المقالات

الواحة الزمنية للسلام


 

الشيخ محمد الربيعي ||

 

نبارك الى الامة الاسلامية ولادة الامام محمد الباقر عليه السلام .

محل الشاهد : 

 شهر رجب الحرام ،  هذا الشَّهر الّذي جعله الله أحد الأشهر الأربعة الحرم: [ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَ الأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ]

و إذا أردنا أن نعبّر عن الأشهر الحرم، فإنَّها تمثِّل الواحة الزمنيَّة للسَّلام ، فقد أراد الله أن تكون هناك واحة سلامٍ في المكان ، و هي الحرم الَّذي يشمل مكَّة و منى و المشعر الحرام و ما يقرب منهما ، فهذه المنطقة أراد الله للنّاس أن يعيشوا فيها السَّلام من حيث المبدأ ، فليس لإنسانٍ أن يقاتل إنساناً في داخلها ، حتى لو كان له ثأر عليه ، بل إنَّ الإنسان لا يقتل الصَّيد هناك ، فالصَّيد فيها حرام ، و المطلوب هو أن يعيش الإنسان في سلامٍ مع نفسه و مع ربّه و مع الإنسان الآخر و مع الحياة ، و ربما مع البيئة ، ليتنفّس الناس في هذا المكان روح السّلام ، ليراجعوا حساباتهم فيما يتحركون به في الأمكنة الأخرى ، فلعلَّهم يستطيعون أن يأخذوا من روحيَّة السَّلام في البلد الحرام روحيَّة السَّلام في بلدٍ آخر..

و هكذا أراد الله سبحانه و تعالى أن تكون هناك واحة سلام في الزّمن ، فلا تكون لك الحريَّة في حركة الزّمن ، بأن تنفتح على عداواتك و خصوماتك مع الآخرين ، لأنَّ الله الَّذي هو السَّلام ، يريد للحياة أن تعيش السَّلام في خطّه و في لطفه ، و لذلك أراد للنّاس أن يأخذوا هدنة طبيعيَّة شرعيَّة في كلِّ حروبهم ومنازعاتهم و مشاكلهم وثاراتهم ، حتى يملك الإنسان نفسه ، ليهدِّئ كلَّ هذه الضّراوة الدّاخليّة الّتي تدفعه إلى أن يقتل أو يقاتل ، ثأراً كان أو غير ثأر ، حتى فيما لك فيه حقّ طبيعيّ ، لكنَّ الله استثنى حالة العدوان ، فلك الحقّ إذا اعتدي عليك في البلد الحرام أو في الشَّهر الحرام ، أن تدافع عن نفسك ، لأنّه لا خيار لك إذا هاجمك الآخرون و اخترقوا حرمة الشَّهر أو حرمة البلد ، إلا أن تدافع عن نفسك وعن قضيَّتك وعن طريقك بمقدار الضَّرورة .

لذلك ـ أيّها الأحبّة ـ نحن نريد أن نعيش روحيَّة السَّلام في شهر السَّلام الَّذي هو الشَّهر الحرام ، أن نعيشها في حياتنا الاجتماعيَّة و في حياتنا السّياسيّة ، فإذا كان الله قد أراد لنا في الدائرة الإسلاميَّة أن لا نقاتل بعضنا بعضاً على مستوى حركة السَّلام ، فإنَّ الله لا يريد لنا في هذا الشَّهر الحرام أن نعيش التّعقيدات النَّفسيَّة العدوانيَّة التي تهيّئ العقل و القلب و الحركة للدخول في حربٍ قد لا يأتي و قتها في الشّهر نفسه ، و لكنّه يمكن أن يأتي في شهرٍ آخر .

إنَّ قضيَّة أن نعيش السَّلام في داخل الواقع الإسلاميّ ، هي أن نهيِّئ للنَّاس أن يعيشوا هذه الرّوحيَّة لتتحوَّل إلى سلامٍ في الواقع ، لأنَّ الخطَّة الإسلاميَّة هي أن يعيش النَّاس في سلامٍ من خلال فكر السَّلام الَّذي ينطلق على أساس الحكم الشَّرعيّ ، فالله سبحانه و تعالى قد حرَّم القتال من خلال ما تحدَّثنا عنه لمصلحة السَّلام ، و هذا ما نحتاج أن نعيشه في أنفسنا، لتنطلق في هذا الشّهر الذي يتميّز عن الأشهر الحرم الأخرى ، بأنّه يختزن في داخله الكثير من أجواء العبادة ، و من روحيَّة العمل الذي تتقرَّب به إلى الله صلاةً و صياماً و ابتهالاً و دعاءً و تسبيحاً وما إلى ذلك ، مما يقوّي في روحك علاقتك بالله ، فكلَّما قويت علاقة الإنسان بالله أكثر ، تحسّس مسؤوليَّته عن عباد الله أكثر ، و كلَّما انفتح عقله على الحقِّ أكثر ، و قلبه على الخير أكثر ، و حركته على العدل أكثر ، كان أقرب إلى الله تعالى .

لهذا ، لا بدَّ لنا من أن ندخل هذا الشَّهر دخول المسلم الواعي المنفتح الّذي يحرّم فيه الإنسان على عقله أن يكون عقل حرب ، و على قلبه أن تكون نبضاته نبضات حقد ، و على لسانه أن تكون كلماته كلمات عدوان ، و على حياته أن تكون حياة حرب و قتال و ما إلى ذلك .

لا تدخلوا في رجب دخول النّاس الَّذين لا يتحسَّسون الزّمن فيما يمتلئ فيه من القيم التي يريد الله له أن يتمثَّلها ، بل ادخلوا فيه دخول وعيٍ تتمثَّلون فيه السَّلام روحاً و فكراً و حركةً في كلّ أوضاعكم وعلاقاتكم في الحياة .

و تبقى هناك حرب واحدة هي حربنا مع الاستكبار العالمي ، ونحن عندما نواجه الاستكبار العالميّ  ، فإنّنا ندافع عن شرف أمّتنا و سياستنا و أمننا و اقتصادنا و كلّ قيمنا الّتي يريد الاستكبار أن يسقطها ، و هذا هو ما نستوحيه من هذه المناسبة.

اللهم احفظ الاسلام و اهله

اللهم احفظ العراق و شعبه

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك