المقالات

صناعة الجيل المتمرد..!


 

عبد الكاظم حسن الجابري ||

 

تحوط المجتمعات عادة مجموعة من القيم والحدود الاخلاقية, والتي تحدد أُطر التعامل الانساني بين الافراد في مجتمع ما.

تختلف هذه الحدود والأُطر من مجتمع الى آخر, نتيجة لعوامل بيئية او عرقية او دينية أو اجتماعية.

تحظى الأُطر الدينية بالمقام الاول من هذه الحدود, حيث ترسم الشريعة السماوية –أي شريعة- الحدود اللازم على الافراد اتباعها, والتي يستحقون العقوبة إن هم اقدموا على فعلها, سواء كانت عقوبة دنيوية أم عقوبة أخروية, كما إن هذه الحدود تعد الرادع الاول لسلوكيات الافراد, والمانع الاكبر من انخراطهم في الموبقات والآثام.

تأتي في المقام الآخر الاطر الاجتماعية والتي تحدد حركة الفرد ضمن مجتمع ما, وتسمو ثقافة (العيب) في ظل هذا الاطار, فكل ما يستنكره المجتمع سيكون عيبا يجب اجتنابه, وينال مرتكب العيب عقوبة اجتماعية من خلال السخط الشعبي والقطيعة لمرتكبيه.

تتدرج الاطر تباعا في مدى اتساعها أو ضيقها في المجتمعات, حتى تصل إلى الأُطر الشخصية, والتي يرسمها الفرد لنفسه بحكم موقعه السياسي أو الاجتماعي أو العلمي أو الوظيفي, فالفعل المنحرف الصادر من استاذ يحمل الدكتوراه مثلا يكون اشنع من نفس الفعل اذا ارتكبه شخص بسيط وامي التعليم وهكذا, وهنا ايضا يدخل دور القانون الوضعي لتحديد هذه الاطر ويضعها ضمن خانه الآداب العامة, وكل فعل مخالف للآداب العامة فهو مجرم بحكم القانون.

القفز على الأطر الأخلاقية المحددة لسلوك الافراد يعد انحرافا, وهو امر مرفوض ومستهجن, وكلما كان تمسك الافراد بأطرهم الاجتماعية والاخلاقية اكبر كلما كان التنظيم والعدل والمساواة اكبر, وترتسم علاقة طردية بين التمسك بالآداب العامة والاخلاق وبين رقي وتطور المجتمعات, كذلك أيضا لا يمكن لأي قوة خارجية منحرفة أن تعبث بذلك المجتمع واحتلاله والاخلال بأمنه إن كان الافراد منتظمين في سلوكهم, ولهذا فقدرة الدول الاستعمارية محدودة تجاه المجتمعات المنضبطة,

 لا يمكن للدول الاستعمارية استعمار البلدان اذا لم تكن تملك قدرة نفوذ داخل المجتمع, لذا سعت هذه الدول للعمل من خلال منظمات مشبوهة وتحت عنوانين براقة, ومن خلال مناهج مدروسة بعناية ومرسومة بدقة الوصول لعقول الافراد داخل المجتمعات والعبث بها وحرف تفكيرهم لصناعة جيل متمرد على عادات وقيم المجتمع المستهدف ليسهل عليها السيطرة على هذه المجتمعات.

صناعة التمرد وزرع ثقافتها داخل المجتمعات هي صناعة استعمارية ناعمة, فالجيل المتمرد سيكون رافضا لقيود الاسرة, ووصاية الاب, وحرص الام, وتوجيهات المعلم, ونصائح الحكماء, وتوجيهات العلماء, الجيل المتمرد سيكون آلة فتك بالمجتمع نفسه, وعندها ستضيع الحدود وتنتهك الحرمات وينشغل الافراد بالخلافات بينهم ومحاولة الفتك احدهم بالآخر.

الجيل المتمرد على مجتمعه سيكون أداة طيعة بيد المستعمر, وآلة حرب غير محسوسة, تأتي بالنفع على المستعمرين دون ان يخسروا اموالا واعتدة وسلاح سوى بضع من الدولارات التي ينفقونها هنا او هناك لإقامة دورة معينة او دفعها لناشط مدني او اعلامي موجه لتهديم المجتمع.

الحرب الناعمة التي تصنع الجيل المتمرد هي تطبيق حرفي لفكرة اقتل نفسك بنفسك لاستفيد انا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك