( بقلم : سالم داود العزاوي )
وصلنا مطار الملكة عالية إلى المكان الذي يقف الناس فيه طوابير أمام كاونترات فحص الجوازات، وانتظرنا دورنا كما ينتظر غيرنا وكانت اللافتة تشير إلى أن المكان هو لغير الأردنيين من الجنسيات الأخرى. أخذ الموظف المسؤول (رجل أمن يرتدي بزة عسكرية) جوازات من يقف بالطابور كلّ بدوره ولكن الغريب في الأمر أن غير العراقي يختم جوازه ويذهب إلى حال سبيله إلا العراقي الوحيد الذي يقال له انتظر حيث ينتظر الكثير من المساكين من أهل بلاد الرافدين.
وذهب الجميع وبقي العراقيون حيث هم وجاء مسافرون من طائرة أخرى وحدث نفس الذي حدث لنا، وكنا رجالاً وشباباً ونساء وفتيات وأطفال وبأعمار متفاوتة. وكان بين فترة وأخرى ينادي رجل أمن آخر على إسم أو أكثر إما ليعطي صاحب الإسم جوازه ليذهب إلى حيث يبغي أو يذهب به إلى ضابط مخابرات لمقابلته!! رجل المخابرات هذا كان يتكلم بنبرة نكرهها جميعاً ويسأل أسئلة وصلت إلى حد أسئلة طائفية وشخصية مثل ماهي عشيرتك اذا لم تكن عشيرتك قد أدرجت في الجواز، والويل لك إن كنت من...؟! وهل أنت متزوج؟ وكم ولداً عندك؟ ...الخ.
ومن ثم يقول لك بصوت بارد يخلو من التعامل الإنساني: إنتظر أو يقول لك أنت ممنوع من الدخول لأن الأسباب التي تذكرها لدخولك الأردن الشقيق لا تكفي بنظره لدخولك البلاد؟! ولا يحق لك أن تسأله لماذا؟ بل وحتى من أن تقوم من الكرسي الذي تجلس عليه!! والإنتظار الطويل لمساكين العراق الذين يدخلون الأردن إما لعمل رسمي أو لتجارة يسترزقون منها و.. و... يستمر إلى أن يطلع عليهم رجل أمن ببزة عسكرية ليعلن عن أسماء أما ليدخلوا أو ليذهبوا معه إلى صالة أخرى يحجز فيها من مُنع من الدخول إلى البلاد لينتظر خروجه في اليوم التالي أو إلى حين وجود طائرة أخرى لترجع إلى المكان الذي جئت منه. والويل لك إذا ما تلاسنت مع أحدهم ودافعت عن حقك الشرعي في سبب منعك، لانك ستكون ضحية لحجز تطول مدته إلى شهر أو أكثر لو أنك تطاولت على أحدهم وربما كنت لتضرب كما حدث مع أحدهم في الماضي القريب أو السجن كما حدث لفتاة كردية كانت قادمة من دمشق لتذهب إلى السليمانية! ويٌختم جوازه بالدمغة الحمراء التي تمنعك من الدخول إلى البلاد إلى الأبد!!
هنا انتهت معاناة وبدأت أخرى قد توضّحها الصور المرفقة أكثر من أن يكتب عنها ولربما هذه الصور لمكان كان فيه الرجال والأولاد ولو تسنّت لي الفرصة ولو سُمح لي لصوّرت النساء والأطفال، وأن الحجز هنا كأنها سجن كما أسميناها لأنهم أقفلوا علينا الباب ولم يدعونا نختلط مع الآخرين في صالة المغادرين (حالنا حال خلـﮓ الله سبحانه) كأننا مجرمون والصور خير دليل؟ وأننا يجب علينا أن نتحمل أخطاء وأفعال غيرنا، حتى أن أحد المسؤولين في المطار عندما زارنا عيّرنا بما هم فيه وقال: هل رأيتم في الأردن أنَّ أحداً قد ذبح نحر أحدهم؟ هل رأيتم من يفجّر نفسه في الأسواق العامة؟ لقد نسي هذا المسؤول الذي لم نستطع أن نردّ عليه أن بلاده والآخرين من الأشقاء العرب كما يزعمون وغير العرب هم من يصدّر لنا هذه البهائم إلى العراق الجريح ليبعدوا خطر هؤلاء الرعاع عن بلادهم وليعيثوا في أرض العراق فساداً وسفكاً لدماء زكية غالية. رُدَّت عليهم أعمالهم فبئس ما كانوا يعملون والله المعين.
ودخلنا صالة الحجز.. عفوا السجن وتوالت الحكايات وكان أبرزها حكاية وفد رسمي تابع لوزارة النفط مكون من ثلاث نساء ورجل ووفد كردي جاء لنفس الغرض. دخل الرجل وبقيت النساء الثلاثة ودخل الوفد الكردي الذي يحمل نسخة من كتاب الإيفاد وليست الاصلية التي كانت مع الوفد الذي جاء من بغداد.. واعتقد ان السبب واضح في دخول الوفد الكردي بسهولة ويسر ولا يحتاج الى تعليق!! وآخر له عمل وكتاباً رسمياً مُنع من الدخول، وآخر مع جهات غير حكومية تعمل من الأردن، وتجاراً لهم وكالات رسمية من شركات أردنية، وعوائل تأتي لغرض معين والأطرف من ذلك أن بيننا كان عراقياً أمه أردنية ولم يسمح له رغم أنه كثير مرات جاء إلى الأردن ولم يقال له شيء إلا هذه المرة ووعده من زارنا ممن كان مسؤولاً في المطار ويحمل باجاً مكتوباً عليه وزارة الخارجية أنه سيدخله وكيف أن أخواله لم يدخلوه إلى الأردن (ويا عيب الشوم على هكذا أخوال)، وبالمناسبة لم يدخل ورجع معنا خائباً المسكين حتى أنه سبّ هكذا أخوال و..و.. الخ. وآخِر من دخل علينا السجن كان قد قيل له من رجل أمن: إننا لا نريدكم؟ هكذا ببساطة لا يريدوننا ونسي ونسوا أن ما يعيشونه من بحبوحة ورفاهية جزء كبير منه هو من خير العراق وثرواته. وبعملهم هذا لقد كبّدوا من رجع مالاً كثيرا لأن بطاقة كل منا كانت ذهاباً وإياباً وسعرها يقارب الألف دولار وهنا نسأل: من يتحمل الخسارة لهؤلاء؟ وهل يتحمل اردني ان يعامل هكذا او غيره؟ ومن سيعوّض هؤلاء المساكين مادياً ومعنوياً؟ أليست هذه سرقة في وضح النهار؟ لأنهم لو يقولوا لنا مثلاً لا يُقبل في الأردن إلا من له موافقة وزارة الداخلية الأردنية لكان الأمر أرحم ولا يدعونا نذهب ومن ثم ببساطة يقال لك إرجع من حيث أتيت. وأعتقد أن هذا تتحمله الحكومتين العراقية والأردنية على حد سواء.
والموضوع الآخر نتكلم هنا عن الأمتعة والحقائب، وهنا الكلام موجّه إلى شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية باعتبارها شركة عريقة في الخدمة المدنية. إليكم حكاية سيدة عراقية مع أبناء ثلاثة (ابنتان وولد) ممّن مُنعوا من الدخول إلى الأردن، أرادوا من رجل الأمن المسؤول عن السجن (مكان الإحتجاز) أن يجلبوا دواء أمهم من حقائبهم فلما ذهبوا لم يجدوا الحقيبة التي فيها الدواء وكان أيضاً فيها مبلغ كبير من المال! فقدوا الحقيبة الغالية وقد استنفرت السلطات لهذا ولم تستطع هذه العائلة عمل شيء إلا تقديم شكوى والله يعلم من يستطيع متابعة الشكوى؟!! ومن باب تطييب الخواطر سمحوا للإبن بالدخول إلى الأردن الذي كان الأب الذي عنده إقامة فيه ينتظر مجيئهم في الصالة!! ولما قلنا لهم نحن البقية عن حقائبنا قالوا لنا اطمئنوا أن حقائبكم بخير وأنهم قد عزلوها ولم يسمحوا لنا بالتأكد من ذلك أو من أن يكون أحدهم قد عبث بها؟! ولما أردنا الصعود إلى الطائرة المغادرة إلى أرض الوطن الجريح المذبوح من الوريد إلى الوريد طلبنا منهم أن نتأكد فقط من حقائبنا قالوا لقد وضعوها في الطائرة ولا تقلقوا عليه. وأقول لكم لما رجعت إلى البيت وتأكدت من الأغراض لم أجد حذاء غالياً كنت قد اشتريته حديثاً من العراق! والله أعلم ماذا حدث لحقائب الآخرين.. أهكذا الإطمئنان يا أيها المسؤولون في الخطوط الجوية الأردنية الملكية؟! أليست هذه سرقة في وضح النهار يا سادة يا كرام؟!
أقول لهم أيها السادة انتبهوا لما يحدث فإن سمعتكم ستكون في الحضيض إذا لم تتداركوا ضعاف النفوس الذين تمتد أيديهم إلى حاجات الناس التي هي أمانة في أعناقكم، وإن العراقيين ربما هم المستهدفون لأنهم مساكين لا يجدون من يدافع عنهم لا وزارة خارجية (النائمة!) ولا سفارة عراقية يمكن الاتصال بهم في حالة حدوث انتهاكات لبلدهم، وأنا أتعجب هنا كيف يستطيع الأجنبي الحصول على رقم سفارته؟ هل يطلبها من السلطات؟ أم ماذا؟ أم أنه مجرد ما أن يتصل أو يطلب رقم سفارته فتهب السفارة لعمل كل شيء لأنه بالتالي هو واحد من أبناء بلده وأنه يؤدي واجباته كمواطن؟ نحن حتى لم نستطع أن نذهب إلى المغاسل إلا بإذن من ضابط الخفر أو من ينوب عنه!! ولكن صدقوني سيأتي اليوم الذي تمتد فيه أيديهم إلى حاجات الناس الذين تحسبون لهم ألف حساب.
الكلام كثير وكثير ولا ينتهي ولكن هذا غيض من فيض ليوم وليلة والله اعلم بمن سبقونا ما عانوا منه والذين من بعدنا. كان الله في عون العراقيين ما يصيبهم من الأشقاء ومن غير الأشقاء في بلاد الله الواسعة.وأقول للحكومة الأردنية الموقرة لا تجعلوا من أبناء الرافدين يكرهون التعامل معكم لأن المنافذ الأخرى في المستقبل وربما المستقبل القريب ستكون مفتوحة وتكونوا عندئذ قد خسرتم شعباً وسوقاً تعرفونه جيداً كيف يدر عليكم من موارد. ولا أقول هذا إلا لأننا لا نريد أن نخسر واحداً من أشقائنا وأن الأخ لا يعوض يا أيها السادة المسؤولون في الأردن ولا تنصاعوا لتلك الأصوات النشاز ممن يحبّون الطغاة وليكون لكم بعد نظر وأن الذي حصل يا أيها الحكومة الأردنية ليس فعل شخصي بل هو كما نعتقد سياسة حكومة أو ربما سلوك وزارة لا تحب أن تتعامل مع العراقيين؟!!
وأقول لحكومتنا الموقرة المنتخبة من قبل الشعب الذي عانى ما عانى وللبرلمان الذي من المفروض أن يدافع عن حقوق أبناء هذا الوطن ولا أعتقد أنهم لا يعرفون بالذي يحصل للعراقيين عموما، ولوزارة الخارجية متمثلة بالوزير وسفاراتنا على وجه الخصوص، أن لا تنسوا أبناء شعبكم الذين انتخبوكم رغم التحديات الدموية والمخاطر التي واجهتهم، وهم رصيدكم الغالي الذي لا تحبون بالتأكيد أن تخسروه. أقول: أحبّوا شعبكم واعملوا له ما يحفظ له كرامته المهدورة على يد من هبّ ودبّ وأنها أمانة في أعناقكم كما قلتم حينها ولا تتنصلوا من واجباتكم اتجاهه وأن ما قلته امانة كلفّني بها عدد ممن عانوا من ذلك القليل ولربما هناك الكثير.
https://telegram.me/buratha