( بقلم : كمال ناجي )
ثمة لعبة أصبحت مملة يقوم بها التيار الصدري و على مستوى قياداته البارزة ، حيث يسهل ملاحظة أنهم و خلال الأشهر الماضية يشيعون عن طريق تسريبات لهذه الجهة الإعلامية أو تلك خبرا يحمل موقفا أو فحوى للرسالة أو الخطاب أو الخطبة المنتظرة للسيد مقتدى و دائما ما يكون الموقف المسرّب خلاف الموقف الذي يتلى عبر تلك الرسائل و الخطب . لنرى بعد ذلك ظهور مانشيتات إعلامية في الفضائيات و الصحف و عناوين الأخبار تشترك في العبارة التالية : " خلافا لما كان متوقعا أعلن الزعيم الشيعي الشاب ... الخ " .
إنه نحو من التذاكي على أية حال فالهدف هو إدخال الجميع في حالة ترقب و انتظار على جمر سياسي و أمني متوقد . و لكم يذكرني هذا النوع من المهازل الإعلامية بما كان يحدث أيام صدام حسين المقبور . بالطبع فإن الأمر ابعد من أن يكون مصادفة أو حادثة عابرة لا تستدعي لحظات من التأمل في هذا التشابه في الأساليب و الآليات بما يعكس و ينمّ بتشابه في العقلية التي تجمع الطرفين . لا أريد أن أعيد سرد الكثير من النقاط في هذا الصدد تلك التي ذكرناها في كتابات سابقة لنا أو ما كان و لا يزال يرصده الأخوة مع تطور الأحداث و اتضاح الصورة و تكشف الغايات و جلاء الأهداف الصدرية ، تلك النقاط التي توضح إلى أي حد يتشابه مقتدى الصدر و تياره مع صدام و بعثه و رفاقه .
ليست هذه دعاوى مجردة و لا هي رغبة في تسقيط سياسي لطرف نختلف معه مع أنني من المستقلين الأقحاح ، بل هو إنصاف للحق و جرأة فيه ، إصرار على قول ما يتحرج منه الكثيرون وهم موقنون به و متسالمون عليه . طيلة فترة التسعينات كان نظام صدام حسين يستخدم في مواجهته ذات الأسلوب لنرى أن العالم بأسره يقف على أطراف أصابعه منتظرا خطاب السيد القائد المهيب الركن و القائد العام للقوات .. إلى آخر الكليشة ليأتي الخطاب بفحوى تخالف تماما ما سبق لأبواقه في الداخل و الخارج أن أشاعوه و تناقلته وكالات الأنباء العالمية كونه تسريبات من مصادر عراقية مطلعة . إن الهدف من هذه اللعبة ليس خفيا على المراقبين الذين خبروا مثل هذه الأساليب و إن انطلى بعضها على الناس البسطاء .
إذ يؤشر هذا الأسلوب أولا إلى رغبة غير طبيعية في حب الظهور و جذب الانتباه إلى الذات ، فالقائدان العتيدان مسكونان برغبة عارمة في أن يتلقف القاصي و الداني أخبارهما و أقوالهما و جديد مواقفهما و أن يكون ذلك على شكل قيامة إعلامية سابقة و لاحقة لحدث الخطاب أو الظهور ليعزز من الإحساس الداخلي لديهما بأنهما في بؤبؤ العالم أجمع .
و ثانيا إن ما يشاع دائما قبل الخطاب أو تلاوة البيان يكون مستفزا و متحديا و مشعرا باختلاق أزمة جديدة ليأتي من بعد كل ذلك الأمر على عكس الإشاعة أو التسريب تماما فيسهم في رسم صورة زائفة بشكل غير واعٍ أحيانا في ذهن الناس يبدو معها صاحب الخطاب أو الرسالة مرنا و مفعما برغبة تجاوز الأزمات و السعي إلى إيجاد الحلول المرضية و المنطقية و أن السيد القائد ينطوي على حكمة رفيعة و بعد نظر حاد مع أنه من أختلق الأزمة و أججها و رفض الحلول العقلانية التي تطرحها الجهات الأخرى .
و ثالثا يدل مثل هذا الأمر من وجهة نظر علمية على الشعور بأن الخيارات التي يمكن الأخذ بها محدودة للغاية فيلجأ إلى خداع ذاتي بتأجيل المأزق النهائي و توليد حلول و خيارات ليست في واقعها مما يمكن عده خيارا .
إنه نوع من التعويض عن فقدان القدرة على اتخاذ موقف قوي باجتراح اللاموقف الذي يمتلك تأثيره و قوة إقناعه للذات من الانقلاب على صخب اللحظة الأولى تلك التي كانت تتمثل في الضجيج الإعلامي الذي يعتبر نوعا من التهديد .
و رابعا هو التلذذ السادي عن طريق توظيف الخطاب بوصفه أداة إخافة و تهديد . فالصدريون يشعرون في لحظات الصخب المفتعلة قبيل خطابات مقتدى الصدر بلذة لا توصف و هم يرون ملامح الخوف ترتسم على وجوه بعض المواطنين العاديين بعد أن يشيعوا أنهم بصدد تلاوة بيان للسيد القائد سيعلن فيه ما يفتح شوارع المواجهات و أزقة الدماء الجارية بلا ذنب و لا جريرة . و تعود اللذة إليهم بعد الصخب الذي يتلو البيان أو الخطاب ليظهروا أنفسهم و كأنهم حمائم وديعة يحبون السلام و الرخاء و الحرص على حفظ الأرواح و الممتلكات . و لا ادري إلى متى يستمر هذا الأسلوب المراوغ و المخادع و حتى متى يقف الصدريون عند حدّ لا يحيلنا إلى مطابقة جثة الماضي البغيض على جسد الحاضر .. ولنا وقفة ثانية مع مهازل الخطاب لدى الصدر و أتباعه .
https://telegram.me/buratha