( بقلم : كمال ناجي )
لم أكن شعرت من قبل بمثل هذا الشعور الذي انتابني و أنا أتأمل صور طفلين بريئين قتلتهما أيادي الشر و شوهت منهما جسدين غضّين لا لذنب و لا لحوب .. لم أكن اشعر مثل هذا الشعور بالتقزز و الاشمئزاز رغم أننا أمضينا خمس سنوات مليئة بكل ما هو حارق و خارق من مخازي و أفعال إجرامية تُقتَرف بحق الإنسان العراقي على أيادي الممسوسين و أصحاب النفوس المريضة ، ربما يعود جزء كبير من ذلك إلى أنني كنت أغضي عن كل مشهد مؤلم و أتجنب رؤية تلك الصور و المقاطع الفيديوية التي تظهر كيفية قطع الأعناق و التمثيل بالجثث و تقطيعها و حرقها و ما إلى ذلك من موبقات و مخازٍ . لكن الصورتين للطفلين محمد وحسن كانتا قد أغلقت عليّ باب الهرب منهما و شدتا عينيّ بقوة إليهما كي أنغمس في رحلة تأمل موحشة و أنا أنقل الطرف بين جسديهما المسجيين و أغوص في تلك الفجوات المدماة التي تركتها رصاصات الحقد الأهوج . و ما أن انتهيت من ذلك حتى ذهبت إلى قلمي و ورقتي لأكتب قصيدة عساها و لعلها تخفف شيئا مما أسودّ في داخلي ، و وجدت نفسي اسطر على الورق هكذا
فلتنامي .. على آخر الشوق و المبتدى حالمة بالقصاص .. يا أعينا مزقتها وحوش نابها لم يزل أزرقا .. همها أن تسفك النور في ظلمة .. كي يعزّ بها " مقتدى "كي يراها الولي المقدس في رمسه ليسجد لله في لحظة .. من هدى ... الخ
كان قد تحرّك في ذهني ثمة ظن ظننته فلعل الإطلاع على هذه الجريمة ستدفع ممن بقيت له علاقة بالإنسانية و ما يمتّ إلى كونه بشرا لكي يراجع نفسه و يتراجع عن عناده و تصلبه و يلقي السلاح جانبا و يأمر أتباعه بإلقائه حتى لا يحشر مع أبالستهم إن لم يكن قد " تبلّس " و لا ترجى له بشرية بعد ذلك .. و لكن لحظات حتى تخليت عن التفكير بمثل هذا الوهم . فالجرائم و المجازر التي ارتكبتها عصابات ما يسمى بجيش المهدي ليست بالشيء الجديد و رغم وضوحها وضوح الشمس فإن كل مسئول صدري و كل ذي ميول مقتداوي لم يبرح تبريره و تضليله و تزييفه للواقع و يعكس جاهدا الصورة مائة و ثمانين درجة دون خوف و لا حياء من الله و لا من الناس و لا من نفسه حتى . الهم الأول و الأخير أن يذعنوا لخيالاتهم و يعملوا على تقوية نفوذهم و تلبية مصالحهم السياسية بطريقة مخادعة يخدعون فيها السذج و الغافلين و بعضا منهم يمارس الخدعة ضد نفسه ليبرر له و لأتباعه أن يجترحوا مثل هذه الفظائع الشنيعة التي لا تقترفها حتى الحيوانات المفترسة أحيانا .
لقد أمعن شذاذ الآفاق بأعمالهم الدنيئة و ما زال مقتدى الصدر يصفق لها و يشكرهم عليها و يعبر عن رضاه عنها و لم يأت في بياناته العلنية التي تحبس أنفاس البعض انتظارا لها لتوقع الشر القادم على ذكر لها و ذم لمقترفيها .. و هو إن أعلن عن شيء من ذلك فإنما تأويلا و تلميحا و بعبارات فضفاضة و عامة لا تشخص و لا تحلل و لا تفرز الأشياء بموضوعية و واقعية . و بعد كل هذا يريد البعض أن يرسم لنا عن قائده صورة المقاوم الشريف و المناضل الأسطورة و القائد المحبوب .. ألا تبا للسفاهة و الانحطاط و التوحش و البربرية .
https://telegram.me/buratha