المقالات

القاعدة - التيار الصدري .. و التآمر على مستقبل العراق

1326 15:39:00 2008-04-29

( بقلم : كمال ناجي )

منذ التغيير النيساني في 2003 و حتى يومنا هذا تنزف العديد من الأقلام لكتاب و باحثين و محللين عراقيين و غير عراقيين الكثير من الآراء و السيناريوهات و القراءات السياسية للراهن و المستقبل ، و الكثير من هذا الكثير السائد وليد عقلية المؤامرة و سطوتها على العقل الشرقي عموما .

بالطبع ليس بمقدورنا إنكار " المؤامرة " فالعالم منذ أن تحول إلى كيانات قومية وسياسية خاضعة لشكل ثابت من التنظيم في علاقاتها و أساليب التعامل فيما بينها أصبحت قضية الاجتهاد في ضمان المصلحة مستندة إلى اتفاقات و تعاون بين طرفين أو أكثر لتزاحم نتيجة ذلك الاتفاق و التعاون مصالح أطراف أخرى و ضرورة فإن مثل هذا الأمر يجري في الخفاء أكثر منه في العلن .. هذا الاتفاق على المصلحة في الكواليس هو الذي نسميه مؤامرة لهذا فهي شرقيا أكثر عمومية منها في الغرب و ليس كما يحاول البعض توجيهه أو فهمه من كلمة " عقلية المؤامرة " أننا متفردون بها دون غيرنا من شعوب الأرض . فمن يقرأ و يسمع ما يردده الساسة في الغرب سواء على المستوى الداخلي خلال الانتخابات و الصراع السياسي أو على مستوى الخارج و العلاقات مع الدول الأخرى فإنه سيجد الكثير من العبارات و الجمل و الألفاظ التي تنتهي إلى مضمون " المؤامرة " فرقها الوحيد أنها تنم عن صياغات مهذبة وفي قوالب لفظية أكثر اعتدالا . يمكن أن نحدد للمؤامرة أو فعل " التآمر " حدا واقعيا و موضوعيا كونه يعني العمل من قبل أفراد أو جهات مع أطراف داخلية أو خارجية أو كليهما معا على عكس المصلحة الوطنية و بما لا يصب في صالح الشعب .

و طيلة التاريخ كان قد ظهر ما لا يعد و يحصى من المتآمرين على شعوبهم و أوطانهم بعضهم افتضح أمره و بعض آخر ستره التاريخ و تغاضت عنه الأقلام و إن عسر أن يخفى تآمره على من عاصروه و شهدوا على جريمته . و لا شك فإن المتآمر الناجح هو ذلك الذي استطاع و يستطيع أن يقنع فئة أو طبقة من الناس بكونه الوطني الوحيد المخلص لوطنيته و سمة مثل هؤلاء أن خطابهم يركز على هذه " الوطنية " باعتبارها الثوب الذي ليس بعده سوى العري المشين . و ما يدل العاقل على المتآمر هو أن مصلحته تلتقي مع مصالح الآخرين خلافا لمصالح وطنه و أمته ، و تقع عقولنا على تقدير و فهم مصالحه من فعله و حركته و طريقة سلوكه و مواقفه المختلفة و الأدوات التي يتوسل بها لتحقيق أهدافه ما ظهر منها و ما بطن .

بعد سقوط النظام البائد دخلت القاعدة إلى العراق وهي تحمل أجندة مستوردة خاصة بها و كان الهدف المعلن هو المقاومة فيما لا تعد المقاومة سوى شعار مضلل لحقيقة النوايا التكفيرية . و بالفعل فقد تم للقاعدة بعض مما أرادته و كادت تفلح في إشعال البلد بحرب طائفية كان مقدرا لها أن تستمر إلى سنين قادمة تأكل الأخضر و اليابس و من خلالها يحقق الآخرون وهم أكثر من آخر هنا غاياتهم و أهدافهم السياسية و الطائفية و الاقتصادية . و تشكل بعد سقوط صدام المقبور أيضا مليشيات متعددة و كان ابرزها ما أطلق عليه مؤسسه اسم جيش المهدي الذي بدأ بداية مخادعة تنم بما هو مخيف حين تم الادعاء بأنه جيش غير مسلح هدفه المساعدة على تقديم الخدمات و تنظيم المراسيم الدينية و الزيارات في المدن المقدسة ، ثم ما لبث أن جهز بأحدث الأسلحة و تكونت آمريات و سرايا و كتائب متنوعة خاصة و غيرها و ذهبية و سواها ..

لقد أظهر سير الأحداث و تجليات الواقع خلال السنوات الخمس الماضية قواسم مشتركة بين تنظيم القاعدة و جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر . يمكن أن نحدد فيما يأتي ما جمع الطرفين و ما توحّد لهما من أهداف و غايات في النقاط التالية :

أولا : كلا الطرفين رفع شعار المقاومة و احتجا بها وفقا لعنوانها الشرعي " الجهاد " و كانت النتيجة لتلك المقاومة هي قتل عشرات الآلاف من العراقيين و تخريب مدن بأكملها دون مسوّغ أو مبرر . فالمقاومة أو الجهاد ليست مفهوما جامدا لا يتحرك على مساحة الزمان و المكان ، هي بالأخرى وسيلة لتحقيق غاية بعينها و متى ثبت أن هناك وسائل أخرى يرجحها العقلاء و تأتي بذات المردود دون الحاجة إلى توسل العنف و إراقة الدم كان اللازم أن يكون الجهاد عبر تلك الوسيلة الأخرى عقلا و كل ما يقره العقل يقره الشرع . سيجيبك الصدريون هنا و من وافقهم الهوى إن الوسائل الأخرى لم تجد نفعا .. و لنترك النقطة الآتية تجيب عن ذلك .

ثانيا : أسهم الطرفان في تأخير انسحاب القوات التي يطلقون عليها القوات المحتلة و جعلاها مجبرة على تمديد بقائها ، فمن جهة القاعدة كان هذا الأمر واضحا للغاية و لهذا جاء ردها في بعض المناسبات بأنها تريد إبقاء الأمريكان بالفعل كي تقتص منهم و تجاهد في سبيل الله ضدهم . و على الجانب الآخر كان جيش المهدي سببا رئيسا في تأخير تسلم ملف الأمن في كثير من المدن بل أن القوات الأمريكية و غيرها اضطرت إلى العودة أحيانا حتى بعد تسليم الملف الأمني لإصرار مليشيات مقتدى على الانتشار بسلاحها في المدن و القرى و إرهاب الناس و تعويق سير الحياة المعتاد .

ثالثا : تقمص الطرفان أسلوب حكم الطاغية صدام حسين و أدار قادة و زعماء القاعدة و جيش المهدي دفة الأمور وفقا لذلك الأسلوب السلطوي و اختزال الشعب العراقي أجمعه بشخصية القائد الضرورة . فالزرقاوي أمير المؤمنين الذي لا يناقش بكلمة و لا يرد عليه بحرف و هو ملهم من الله ألقى نوره في قلبه فبات يعرف الطريق الصحيح و يهتدي إلى الفعل الصائب و إن كان بحاجة لمشورة فإنما في حدود بعض ما يدخل في اختصاصات معينة , وفي الطرف الآخر كان السيد القائد مقتدى هو بقية آل الصدر الناطقين و الحضور الروحي للولي المقدس .. هو القائد شبه المعصوم أو بعبارة صدرية أكثر دقة هو معصوم بالعصمة المتكسبة .. تماما كما كان صدام حسين الذي أتذكر و يتذكر غيري حتما بماذا خاطبه أبو الثلج الدوري بعد أن أقدم المقبور على خط المصحف الشريف بدمه النجس حيث قال له : إنك اجتهدت و المجتهد إن أصاب فله أجران و إن أخطأ فله اجر .. و نحن سيدي القائد نتبعك حتى و إن أخطأت في اجتهادك ونراه صحيح .. !!

رابعا : تشكلت القاعدة من شراذم أتت من خارج الحدود و شراذم أخرى من بقايا صدام و أجهزته القمعية و مجاميع من الشباب الفاشل في حياته الدراسية و الاجتماعية و ممن انطووا على عقد نفسية مركبة نتيجة لأوضاع سابقة . فيما لا يختلف تركيب جيش المهدي عن تركيب القاعدة فهو الآخر بدأ فكرة جاء بها مجموعة ممن كانوا في خارج العراق وفي سوريا تحديدا حاملين مشروع حزب الله العراقي على غرار ذلك اللبناني هذا مع الفارق الكبير بين الواقعين و تباين الظروف المحيطة بلبنان و العراق . و وجد البعثيون و فدائيو صدام و رجال أمنه و مخابراته فرصة سانحة في هذا الكائن الجديد الذي يحمل طابعا عسكريا يمكنهم من خلاله التواصل من الماضي الساديّ لهم و يمارسون عبره تسلطهم على الناس و التحكم بمصيرهم . لا يحتاج البعثي و الفدائي السابق لشيء كي يكون عضوا في مليشيات مقتدى سوى تعظيم و تقديس السيد الصدر و تسميته بالولي المقدس و حضور صلاة الجمعة و ترديد قال السيد القائد و أعلن السيد القائد ، تماما كما لم يكن ما يحتاجه البعثي في المناطق السنية أكثر من تقصير الثياب و إطلاق اللحية ليصبح مجاهدا في ثغور المسلمين .

خامسا : التقى الطرفان في استخدامهما لوسائل بشعة في إلحاق الأذى بالعراقيين لم يعتد عليها المجتمع وعلى خلفيات طائفية و سياسية و أسهم كلا من القاعدة و جيش المهدي في تشويه صورة المجتمع العراقي و بدى للعالم أن همجية هؤلاء هي انعكاس لحقيقة العراقيين . لقد قام كلا منهما بمجازر يندى لها الجبين و لئن كان حرص القاعدة على إظهار بشاعتها عجل في توحّد الآراء حولها فإن تكتم جيش المهدي على مجازره لم يكن ليقوى على حجب الحقيقة و إن تأخرت بعض الشيء .

سادسا : قام الطرفان بمحاولة تخريب النسيج الاجتماعي العراقي و قطعا شوطا بالفعل في هذا العمل الإجرامي الذي استهدف حاضر العراق و مستقبله . و إذا كان البعض يحتج بالخلافات السياسية فإننا لا ننكر إن لها دورا في ذلك غير أن ما تسبب به جيش المهدي و القاعدة لا يقاس به عمل السياسيين سوى من كان ينتمي أو يتعاطف مع احد الطرفين أو كليهما فهذا منهم و إليهم و ليس من السياسة و لا إليها . على أن الجهل السياسي لدى البعض هو الذي يدفعه أساسا إلى إلقاء تبعات الأمور جميعا على الساسة و يبتعد عن تسمية الأشياء بمسمياتها و تشخيص الأسباب الحقيقية للأزمات التي شهدها العراق طيلة الفترة الماضية بعد سقوط صدام .

سابعا : لقد تسبب جيش المهدي و القاعدة في إشباع نفوس المراهقين و الشباب الفاشل بنزعة العنف و ذلك بطابع جديد لعسكرة المجتمع بغية إبقاء العنف و استخدام القوة مظهرا دائما للعراق و التمرد على القانون و النظام و رفض أي نوع من السلطة التي تنظم حياة الناس و تقوم على توفير و تلبية حاجاتهم الأساسية ، وهي من أخطر المؤامرات التي صاغتها أطراف دولية و إقليمية ضد مستقبل العراقيين و قام الطرفان بتنفيذها بكل ما أوتيا من قوة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو عبدالله
2008-05-02
بارك الله بالاستاذ على هذه المقارنه الدقيقه والتي اثبتت بأن جيش ابن لادين وجيش أم مهدي هما وجهان لعمله واحده يستعملها الشيطان لشراء وبيع منتجاته على البهائم القادمين من بلاد العرب وعلى حثالة الشعب العراقي جيل الحواسم الذين يعتقدون انهم يحسنون صنعا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك