( بقلم : عواد عباس الموسوي )
اظهر الأستاذ نوري المالكي مرونة واضحة حين اشترط شروطه الأربعة على المليشيات المسلحة بما فيها جيش المهدي . وهي شروط بمجملها تعبر عن مطلب عراقي للشعب و الجهات السياسية للوصول بالبلد إلى حالة دائمة من الاستقرار و بعيدا عن الحلول الترقيعية التي سرعان ما تفتقها الميلشيات المسلحة برصاصها و قتلها العبثي للناس . و ما نقرؤه من كلام المالكي و دفعنها لحمل الانطباع السابق عنه هو أنه لم يتطرق إلى شرط حل جيش المهدي من قبل القيادة الصدرية التي شكلته و ترك ذلك ليتبلور بشكل جماعي و بما يمثل حالة اتفاق وطني على برنامج يتم من خلاله العمل بالقانون و تشريع ما يلزم لمعالجة بعض الجزئيات . لهذا اكتفى رئيس الوزراء بضرورة تسليم الأسلحة الثقيلة و الخفيفة و عدم التدخل بعمل الأجهزة الأمنية و تركها تعمل بحرية لفرض الأمن و الأمان في أية منطقة فلا توجد محميات مليشياوية و لا حزبية في أية بقعة على أرض العراق و تسليم قوائم بالمطلوبين الذين بالأصل تدعي بعض الجهات و تحديدا التيار الصدري أنهم ليسوا منه . ولكن قوبل ذلك برفض مطلق من قبل التيار الصدري الذي بدا واضحا مقدار إصراره على أن يبقى عامل زعزعة للأوضاع و انه يأبى الرضوخ لمنطق العقل في ألا وجود لدولة بجيشين و لا سلطة في موازاة سلطة أخرى . و جاء رد البعض منهم بعد ساعات من إعلان شروط السيد المالكي بما يفيد الآتي في أفضل الأحوال : إن أردت مسدسا خذ مسدسا و إن أردت مدفعا خذ مسدسا . فالتنازل عن السلاح الثقيل من صواريخ و هاونات و مدافع و قذائف متنوعة و ألغام و عبوات ناسفة أمر غير وارد ، لأنه يعني التنازل عن السبيل الوحيد لفرض السطوة و قمع المواطنين و تخويفهم و بدون القذيفة لا تابع لما يعرف بالتيار و من غير عبوة ناسفة لا مجال لاحترام قسري لهم من قبل الناس لا سيما في المناطق المبتلاة بشرورهم . وهكذا ينكشف يوما بعد يوم ما عليه التيار الصدري من ضعف و أن ادعاء التأييد الشعبي له مجرد كلام لا واقع له فمهما بلغ أتباع مقتدى الصدر من عدد و حشد فإن من يضيق ذرعا بهم و يحقد عليهم بسبب ما تسببوا به من كوارث و نكبات للعوائل العراقية يبقى أكثر بكثير من حشود المراهقين و الشقاوات و الصبية المغرر بهم .
إننا نجزم بأن تخلي الصدر و أتباعه عن السلاح أمر لن يأتي طوعا منهم لكونهم يؤمنون بأن لغة السلاح هي لغة التفاهم الوحيدة التي يعرفونها و أن الصدريين سيفقدون في حال التخلي عنه أهم أسباب القوة لكونهم ابعد من أن يراهنوا على تأييد الجماهير لهم . هنا تبدو الحجة في مقاومة الاحتلال هي الشيء الوحيد الذي يجب التأكيد عليه .
ففي اجتماع خاص اقتصر على بعض العناصر القيادية عقد مؤخرا في مدينة الناصرية و اخبرنا ببعض تفاصيله احد المشايخ الذين حضروه و كان حازم الأعرجي احد ابرز القيادات التي حضرته أكد هذا الأخير على استحالة تسليم الأسلحة إلى الحكومة العراقية أو أية حكومة أخرى قادمة ، و أن أبناء الخط الصدري يتوجب عليهم البقاء مسلحين خوفا من اندثار التيار و تهميشه . و أكد أيضا على أن المراهنة على الانتخابات و تصويت الناس مراهنة خاسرة فالشعب العراقي ما زال على حد قوله يعاني من " حالة تخلف " و " عدم وعي " و في أية انتخابات يمكن لبيان يصدر من هذا الأعجمي و يقصد به السيد السيستاني أن يدفع الناس لاختيار الأحزاب الأخرى المعادية للحوزة الناطقة و خط الولي المقدس .. !
بالطبع ليس ثمة ما يدعو للاستغراب و أنا أنصت إلى ذلك الشيخ الصدري الذي حاول بشتى السبل و الحجج الواهية بأن يقنعني أن خيارة إبقاء السلاح ليس إلا لحفظ مصالح الشعب العراقي مستقبلا و طبعا ما يقصده بالشعب العراقي هو أتباع الخط الصدري بل أخص من ذلك فالشعب العراقي الشريف هو أتباع السيد القائد مقتدى الصدر ! هكذا يتم اختزال " الشعب العراقي " و جعله مرادفا للسيد القائد تماما كما كان القائد صدام حسين الذي يرى نفسه العراق و العراق هو لا غير ، و الناس عراقيون بقدر ما يكونون موالين له و عشاق مخلصين في بلاط دكتاتوريته ..
و مما قاله لنا ذلك الأخ في معرض تبريره لحيازة السلاح و عدم تسليمه و الذي جعله من المستحيلات الأربعة إننا إذا سلمنا السلاح فكيف يمكن أن يسمعنا الآخرون ؟ .. و لعمري فهو منطق كل الدكتاتوريات عبر التاريخ التي لا ترى أن ثمة من يطيعها و يتبعها إلا بالقوة و الإرهاب . وحين أجبته بأن ثمة عملية سياسية و ديمقراطية مفتوحة جدا ولله الحمد حتى ليؤاخذ الكثير عليها أنها بحاجة إلى تنظيم و تقنين كونها تحمل في بعض جوانبها سمات الفوضى قال إن الديمقراطية أكذوبة أمريكية و لا يمكن أن نراهن على أكذوبة ..
كلام اجزم أن العديد من العراقيين يسمعونه من أتباع مقتدى الصدر حين تتوفر لهم ظروف معينة و إن عزّت للدخول في نقاش مع بعض تلك العقول الجاهلة و المغلقة و التي لا تريد أن تتفهم الوضع الجديد و لا تسعى إلى الانعتاق من ربقة عقد الماضي و ثقافته البعثية . كلام تحار مع صاحبه كيف يسعك أن تعرّف المعرّفات و توضح الواضحات و أنى لك أن تشرح مفاهيم يعرفها أكثر الناس جهلا في عالم اليوم .. و لكن يبدو أن قدرنا قد قضى علينا أن نعاشر و نعايش نماذج كهذه و عقولا و نفوسا اقل ما يقال عنها أنها تعاني من أمراض مستعصية لا نرى بارقة أمل و للأسف لمعالجتها و الخلاص من شرورها .
https://telegram.me/buratha