( بقلم : عواد عباس الموسوي )
يذكر غليوتش فاليزي وهو أحد الجنرالات الذي شاركوا في تحرير برلين من نير الدكتاتورية الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية أن أحد الجنود في كتيبة من كتائبه التي أوكلت إليها مهمة محددة كان قد تبجح أمامه بكونه أسهم في قتل جنديين نازيين أثناء تعرض عسكري ألماني في إحدى جبهات القتال و في معركة حقق الألمان خلالها نصرا تكتيكيا . يقول فاليزي إن هذا الجندي بتبجحه الفارغ بقتل جنديين من حوالي ألفي عسكري ألماني شنوا ذلك الهجوم لا يعني أكثر من خديعة لرفاقه بأننا حققنا شيئا مهما و أنزلنا خسارة ما بالألمان .. لهذا عاقبته عقوبة مناسبة كانت فيما أرى سببا لانتصارات و استبسال الجنود في المعارك التالية . .. إنني أرى ببساطة و القول للجنرال فاليزي أن وصولنا إلى برلين ثمرة تلك العقوبة و كان من الممكن أن يكون الأمر على العكس تماما مما جرى .
هذه الرؤية ليست أكثر من اعتراف بالواقع و موضوعية في تقييم الأحداث ، فالانتصار و تحقيق الانجاز العسكري لا يقيم بإلحاق ضرر بالعدو فالحرب لا تعني سوى أن تأكل النار الآلات و الجنود كما كان يردد هتلر ، بل إن المنطق يقول إن انتصارك لا يعني سوى إلحاق الهزيمة بعدوك و حين يهزم العدو يكون النصر قد تحقق لك . جاءت الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام معلنة إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار ادعى الصدريون أنهم أسقطوها لتذكرنا بالطائرات التي كانت تسقطها القاعدة قبل هزيمتها المنكرة . و قال مصدر رفض الكشف عن اسمه و هويته كما هي العادة لإحدى وكالات الأنباء " مستمرين في محاربة قوات الاحتلال وتكبيدهم الخسائر مضيفا أننا ملتزمون بنداء سماحة السيد مقتدى الصدر بشن حربا مفتوحة ضد الاحتلال وأعوانه حتى النصر " . إن هذا التبجح و ادعاء الانتصارات المذهلة ليس أمرا غريبا و لا جديدا فقد كانت القاعدة و طيلة أربع سنوات تصدر بيانات يومية تعلن فيها عن إسقاط طائرة هنا و قنص جندي أمريكي هناك و تدمير همر و إلى غير ذلك ، و لكن لم تلبث القاعدة رغم أنها كانت تيارا واسعا و هذه الحقيقة يقرها الجميع ممن هو مطلع على الوضع العراقي و في المناطق التي كانت تنشط فيها حيث استغلت شعار المقاومة و إخراج الأمريكان و الدفاع عن الإسلام الذي بات مستقبله مرهونا بانتصارات وهمية للقاعدة و أميرها الذي قبره الله ولا يخفى ما كان لهذه الشعارات الزائفة من دور في دعم و مساعدة لها و إيواء للعناصر الوافدة من الخارج بل و قام بعض الساسة بتوفير غطاء من مواقعهم لها . و الحقيقة إن القاعدة نفسها لم تكن السباقة في تبني الانتصارات الوهمية بل كانت في ذلك خاضعة لنحو من ثقافة الانتصار طبقا للمفاهيم الصدامية . فصدام الملعون كان منذ عام 1980 و حتى حواسمه الأخيرة في 2003 يردد أنه انتصر على العدو الفارسي المجوسي أو الأمريكي الصهيوني و على المخربين و العملاء و غير ذلك .
هذا مع أن الواقع كان يجري عكس كل تلك الإعلانات الفارغة و الأوهام الزائغة و أن ما حدث هو هزائم صارخة و فاضحة و مخزية كللته بالعار و الشنار إلى أبد الآبدين . و ها هي ذي مليشيات مقتدى تعيد الأمس القاعدي و أشد ملامحه التي يزدريها العاقل و يمقتها العراقيون الذين شبعوا من الزيف و التضليل والتهريج الفارغ . على أن تراقص الصدريين السذّج لهذه الفقاعات الإعلامية إنما تدلّ على مقدار الهزيمة و الخواء و فقدان السطوة التي كانت لهم وهو القاسم المشترك بينها و بين انتصارات قائد الضرورة المقبور و القاعدة المنبوذة و هو أيضا السبب في إخراج هذه الفقاعة لرفع معنويات جيش المهدي المنهارة و رسم صورة غير واقعية تحاول زرع اليأس و الخوف في نفوس المواطنين .
نعم أسقطت المليشيات طائرة مسيرة بلا طيار لكن ذلك ليس نصرا و لا يعني شيئا بالمرة إلا لدى بعض المهووسين و المغفلين ، إنه كنصر صدام حسين في مواجهة الأمريكان طيلة التسعينات و التي انتهت بالهزيمة المدوية . و تذكرني عملية إسقاط هذه الطائرة بما حدث علم 1999 م حيث تمكن صدام و بمحض الصدفة من إسقاط طائرة استطلاع مماثلة في محافظة المثنى و أقام حينها الدنيا و أقعدها و بشّر أتباعه بان النصر قريب جدا في ذات الوقت الذي كانت طائرات التحالف تدكّ دفاعاته الجوية و تحيلها إلى أثر بعد عين و تلاحق فلول حرسه الجمهوري المهزوم ما أن تحاول الدخول إلى المناطق المحظورة .
https://telegram.me/buratha