المقالات

ريّان..لم يأكله الذئب..!

1043 2022-02-09

 

حمزة مصطفى ||

 

لم يعرف ريّان ذو الخمس سنوات أن الأطفال يموتون. ريان لم يعرف بعد معنى الموت أو الخوف . لايعرف قصة يوسف ولا الذئب ولا البئر . لا أحد يتخيل ماذا كان في مخيلة ريان حين إنزلق في البئر على بعد البئر 32 مترا. الشئ الوحيد الذي عرفه ريان لحظة إرتطامه بأرضية البئر هو الألم لكن بلا تفسير. أرسطو لم يفسر معنى الألم. هوى العالم مع ريان في البئر. حبس أنفاسه لمدة خمسة أيام بلياليها. إنشغلت كبريات الفضائيات به. صار حدثا أول لا مجرد خبر أول. وبينما بدأت طلائع أولى الحفارات والمعدات العملاقة تصل حافة البئر كان الصوت الوحيد المسموع لريان قبل أن يغفو على وسادة من طين هو "طلعوني , طلعوني". إختفى الصوت وبدأت  الحفارات  وعشرات المهندسين والعاملين ومئات المواطنين المتدينين وغير المتدينين يتلون على مدى الأيام الخمسة أدعية وصلوات من أجل إخراج ريان حيا ليعود الى والديه كي تقر به عينا  أمه ويفرح قلب الأب المكلوم.   

لماذا إنشغل العالم بريان؟ اليس هذا العالم نفسه الذي طالما أدت المصالح والصراعات والأفكاروالأيدولوجيات والعولمة ونهاية التاريخ والحرب الباردة والقطبية الثنائية والشرق والغرب الى موت ملايين الأطفال في كل أنحاء الدنيا؟ الم يفتك الموت حتى الآن بأطفال أفريقيا من الجوع والمرض؟ ماذا فعلت الدول والفضائيات لكل هؤلاء؟ هل أرسلت الحفارات والمعدات والأجهزة الطبية والمواد الغذائية ولوعن طريق الأنابيب لإنقاذهم؟ الم يقذف البحر قبل سنوات "الآن" الطفل السوري المهاجر الى لا مكان؟ إقتحمت هو الآخر صورته العالم فلم يصحو  سوى ضمير العمة إنجيلا ميركل. راح "الآن" قربانا لملايين المهاجرين بعد أن تمت فديتهم  بـ "طفل عظيم". 

السؤال الذي لم يجب ولن يجيب عليه أحد. لا الفضائيات التي تراجعت عندها في سلم الأولويات المهنية قضايا كثيرة لم تعد هي الخبر الأول. لا قضية أوكرانيا. ولا القمة الروسية ـ الصينية. ولا مباحثات  فينا, ولا تحولات كورونا عبر آخر متحوراتها أوميكرون ولا الدول والمنظمات. ريان لم يعد هو الخبر الأول فقط لكي يأتي بعده بوتين وجينينيغ وماكرون وبايدن  خبرا  ثانيا أو ثالثا. ريان سيطر على كل ساعات البث التلفزيوني ليل نهار. تسمر العالم أمام منظر واحد لم تستهدفه الخريطة يوما هو شمال المغرب حيث يقع بيت الطفل والبئر الذي سقط فيه وأسقط ضمائرنا وأخلاقياتنا معه. أصبح هذا  المكان هو الخريطة. ولأن الاسئلة كثيرة فإن أقربها الى الطرح وإعادة الطرح هو السؤال الإشكالي التالي الذي لم يجب عليه لا  سقراط ولا أبقراط ولا فيثاغورس ولا الكندي ولا الغزالي ولا إبن رشد ولا صانع الخرائط العظيم إبن خلدون ولا الملا صدرا ..لماذا يتجاهل العالم موت الإنسان مكتفيا بإحالته الى القدر بينما يقف حائرا عاجزا عن الإجابة حيال موت إنسان واحد حتى لو كان طفل عمره سنتان "الآن السوري" أو خمس سنوات "ريان المغربي" أو سبعة أيام "طفل جبلة"؟ لا إجابة. لماذا؟ هل لأن "الآلهة التي خلقت البشر قدرت عليهم الموت وأستأثرت هي بالحياة" كماتقول ملحمة كلكامش, أو "رب لحد قد صار لحدا مرارا.. ضاحك من تزاحم الأضداد" كما يقول المعري؟ لست أدري, والعبارة الأخيرة لأيليا أبوماضي .. وهي الأدق. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك