( بقلم : عواد عباس الموسوي )
كنت حتى وقت قريب لا أجد نفسي اصدق كفاية ما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة و مواقع الانترنت عن بعض جرائم و تصرفات قطعان العصابات الخارجة عن القانون من جيش مقتدى الصدر ، بالطبع أعرف يقينا و عن كثب الكثير من جرائم هؤلاء الأوباش و أشباه البشر لكن ثمة جرائم تستوقف الإنسان لكونه إنسانا لا يكاد يصدق أن أنواعا من الأعمال التي يندى لها الجبين و تقشعر منها الأجساد يمكن أن تصدر من أناس هم بشر مثلهم مثلك فضلا عما إذا كانوا من أبناء بلدك و المحسوبين على جلدتك .. هو شك أو لا تصديق طبيعي يأتي بشكل يكاد يكون تلقائيا أو عفويا تجاه أية جريمة نكراء تصدر من مجرم في أي بقعة من بقاع الأرض .. فكم تساءلنا عندما نقرأ أو نسمع بفعل مشين و حادثة بشعة هل حقا هناك أناس يقومون بمثل هذا يا ترى في عالمنا اليوم ؟ هذا مع أننا نعلم أن الإنسان هو هو منذ كان و سيبقى إلى نهاية رحلته في كوكب الأرض و التساؤل لا يعني أكثر من رغبة في إنكار الفعل و التبرؤ منه و نزوع طبيعي للدفاع عن شرف الذات لو أردنا مسايرة التفسيرات النفسية ، إنه أمر يشبه إلقاء المرء نفسه في الماء لإنقاذ غريق لا يعرفه مدفوعا برغبة الحفاظ على النوع البشري و هذا المرء جزء منه ..
على أية حالة فإن جرائم و مخازي جيش مقتدى الصدر لا يمكن حصرها و باتت مكسوفة للقاصي و الداني و الناس تتحدث بها أينما كانوا و لكن في بعض المناطق المختطفة من أهلها نرى تكتما و خوفا يسيطر على أهلها يمنعهم من التعبير عن الحقيقة بصراحة .. إنه أشبه بالبارحة الفلوجية حيث كان الناس يئنون تحت ظلم و تفرعن القاعدة و يفقدون أمنهم و استقرارهم و أرواح أقربائهم و ممتلكاتهم بفعل أعمالها المخزية و لكن حين تلتقي وسائل الإعلام بهؤلاء المنكوبين تراهم لا ينبسون بغير المديح للمجاهدين من القاعدة و البعثيين و الذين هم من تسبب مباشرة بمآسي هؤلاء الناس و لا ينطقون إلا بكيل اللوم للحكومة و لعن القوات الأمريكية و وجوههم وملامحهم تقول غير ذلك كما هي حقيقة ما يريدون قوله و التصريح به لهذا نجد أبناء الفلوجة و الرمادي و هيت و القائم و الكرمة و راوه و غيرها بعد أن عادت لها سلطة القانون و تخلصت من تسلط القاعدة قد هبوا ليعبروا عن حقيقة مشاعرهم و ما يودون قوله ، فانقلب من كان يوصف بالمجاهدين زورا إلى الإرهابيين كما هو الواقع و صارت الحكومة التي توصف بالعميلة لا تذكر إلا بتقدير و احترام .. الأمر ذاته يحدث الآن ليعيد التاريخ نفسه كما أدمن ذلك منذ قرون على أرض السواد . يخطئ الكثير من الأخوة حين يحملون أو يلومون و يعتبون على الناس البسطاء ففي ذلك الكثير من الظلم لهم إذ أنهم مواطنون سُلِبت إرادتهم و صاروا مخيرين بين القتل و حرق البيوت و بين التغني بالمقاومة و التسبيح بحمد العصابات و ذم الحكومة و لعن الأمريكان . قال لي أحد المعارف في مدينة الصدر حين قمت بتعنيفه على سكوتهم و صمتهم و عدم خروجهم على جيش المكتب إنك تظلمنا ..
ما الذي بوسعنا أن نفعله تجاه أناس لا ذمة لهم و لا دين و لا أخلاق .. إنك ما أن تتحدث بكلمة واحدة يشم منها عن بعد رائحة عدم ولائك للمولى المقدس و القائد الأسطورة و مشايخ العصابات حتى تكون جنيت على فلذات كبدك أو نصفي قلبك أو أخوانك و حتى أقربائك الأدنين .. إننا يا أخي بين وحوش لا ترحم و ليس في قلبها ذرة من الإنسانية .. و استمر ذلك الصديق الذي تحولت الكلمات على لسانه إلى دموع تتساقط من عينيه بتبرير سكوت الناس لأنهم لا يملكون شيئا ليفعلوه و قال : إن القوات الأمريكية و الحكومية بكل عددها و عديدها تخوض معارك شرسة مع هؤلاء .. انظر إلى شراستها و عنفها و من ثم فكر كيف للمدنيين الأبرياء أن يقاوموا جيش المكتب .. ؟ إنهم عصابات تتلقى دعما و أسلحة متطورة و تدريبا على القتال من الخارج ، فهل أخرج بوجههم أنا و أخي و كلانا لا نعرف حتى كيف نستخدم البندقية بشكل صحيح ..؟ أقسم لك أننا أناس مسالمون و اغلب أهالي مدينة الصدر على شاكلتنا .. و لكن ..
لم يكد ينتهي كلامي مع صديقي حتى أخبرني بأن ثلاث عوائل من الذين كانوا يسكنون في نفس الزقاق قد اتصلوا به قبل قليل ليبلغوه عن وصولهم بسلام إلى مدينة الكوت و قد كانت هذه العوائل قد تم تهجيرها من قبل مكتب الصدر في قطاع 47 من المدنية و العائلة الأولى فقدت أحد أبنائها الذي تم قتله في مكتب الصدر لكونه متهم بالتجسس لحساب الحكومة ! و أما العائلة الثانية و الثالثة فلا لشيء سوى انه معروف عنهم تقليدهم لمرجعية السيد السستاني منذ التسعينات و ثبتوا على تقليدهم له و قد كان بعض أبنائهم يدخلون في مشادات كلامية مع أتباع مقتدى الصدر أيام زمان و ليس الآن و يبدو أن تلك العصابات قد وجدت الوقت المناسب للثأر منهم و من عوائلهم فقاموا برشق بيوتهم بالرصاص ثم أوصل إليهم رسالة تقول : إن من لا يقلد السيد الصدر لا يبقى في مدينته .. !! لا أدري ما يقوله أولئك المنهمكون بتزييف الحقائق و الاصطفاف مع عصابات مقتدى ! و ما الذي تركه جيش المهدي من أفعال للقاعدة لم يقم بها بل و أخسّ منها فالتهجير للشيعة يأتي الآن على يد هؤلاء التوافه وأشباه الرجال الذين يستأسدون على الأبرياء و الضعفاء و العزّل و يقيمونهم دروعا بشرية لحمايتهم من ضربات القوات العراقية و الأمريكية ..
بالطبع سيدافع بعضهم و يبقى يدافع عنهم لأن مصالحه مرهونة بولائه لهم كما كانت من قبل ثلة تدعم القاعدة و تبرر كل مساوئها و أعمالها المشينة من قتل و تهجير و تخريب و تدمير و حرب بالوكالة و تمزيق للبلد و إعاقة لتقديم الخدمات للناس و قطع أرزاقها و هتك حرماتها .. لأن مصالحها تقتضي ذلك و لا يمهما شيء أكثر من مصالحها .
https://telegram.me/buratha