( بقلم : كمال ناجي )
في رسالته الأخيرة كان السيد مقتدى ينهمك بتواصل عجيب في قلب الحقائق و تزوير أبجديات الواقع . و لئن كنّا قد ذكرنا من قبل وفي جانب لما قارناه في المقال السابق بخطاب النظام البائد فهو يحيلنا قسرا إلى مقارنة أخرى يستدعيها الذهن مع خطاب القاعدة . فكلا الخطابين قائم على قلب جملة من الحقائق على الأرض و ابتداع أخرى لا أصل لها . و لعل ما جاء في بداية رسالته هو أبشع ما يمكن التأشير إليه مما هو ليس كذبا على الواقع بل نراه كذبا على الله تعالى حين يقدم الشكر لمليشياته من الله و ليس منه حيث يقول " والشكر لكم من الله وليس مني " فهل يشكر الله عباده هؤلاء على سفك الدماء و قتل الأبرياء و التسبب بكل هذه المآسي لأبناء مدن بأكملها لا لشيء إلا لمصالح سياسية ضيقة و أهداف حزبية خاصة بتياره ! و كأني بمقتدى أنه لم يكتف بتنصيب نفسه ناطقا رسميا عن الشعب العراقي بل تعدى تلك الحدود ليكون ناطقا باسم السماء دون حرج يذكر . نلمس ذلك تماما في خطابات الزرقاوي و الظواهري و ابن لادن دون فرق بل تتشابه الخطابات القاعدية و الصدرية حتى في الجمل و التراكيب و الاستشهاد بالآيات القرآنية .
بعد ذلك حاول السيد مقتدى الانطلاق من التأريخ الذي اختلقه من عنده لأتباعه و يجعل منه حقيقة ثابتة ليتساءل عما سيكتفي بتذكره من شهداء جيش المهدي ، و ابرز ما أشار إليه هو شهداؤهم في الانتفاضة الشعبانية ! وهذه المسالة مما يتوجب ألا نتركها كي يلوكها السيد القائد و الاستمرار بتزوير الحقائق و ادعاء بطولات ليس له و لا لأتباعه ، فالجميع يعلم أن الانتفاضة الشعبانية حدثت أيام كانت كل عناصر جيش المهدي الآن محضا من عصابات و شقاوات في أزقة مدينة الثورة و ليس لأحد منهم شأن بتلك الانتفاضة التي قادها الشباب الواعي المستميت و قتل المئات منهم و شرّد الآلاف خارج الحدود و ليس منهم من محق تاريخه النضالي ليلتحق بمليشيات السيد مقتدى .
والخطاب الصدري طالما ركز على قضية هي مصدر التباهي و التفاخر بالنسبة لهم حيث يؤكدون على تلك الثورة التغييرية التي نهض بها الولي المقدس فإذا كان الصدريون هم أبطال الانتفاضة ما يعني شدة التزامهم قديما و تماهيهم في الوقوف بوجه الطاغية فأي فضل للسيد الولي و أي معنى لتلك الثورة التي غيرت ما غيرت كما يدعى ؟! هذا مع أننا و لكوننا عاصرنا الوضع من داخل العراق و رصدناه بتجرد تام دون الانحياز و التأثر بولاء أو انتماء من أي نوع نرى أن التشتت و الوهن الذي أصاب المجتمع العراقي و ظهور هذه العصابات الإجرامية و المجاميع الخارجة عن قوانين العرف و الأخلاق و الشرع هي الثمار التي أتحفتنا بها تلك " الثورة التغييرية " للولي المقدس رحمه الله الذي هو الآخر لم يثبت اشتراكه في الانتفاضة كما يروج الصدريون .
إن هذا التزوير في أوراق الحقائق التاريخية كانت قد اقترفته القاعدة كذلك و على لسان مقبورها أبي مصعب الزرقاوي الذي أدعى في إحدى خطبه أن " مجاهديه " كانوا قد جاهدوا نظام البعث العلماني الكافر ! و يضيف السيد مقتدى مدحا لأتباعه على مدهم أغصان الزيتون " لتعطوها لأخوتكم في الجيش و الشرطة الذين أكثرهم كانوا لكم يحبون و عن قتالكم يعدلون .. إلى آخر هذه النون .. "
و هنا ارغب فقط في كشف حقيقة غصن واحد من تلك الأغصان الزيتونية و التي عرضت في لقطات كررتها بعض الفضائيات عشرات المرات في اليوم الواحد و هي تظهر مجموعة مؤلفة من بضعة أشخاص يرتدون الزي العسكري و يذهبون ليقفوا عند إحدى مكاتب الصدر ليستقبلهم هناك من كانوا ينتظرونهم في مكتب الصدر . وقعت هذه الحادثة في إحدى قطاعات مدينة الثورة و القضية كانت مفبركة و أتحدث هنا عما حدث نقلا عن أحد منتسبي الوحدة التي تم أسرها و من ثم إجبارهم على الذهاب لتلاوة بيان أعد لهم مسبقا ليستلموا غصن الزيتون الصدري .
فقد كانت تلك الوحدة ترابط في موقعها و بعد أن أوشكت ذخيرتها على النفاد مال الجنود إلى تقليل إطلاق النار و عندها رأوا سيارات بيضاء اللون حديثة توجهت نحوهم ، لم يكن إطلاق النار عليها خيارا لقلة الذخيرة و لأنها تبدو مدنية مع أن الجنود و الضابط المسئول يكاد أن يقطعوا بأن من يستقلها من جيش المكتب . ترجل عدد منهم ملقين سلاما مراوغا قبل أن يتحلقوا حول الجنود الذين لا يتجاوز عددهم الستة أو سبعة أفراد ثم انقضوا عليهم على طريقة " مان تو مان " و كتّفوهم ثم جرى تخييرهم بين القتل و بين الذهاب إلى المكتب و إظهار التوبة و تلاوة البيان الذي عرضته الفضائيات كما شاهده الجميع و تذكر أحدى المصادر القريبة أن واحدا على الأقل من الجنود الذين ظهروا ملثمين في الشريط كان من جيش المهدي بعد أن ارتدى الزي الرسمي للجيش العراقي .
أما فيما يخص عملية التصوير فقد كانت بالاتفاق مع إحدى الفضائيات العائدة لشخصية سياسية معروفة نحجم عن ذكرها و كان الكادر المعني يتلهف إلى تحقيق سبق صحفي إلا أن الأمور فيما يبدو لم تجر وفقا لما هو مخطط لها . المهم إن الحقيقة كانت على هذا النحو و ليس كما صوّره الصدريون و ذكره بيان مقتدى الصدر . على أن القول إن أكثر أفراد الأجهزة الأمنية هم مؤيدون لجيش المهدي و راغبين عن قتال عصاباتهم فهذا ما لا نعلق عليه بشيء فالكل يعلم الحقيقة فقط نسال السيد مقتدى إذا كان الأمر كذلك فلماذا يجري تصفية و قتل من يشك بانتسابه للأجهزة الأمنية في المدينة و احتجاز ذويه في حال لم يكن متواجدا حتى يأتي إلى مكتب الصدر ليتم الإفراج عن بعض أفراد عائلته تم النظر بقضيته فإما القتل أو غصن الزيتون بشروطه و اشتراطاته المعروفة ؟؟
بالطبع فإن هذا الأمر كان قد حدث مرات عدة في خضم الفبركات الإعلامية للقاعدة . ففي شهر آذار 2004 ادعى احد المواقع الالكترونية المروجة للفكر التكفيري نقلا عن المركز الإعلامي للقاعدة : " إن عددا من أخوتكم في الدين أظهروا توبتهم و رجوعهم إلى الله من حبال الشيطان و خدع الصليبيين و مكرهم و الذين كانوا قد انخدعوا بدعاية أعداء الأمة فعملوا لوقت يسير في الحرس الوثني ..و اليوم نشكر الله أن هداهم إلى الحق و نزعوا عن سالف الغي و هم يقاتلون الآن مع إخوانكم المجاهدين و لله الحمد و المن " . و الحقيقة هي أن ثمة شباب من مدينة القائم تم أسرهم و اقتيدوا إلى محكمة شرعية و جرت عملية استتابتهم و وجوب تأكيد التوبة بالمشاركة في جهاد القاعدة المزعوم .
و من الفقرات التي تجذب الانتباه قول السيد مقتدى " فقد أظهرتم الوجه الناصع للصدر وأل الصدر وأتباع الصدر ومحبي الصدر وكنتم أمة السلام و أمة الإسلام فأتمنى أن تستمروا على صبركم وتوحدكم وجهادكم وأسأل الله أن يبعد العدو عن مدنكم ومنازلكم وعوائلكم وأسواقكم وحقوقكم وأعمالكم وتجارتكم " و يلاحظ أن ثمة ثلاث حقائق مقلوبة هنا .
الأولى إن مليشيات جيش المهدي قد شوهت الوجه الصدري تشويها لا استقامة بعده و هذا بشهادة كل المعتدلين ممن كانوا يقلدون السيد محمد صادق الصدر فضلا عما تنطوي علية الجملة السابقة من اختزال لا يحق لأحد إدعائه بعمومية العنوان الصدري فالصدر الأول رمز عراقي أصيل و هو نبراس الشهادة لكل القوى الخيرة التي يخوّنها الصدريون و يشككون بولائها و يكيلون لها شتى التهم .
و الثانية : إن جيش المهدي هو أمة الخراب و الدمار لا أمة السلام و فيصلنا هنا ما يقوم به من أعمال و انتهاكات و جرائم .. فهل يمكن لثلة من المخربين و المجرمين أن يوصفوا بكونهم " أمة السلام " لا بل و هم أمة الإسلام ..! هذا الإسلام الذي يدعو إلى حقن الدماء و التسامح و التعاون على البر و التقوى و أين هذا من مليشيات عابثة تسرح و تمرح و ديدنها القتل و إشاعة الفوضى ..
و ثالثا : إننا نشاطر دعاء السيد مقتدى – إن كان صادقا – في أن يبعد الله العدو عن المنازل و العوائل و الأسواق و .. الخ و لكن نقول لمقتدى الصدر إن هذا العدو لا سيما في عدد من مدن الجنوب خرج بعيدا عن مدننا و تم تسليم الملفات الأمنية للقوى الأمنية العراقية إلا أنكم و بتصرفاتكم الرعناء و غبائكم العجيب دفعتموه دفعا في بعض تلك المدن إلى العودة ثانية لتسيير الدوريات في داخل أحيائها .. فلماذا تقلب الحقيقة و لا تقرها كما هي على الأرض .. ؟
و نكتفي أخيرا بهذه الفقرة التي تقلب حقيقة الأمور رأسا على عقب وهي " أم أي آمر أجاز لكم إرعاب الشعب بالانتشار المسلح في المدن والقرى الآهلة بالسكان " .. هل نحن بحاجة للتعقيب على هذه الكلمات ؟ وهل نحتاج إلى شهود عيان في محكمة التاريخ يؤكدون لنا من هو الذي يثير رعب الناس و أي انتشار مسلح في المدن و القرى يسهم في إرعاب و إخافة المواطنين ؟ أهو انتشار قوات الأمن الذي يعد انتشارها مصدر طمأنينة للسكان في أي مكان و مطلبا ملحا منهم أم هو انتشار مليشيات مسلحة ما أن يراها الناس حتى يغلقوا دكاكينهم و تعطل تجارتهم و تنقطع مصادر رزقهم و يلوذوا بمنازلهم خائفين من سقوط الهاونات العشوائية من تلك المجاميع الإجرامية على رؤوسهم ؟؟
https://telegram.me/buratha