( بقلم : فالح غزوان الحمد )
لعلنا نستطيع التأكيد على أن القضية التي تكاد تكون محور إجماع كل الديانات السماوية و الوضعية و جميع الفلسفات الأخلاقية و الإصلاحية و العقائد و الأفكار التي نادى بها البعض كعقيدة تحمل عددا من التشريعات و التكاليف حتى تلك التي ينظر إليها أنها أكثر تطرفا و تشددا و ما لهج به العقلاء و ما رددته البشرية عبر تاريخها الطويل يكمن في الموقف من الطفولة ، ذلك أنه ليس بوسع أحد ما أن يعتقد بعقيدة أو يؤمن بفكرة و أطروحة لا تقف من الطفولة موقفا إيجابيا و تدفع باتجاه احترامها على الأقل لأن في خلاف ذلك شذوذا عن الفطرة السوية و كرها للنوع البشري ولأن الطفولة تمثل مرحلته البريئة و الصادقة و هي صفحته البيضاء التي لا تشوبها شائبة . ليس الموقف من الطفولة هذا تصدقا عليها و لا هو ضرب من الكماليات الأخلاقية كما أنه موقف ليس مجرد قربة من الله أو " الآلهة " و استرضاء لها .. بل هو موقف طبيعي يجب أن يكون و جزء مما يتوجب على البشر أن يتحملوه تجاه جنسهم على الأرض . و لأن الموقف الطبيعي لا يسأل عن سببه فإن اتخاذ الموقف غير السوي هو الذي يسأل عن علته فلماذا لا تُحب و تُعشق الطفولة ..
إن المنطق الحق يقول إن من يُكره هو من يعرف الكره و يقف منك موقفا سلبيا و الطفل لا يعرف شيئا من هذا كله ولذا كان حمامة بيضاء وادعة لا يمكن أن يكرهها أحد و يقدم على لمسها إلا برفق ..عبر التاريخ البشري ورغم أنه مليء بمراحل من البدائية و الهمجية و الرعونة إلا أن نماذج هتك حرمة الطفولة كانت على الدوام تمثل الحالة الشاذة و المنحرفة و غير السوية و المقبولة . حتى في الجاهلية التي يقال أنها من أردأ فترات التاريخ العربي لم يكن وأد البنات معروفا إلا على نطاقٍ ضيق و محدود و لدى قبائل بعينها و لو كان غير ذلك لانقرض العرب أو لرأينا أن أغلب أمهاتهم قد استوردت من بلاد أخرى و هو أمر لم يحصل ، على أن تلك القبائل ذاتها التي استمرأ بعض أفرادها وأد بناتهم كانت أصوات المعارضة لمثل هذا الفعل عالية و عديدة .
و على أية حال فقد رأينا خلال السنوات الماضية من أعاد مشاهد الهمجية و البدائية و تقمص إنسان الكهوف الأولى و لم ينقصه شيء سوى أكل لحوم البشر بعد قتلهم و التمثيل بهم . و من بين المشاهد الرهيبة التي طغت هو التنكيل بالطفولة و قطف أزاهيرها البريئة و لم تتورع عصابات و مليشيات القتل من القاعدة و جيش المهدي عن فعل ما يندى له الجبين ففجروا أجساد الأطفال بالمفخخات و خطفوا ابتساماتهم و كركراتهم في ساحات اللعب و قصفوا المدارس و رياض الأطفال و وصلت بهم الخسة حد أن دسوا السم الزعاف في الحلوى ليوزعوا هدايا الموت على تلك الزنابق البريئة .. و لا يبدو أن شيئا منذ ذلك اشبع شهيتهم المفتوحة للقتل و إراقة الدم و لم يقفوا لحظة واحدة ليراجعوا أنفسهم و يتوبوا من أفعالهم بل أصروا و يصرون و سيبقون مصرين على شذوذهم و انحرافهم ، فها هي عصابات مقتدى الصدر تقترف جريمة أخرى من جرائمها و بدم بارد دون أن ينالها وخز من ضمير و لا تأنيب .
لقد أقدمت تلك العصابات على قتل حمامتين بيضاوين و أمعنت في تشويه جسديهما الرقيقين برصاص الغدر و الخسة و الدناءة التي لا تقف عند حد . و يبدو أن هذا الفعل حرّك أو ذكّر أو شجّع أفرادا آخرين من تلك العصابات لتكرر فعلتها اليوم في مدينة الصدر المنكوبة بسطوة هؤلاء ، فقد شنت مجموعة من الوحوش البشرية هجوما كاسحا و بطوليا فيما يبدو على منزل في مدينة الصدر الصابرة وفي القطاع 77 تحديدا لتفتك بصبي يناهز عمره عشرة أعوام بعد أن لم تجد والده المطلوب لعدالة العصابات الخارجة عن القانون الآدمي .
إن هذه الأعمال البريرية هي غيض من فيض الصدريين وهم يقامون مقاومة شريفة ضد المحتل ! ليس جديدا قتل الأطفال الأبرياء ، فقد سبق أن قتلوا الصبية في شوارع الناصرية كالطفلة سمر كريم و في البصرة الطفلة أمل و أمها و في كربلاء ثلاثة أطفال من أسرة واحدة بحجة أن والدهم كان بعثيا و في حي المشتل ذهبت روح الفتى إبراهيم حسن تشكو إلى بارئها ظلم من يدعي أنهم يمهدون لظهور المهدي الذي و يا للطرافة يؤكدون أنه سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا ..
https://telegram.me/buratha