( بقلم : كمال ناجي )
عندما يؤمن الإنسان بعقيدته و يصدق ذلك الإيمان مع الله تترجم كل الأحوال و الظواهر الكونية من حوله عبر آلة الإيمان . و ينظر المرء هنا إلى ما وراء الظاهرة دون أن ينفصل عن معطيات الواقع و ظروفه ، بل أن هذا الواقع هو الذي يحل عن طريقه شفرة " الظاهرة " أو " الحالة " و مغزاها . و قد ذكر الله سبحانه في كتابه المبين أنه سيري الناس آياته في الآفاق و في أنفسهم ليتفكروا في أمره و يؤمنوا به . و ليس بالشيء الجديد أن يفسر الناس الظواهر الكونية تفسيرا يتصل بالجوانب الغيبية فهذا ما اعتاده الإنسان منذ نشأته على الأرض و حسب ما يراه علماء الأديان و الآثار و الأنتروبولوجيا فإن للظواهر الكونية و أشكال الطقس في الطبيعة أثرها في توليد قناعاته بالقوة المتعالية القادرة على التحكم بمصيره حتى جعل لكل طقس أو ظاهرة طبيعية رمزا هو آلهة يعبدها و يتقرب إليها . إلا أنه مع مجيء الأديان السماوية التوحيدية تغيرت النظرة و أصبحت تلك الظواهر الطبيعية رسائل تحذير و إنذار أو ربما رضا و وعد بتغير إيجابي من الله الواحد الأحد ، و تفسير ذلك يتعمد على الظروف السائدة و المشاكل المختلفة و طبيعة السلوك البشري في مكان و زمان معين . و رغم أن الدين الإسلامي الحنيف حاول أن يحدد من تأثر الإنسان بمثل هذه الأمور و ألا يعتمد عليها اعتمادا كليا في حياته بحيث تجمد طاقات السعي الإنساني و ترهن حركته بتفسيراته الخاصة لمتغيرات طبيعية من حوله لهذا نهي عن التطير و لكن في المقابل لم ينه الإسلام عن التفاؤل ولو اعتمادا على ذات الموضوع الذي يسبب التطير و التشاؤم و يدور في فضائه . غير أنه وردت في السنة و الروايات المستفيضة الكثير مما يعد علامات للغضب الإلهي أو الرضا و القبول انطلاقا من أن السلوك الفردي أو الجماعي له انعكاسات مباشرة على حياة الفرد و المجتمع ، فالتواد و التواصل و صلة الأرحام و حب الآخرين و حفظ الحرمات جالبة للرزق و سعته و يتمظهر ذلك بوفرة الأمطار و الكلأ على سبيل المثال أو بتوفر ظروف مناخية مناسبة لمزاولة العمل و قطف ثمار التحصيل . و في المقابل فإن كثرة الموبقات و الذنوب مدعاة للسخط و الغضب و لا بد أن يتمظهر ذلك أيضا عبر أسباب طبيعية كالزلازل و الفيضانات و الكوارث الطبيعية و ما شاكلها . و في كل هذه الأمور فتح الله سبحانه باب التوبة و التوسل إليه لدرأ مساوئها المتوقعة فشرّع بعضا من الأحكام كصلاة الآيات و غيرها .
في الآونة الأخيرة و بمواكبة التطورات الأمنية الحاصلة في عراقنا الحبيب بسبب طغمة من العصابات الفاجرة الخارجة عن القانون و النظام حدث بعض مما يمكن عدّه و اعتباره آيات إنذار و علامة لغضب إلهي على كل مسيء و منحرف عن جادة الصواب ، منها تعرض المناطق الجنوبية إلى هزات أرضية و إن كانت خفيفة إلا أنها أدت غرضها و شعر الناس بما تريد أن تقوله السماء و قد كتبنا موضوعا في حينها عن تلك الظاهرة يمكن الاطلاع عليه عبر الرابط : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=130443
و التي جاءت في ذروة المعارك التي تسبب فيها مليشيا جيش المهدي بإراقة الكثير من الدماء عبر ضرب المناطق الآهلة بالسكان بشكل عشوائي بالصواريخ و الهاونات التي لا يستخدمها في المدن سوى من انعدم ضميره نهائيا لكونها كما يعرف العسكريون لا تصلح للاستخدام داخل المدن فهي أسلحة تستخدم في مناطق مكشوفة و جبهات القتال المتقابلة . و خلال شهر واحد ضربت عواصف ترابية تكاد تكون غير مسبوقة في شدتها العاصمة بغداد و بعض من المدن في الوسط و الجنوب . و بدلا من أن يعتبر من ذلك المعتبرون نراهم قد زادوا في غيهم و وسوست لهم شياطينهم بما هو مناف للحق و الحقيقية و ما يستلهمه الإنسان المؤمن منها . لم يقرأ الصدريون أن هذه الظواهر دلالة على غضب الله على أعمالهم و أي عمل أعظم من أن يريقوا الدماء و يتسببوا بكل هذا الخراب لأجل مصالح سياسية و مكاسب حزبية و الاستماتة في الدفاع عن مساحة نفوذ غير شرعية بكل المقاييس والاعتبارات . بل رأوا في ذلك نصرة من الله لهم و تأييدا سماويا تم اصطفاؤهم به .. ! وفسروا ذلك أن العواصف الترابية ستحجب مدى الرؤية للطائرات و المراصد الأرضية للقوات المسلحة و تتيح لهم القدرة على المناورة في حرب الشوارع المفتوحة . فهبوا ليطلقوا وابلا تلو الآخر من الهاونات و الصواريخ لتتساقط على رؤوس الأبرياء وفي مدينة الصدر نفسها . إنه و لا شك إغراء من الشيطان لهؤلاء الأوباش كي يسفكوا المزيد و المزيد من الدم العراقي الطاهر دون خوف و لا وازع من ضمير أو إحساس بشري من أي نوع .
هكذا تنقلب في ذهن هؤلاء الجهلة الحقائق و تختلق التبريرات الزائفة لهتك حرمة الإنسان بأوقح الطرق و أخس الأساليب و أكثرها دناءة و جرأة على الله .. لقد تبجح بعض ممن رأيناه أن هذه العواصف هي استجابة لدعاء السيد القائد في بيانه الأخير فجاءه المدد الإلهي و النصرة الربانية بعاصفة ترابية تتيح لجيش مقتدى أن يسفكوا دما أكثر و يدخلوا الرعب و الهلع لليلة كاملة في نفوس النساء و الأطفال و العجائز ... و لمثل هذا فليعجب العقلاء ..
https://telegram.me/buratha