( بقلم : كامل محمد الاحمد )
لم تمر الا سويعات قلائل على اغتيال رياض النوري القيادي البارز في التيار الصدري وصهر مقتدى الصدر حتى راحت الانباء تتسرب من داخل مكتب الشهيد الصدر في مدينة النجف الاشرف حول حقيقة ما جرى، ولتؤشر بوصلة المواقف والاحداث الى ما يمكن ان نسميه بالمؤامرة المرتبطة بمؤامرة او مؤامرات سابقة، ويبدو انه اريد من الاخيرة ان تضيع معالم سابقاتها وتمزق صفحاتها، وتمحو ادلتها وشهودها!.
وحينما يتحدث جاسب النوري والد رياض النوري صراحة، ويوجه اصابع الاتهام الى جليل النوري ابن عم رياض وأحد قياديي جيش المهدي فهذا يعني ان هناك امورا حساسة وخطيرة، ومثلما يقولون فأن ما خفي قد يكون اعظم وادهى وامر. حيث يقول والد رياض "ان جليل النوري قائد السرايا الخاصة و ابن عم رياض هو الذي قتله، لوجود اختلافات حصلت بين رياض والمكتب-يقصد مكتب الشهيد الصدر-حول حل جيش المهدي، فرياض كان يؤيد حل الجيش و الاخرين كانوا يعارضون ورياض انعزل عنهم في الاونة الاخيرة".
ويذهب اخرون من عائلة رياض الى القول "أن احمد الشيباني الذي كان على اختلاف بارز مع رياض النوري قد هدده مرات عديدة ومن المحتمل ان الشيباني هو الذي امر بقتل النوري وهناك مطالبات في داخل التيار بمحاكمته على هذا الامر". وفي حال صحت مثل تلك الاقوال-واغلب الظن انها صحيحة-على ضوء الحقائق والمعطيات والظروف السيئة التي يعيشها التيار الصدري وجيش المهدي، لاسيما بعد الضربات القاصمة التي تعرض لها الاخير في محافظة البصرة ومحافظات اخرى، فأن ذلك يؤشر في جانب منه الى عمق الازمة الداخلية لذلك الكيان، وفي جانب اخر فأنه يمكن ان يفتح الباب واسعا هذه المرة وبصورة قد تكون مكشوفة على مزيد من الخلافات والصراعات والتجاذبات بين العناصر المتنفذة فيه، والتي تحكمها اجندات ومصالح وحسابات وارتباطات متناقضة، وقد لاتلتقي الا على مبدأ الاجرام والجريمة بكل اشكالهما وصورهما.
لكن مع رياض النوري، الذي كان يحمل في وقت من الاوقات رتبة مقدم في جهاز المخابرات الصدامية، تتخذ الامور طابعا اخرا، لاكثر من سبب. فرياض النوري احد الضالعين في مقتل السيد عبد المجيد الخوئي واشخاص اخرين قبل خمسة اعوام، وربما هو من يعرف كل التفاصيل والجزئيات والملابسات المتعلقة بخلفيات وحقيقة عملية القتل التي تمت بصورة وحشية وهمجية في مكان مقدس هو حرم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.
وبما ان القضية اثيرت من جديد من قبل عائلة السيد الخوئي التي رفعت دعوى قضائية على مقتدى الصدر امام محكمة رجال الدين في مدينة قم المقدسة، ولاحتمال جر رياض النوري وارغامه على كشف ما يعرفه من حقائق في غير صالح مقتدى، فأن خيار تصفيته ربما كان بمثابة "اخر الدواء الكي" بالنسبة لمقتدى الصدر واتباعه المقربين والذين يمكن ان يكونوا شركاء في الجريمة، رغم رابطة النسب والمصاهرة بين النوري والصدر.والامر الاخر هو ان رياض النوري الذي انزوى-او بدا منزويا-خلال الاعوام الاخيرة وبعيدا عن الاضواء ، لم يتوقف عن العمل والتحرك بطريقة متقاطعة مع عمل قيادات اخرى في التيار الصدري وجيش المهدي مثل احمد الشيباني ومصطفى العبيدي واخرين، وكانت التقارير التي ترفع الى مقتدى الصدر بشأن ذلك تتضمن الكثير من الحقائق الى جانب الكثير من الدس والتلفيق، بأسلوب يشبه الى حد كبير الاسلوب الذي كانت تكتب به التقارير الامنية والاستخباراتية لوكلاء ومنتسبي الاجهزة القمعية للنظام الصدامي البائد.
بعبارة اخرى انه اريد لرياض النوري ان يختفي من المشهد بصورة نهائية قبل ان تتفاعل الدعوى القضائية المرفوعية على مقتدى الصدر من قبل عائلة السيد الخوئي، واريد له ان يصفى لان مصالحه واجنداته اختلفت عن اجندات الاخرين من رفاق الامس، وجاءت الاحداث الاخيرة التي تسببت بمزيد من الضعف والارتباك والتشتت والتشرذم للتيار الصدري وجيش المهدي، لتجعل انهاء حياة النوري امرا اكثر الحاحا، خصوصا وانه كان من الداعين والمتحمسين بقوة لحل جيش المهدي، ولعل الرسالة المكتوبة بخط يده والموجهة لمقتدى الصدر والتي يطالبه فيها بالاسراع بحل الجيش لما سببه من مشاكل وازمات، تشكل دليلا قويا ودامغا على حقيقة توجهه الذي يبدو انه سرع في الاطاحة به.
ان قضية رياض النوري والطريقة التي انتهى بها تمثل الجزء الصغير من جبل الجليد الضخم من الصراعات والخلافات والمؤامرات، العائم تحت السطح، للتيار الصدري، فالكثيرون يتذكرون ويعرفون ان انشقاقات عديدة حصلت فيه على مر الاعوام الخمسة الماضية من قبل اشخاص بارزين فيه، مثل رياض النوري نفسه، وحيدر الجابري وعلي سميسم، ومؤيد الخزرجي، ووليد الزاملي، واحمد الشيباني، واخرهم عدنان الشحماني، الذي اعلن عن تأسيس التجمع الوطني العراقي، ليتعرض بعد فترة قصيرة الى محاولة اغتيال في العاصمة بغداد من رفاق الامس ايضا.
وهكذا فأن كل من يخرج عن التيار ويتمرد، او حتى يتبنى اراء ووجهات نظر مغايرة فأن مصيره القتل، وفي افضل الاحوال تشويه السمعة، فوكيل وزارة الصحة حاكم الزاملي وجه اصابع الاتهام لرفيقه السابق في التيار ووزير الصحة علي الشمري بأختطاف وكيل الوزارة المحسوب على حزب الدعوة الدكتور عمار الصفار، واتهم الزاملي الشمري بعد ان خرج هذا الاخير من التيار وانخرط مع الشحماني في تشكيله الجديد.
وهذا المنهج هو في واقع الامر منهج بعثي صدامي، كان معمولا به من قبل حزب البعث ضد كل من ينحرف عن الطريق ويتمرد بأي شكل من الاشكال. ورياض النوري كان واحدا من اصحاب ذلك المنهج، ليكون فيما بعد واحدا من ضحاياه، وبالتأكيد لن يكون النوري الاخير في قائمة الاستهداف والتصفية من قبل رفاقه.
كامل محمد الاحمد
https://telegram.me/buratha