضح أن هذا الأمر يعني عدم أهليتهم للتصدي للحكم و استلام دفة الأمور إذ كيف يمكن تخيل أن من يتصارعون فيما بينهم قادرون على حكم البلد و الوصول به إلى ضفة الأمان ؟؟ لقد كان و لا يزال هذا الأمر بغية و مطلب القوى الطائفية في الداخل و الخارج الإقليمي على وجه الخصوص لإقصاء الشيعة و تهميشهم ثانية و نرى أن مقتدى سواء بإرادة و وعي تامين منه أو بدونهما على فرض آخر يقوم بهذا المطلب على أتم الوجوه و أحسنها ، وهو ما تجاهد القوى الوطنية الخيرة من جانبها في التصدي له و إفشال المشروع الذي يستهدف حاضر الطائفة الشيعية العراقية و مستقبلها .
إن الصدريين و مليشياتهم تقترف جريمة تاريخية بحق المكون الشيعي نخشى أن يكتب التاريخ فيما بعد أنهم كانوا طرفا في أقذر مؤامرة عرفها الشيعة العراقيون استهدفتهم من داخلهم فُسلِبوا حقوقهم و جرى تفويت الفرصة عليهم و أعيدت إلى أيديهم أصفاد القهر و الظلم و التعسف ..
https://telegram.me/buratha