بقلم : سامي جواد كاظم
قد لا اكون بل اكيد انا لست بالمستوى العلمي الذي يتمتع به علمائنا وفقهائنا ولكنني استنتج ما اصل اليه من معلومة من خلال اقوال واراء العلماء المستقاة فقط من علوم اهل البيت (ع) دون غيرهم فقد عرف السيد الشهيد الوحيد محمد باقر الصدر(قده) المحكم والمتشابه بقوله: «فالمحكم من الايات ما يدل على مفهوم معين لا نجد صعوبة، او ترددا في تجسيد صورته، او تشخيصه فيمصداق معين. والمتشابه ما يدل على مفهوم معين تختلط علينا صورته الواقعية ومصداقه الخارجي»(علوم القران ص 137 )
وتفرض علينا طبيعة البحث ان نذكر الرأي الصواب في تحديد معنى هاتين الكلمتين ليتضح على ضوئه مدى صحة بقية الاتجاهات وانسجامها مع المدلول اللغوي والمحتوى الفكري للآية الكريمة. التفسير تارة يكون للّفظ وذلك بتحديد مفهومه اللغوي العام الذي وضع له اللفظ واخرى يكون للمعنى وذلك بتجسيد ذلك المعنى في صورة معينة ومصداق خاص.
فالمحكم الذي هو بائن معناه هنالك كثير من فقهائنا عقّدوا هذه المسالة ولاضرب لكم مثلين فقط ،فالاية الاولى من سورة التوحيد (قل هو الله احد ) لا يتفق الاخباريون مع الاصوليين في معنى الاحد ويقولون لها عدة تفاسير ( تاريخ التشريع الاسلامي لاستاذي عبد الهادي الفضلي ) ولو قلت لاي فرد بسيط ماذا تعني الاية اعلاه اعتقد لا يجد صعوبة في الفهم والرد والتفسير ، المثال الاخر الاية الكريمة التي تقول ( يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة ) هل تصدقون ان هنالك من العلماء اقاموا البحث حول النداء الموجه في الاية هل هو للمؤمنين فقط ام الكفار معهم (الوافي 2|82، الحدائق الناضرة للبحراني 12|151) وكل عالم يأتي بما يستدل به من الادلة بالرغم من ان الاكثرية حصروها بالمؤمنين ولكن قصد الكلام هنالك من يستطيع ان يجعل المحكم متشابه والمتشابه محكم واخص بالذكر منهم الفقيه والسياسي ذوي النوايا السيئة فقط دون غيرهم ممن يبغي التقرب الى الله .
ولنوضح ابعاد تعريف السيد الصدر الذي يقول والمتشابه ما يدل على مفهوم معين تختلط علينا صورته الواقعية ومصداقه الخارجي ، ما المقصود من ذلك ؟ .
بالمثال يفهم المقصود لو قلت لشخص هل رايت مدينة بغداد فاذا كان هو خارج بغداد ويعلم واقعا ان بغداد مدينة موجودة وانه راها من خلال الشاشات المرئية او الصور فان هذه الرؤيا هي الصورة الواقعية لبغداد ولكن عندما ياتي الى بغداد ويتجول في شوارعها عندئذ تكون هذه الرؤيا مصداق الخارجي لما راه من على شاشات التلفزيون فالذي لم يراها ولم يتجول في شوارعها تكون مجهولة لديه لكن اصل المدينة موجود على ارض الواقع فالذي يثبت صورتها الواقعية ومصداقها الخارجي هو نفسه الامام الذي يثبت المصداق الخارجي للاية المتشابه على حدث معين يعلم انه المقصود في الاية.
الاية المتشابه تكون صورتها الواقعية ومصداقها الخارجي اما قرينة تدل على المرجح من المعنى او اية اخرى على صلة يها او حديث نبوي موثق في كتب التاريخ ولا خلاف عليه فاذا ما حصل خلل في احد هذه الوسائل يؤدي الى خدش الصورة الواقعية او المصداق الخارجي لهذه الاية وبالتالي تكثر الشبهات التي لا بد من امام معصوم لدحرها
الاية المتشابه التي اذا امكننا تفسير كوامنها نكون قد استغنينا عن الامام المعصوم وهذا خلاف العقيدة والواقع بدليل خلاف العلماء فيما بينهم في تفسير الاية الواحدة على عكس ائمة اهل البيت الاثني عشر الذين يقولون قول واحد في التفسير للاية الواحدة اما ان علمائنا يستطيعون تفسير البعض طبقا لما يتوصلون اليه من اجتهاد مع حسن النية فهذا ممكن .
وطالما اننا نحاول جاهدين ايجاد اية لجعلها الدليل على تصرفاتنا فهذا هو الاشكال بعينه فالاية التي نبحث عنها اما انها محكمة وفسرناها عكس معناها او انها متشابه وفسرناها طبقا لهوانا فعدم العمل بها هو لانها تاتي مصداق لحادثة حصلت وليس للاقدام على عمل معين طبقا لهذه الاية.
فالسياسي كثيرا ما يتحامق في قراراته وعندما يُستهجن من قبل وسائل الاعلام او عندما يثير سخط الشارع العام عليه فانه ياتي باية تتفق وتصرفه هذا والعثور على الاية يكون من السهل جدا ، بل وحتى احزاب اليوم اذا ما ارادت ان تصدر بيان فانها تفتتحه باية تتفق وفحوى البيان .
ايات محكمة جعلوها متشابهة منها على سبيل المثالفي النجف وتحديدا بعد الازمة الاولى التي حدثت بها علق التيار الصدري لوحة في ساحة ثورة العشرين اعتقد بوستر يظهر فيه ثلاثة صور للسيد الشهيد الصدر ومحمد صادق الصدر وابنه مقتدى وكتبت فوق الصور الاية (إذ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ [يس : 14]) هنا جعل مصداق الاية الاشخاص الثلاثة ولو جئنا الى المعنى اللغوي للآية مع ما قام به هؤلاء الثلاثة نجدها متطابقة لكن من هم الثلاثة المقصودين في الاية ؟ هنا التشابه جاء في معنى اللفظ الا ان المصداق الخارجي الحقيقي لها ليس كما ادعى صاحب البوستر، فهذا الزوغان والفتنة .
معاوية الذي صرف اربعمائة الف درهم لسمرة بن جندب لكي يثبت تفسير الاية الكريمة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة : 204]انها نزلت في علي (ع) ، وكذلك الاية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة : 207] نزلت في ابن ملجم ،فتفسير الاية اللغوي صحيح لكن هل المقصود من الاولى الامام علي (ع) ومن الثانية اللعين ابن ملجم ؟هذه هي الفتنة بعينها
واما يزيد السكير يقول في بيت شعر له ان الله عز وجل قال ويل للمصلين ولم يقل ويل للخمارين او الشاربين فهل هنالك قبح وفسق اكثر من هذا .
على الجانب الاخر نجد ان علمائنا الافذاذ يحاولون ان يستدلوا على احكام اخرى من خلال اية محكمة واحدة مثال ذلك الاية ( اذا جاءكم فاسق بنبا فتبينوا ) فمعنى الاية واضح ان الفاسق الذي ياتي بنبا لا يجوز تصديقه من غير بينة ومن هذه الاية وجد علماء الاصول ان هنالك قواعد رجالية يستفيدون منها في دراسة احوال رجال السند في الحديث فقالوا ان الاستبيان يعني ليس بالضرورة كل ما ياتي به الفاسق هو خطأ بدليل الاستبيان والاصل الثاني الذي توصلوا اليه هو ان الخطاب موجه من الله عز وجل الى الفاسق دون العادل اذن العادل لا يتبين من النبأ الذي يجيء به .
اذن تفسير الامام المعصوم للاية المتشابه وكشف ما خفي علينا من معنى تكون قد تحولت من متشابه الى محكمة وهذا خلاف الواقع ، او ان هنالك ايات متشابه لا يحق لنا تفسيرها على اعتبار انها من اختصاص الامام المعصوم فيعني هذا عدم الاستفادة منها وسيكون جزء من القران عاطل لحين ظهور الامام الحجة وعليه لا يحاسب من ياتي بخطأ لا ذكر له في القران ، وهذا لايتفق والغاية من الرسالة المحمدية .
كل الظلمة اليوم تسند ظلمها الى الايات القرانية التي يكون اللفظ فيها قابل لعدة معان والذين ستمتلأ الارض بهم عندها يكون ظهور الامام الحجة ليضع الامور في نصابها من تفسير اية او تطبيق حكم .المعنى المختلف للفظة الواحدة يصبح ثابت اذا ما جاءت قرينة تدل المعنى المطلوب ولكن عندما تكون هنالك اية محكمة المعنى وياتي شخص اخر يفسرها بغير ما هي عليه هل تعتبر الاية متشابه ؟ لا اعتقد ذلك فالاية هي محكمة فالايات المتشابه التي تهم المجتهد في استنباط الاحكام الشرعية هي غير التي يهتم لها الفلاسفة في علم الفلسفة وغيرها التي تخص صفات الله عز وجل ومن بين هذه الاصناف وغيرها ظهر وسيظهر اصناف اخرى من الفقهاء والسياسيين الذين يلتفتون الى نوع معين من الايات التي يعتبرونها صحيحة ومحكمة لاثبات ما ادعوه وهذا الامر هو بعينه الذي يذكره السيد الشهيد الصدر حيث الامر المهم هو كيفية اثبات المصداق الخارجي لمعنى الاية وهذا المصداق قد يكون ملموس او مرئي او احاديث تاريخية متفق عليها
كثير من الابحاث والمؤلفات والحوارات التي تحدث اليوم يحاول اصحابها تطعيم ابحاثهم هذه بالايات القرانية الذي يسمى بالاقتباس او التطعيم بلاغيا حتى يضفي مصداقية ورونق لهذا البحث او ذلك الحوار ، فان اخطأوا في استخدام الاية المناسبة لذلك فهنا يحكم عليهم طبقا لنواياهم ها هو الامام الصادق (ع) يسال ابا حنيفة عن تفسير الاية ( لتسئلن يومئذ عن النعيم ) فاخطأ الجواب واتضح ان النعيم هو ولاية اهل البيت .
وطبقا لمصادر السنة قبل الشيعة هنالك اكثر من ثلاثمئة اية نزلت في حق اهل البيت فهل ذكرت اليوم بغير كتب الشيعة . تخيلوا تفسير الاية الكريمة وانذر عشيرتك الاقربين فان تفسيرها ناهيك عن كتب الشيعة في كتب السنة هي المقصود بها ما حدث في المادبة التي اقامها النبي محمد (ص) في انذار عشيرته وقوله للامام علي (ع) انت وصي ووزيري وخليفتي من بعدي ( الكشاف ، التفسير العربي للفخر الرازي ) ياتي ابن كثير الذي يذكر التفسير لهذه الاية بالنحو التالي (فقال النبي محمد الى علي انت ( كذا وكذا ةكذا ) تخيلوا لم يذكر العبارة التي قالها النبي محمد (ص) بحق علي (ع) ويبرر ذلك بان هذا التفسير لشيعي كذاب (تفسير ابن كثير ج3ص364 )، لماذا ربط الكذب بالشيعي ؟ وكيف استدل على كذبه ؟ ولنفرض جدلا ذلك لماذا لم يذكر العبارة التي كذب بها هذا الشيعي بدلا من كتابة ( كذا وكذا ) الا يدل هذا على الفتنة والزوغان ؟
واليوم ظهرت تفاسير كثيرة وللفريقين وبحلة جديدة لا بد ان فيها الصحيح والخطا وطبقا لما يكن هذا المفسر او ذاك في قلبه للاسلام . اما الجانب العلمي في الايات القرانية فحدث ولا حرج ومثال بسيط على ذلك فالاية الكريمة ( والشمس تجري لمستقر لها ) كانت تفسر بتفاسير اختلفت عما هو عليه بعد اكتشاف العلماء الفلكيين ان الشمس تدور حول نفسها فعلموا ان المصداق الخارجي لهذه الاية هو اكتشاف هؤلاء العلماء .
فكم من اية علمية لا نعلم حقيقتها او مصداقها الخارجي العلمي ونحن بامس الحاجة لذلك لانه ليس من المعقول ان ينزل الله عز وجل كتابه بيننا ونجهل تفاسير كثير من الايات بل وهنالك ايات تتغير تفاسيرها مع تغير الزمان وهذا ما لا يقدر احد عليه الا الحجة المنتظر (عج)
https://telegram.me/buratha