المقالات

ليلة في أحضان البعث.. - فرع البحرين !

2495 18:20:00 2008-04-11

بقلم: حسين السنابسي

تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة لسقوط النظام البعثي السابق في العراق.. وأنا أتذكر هذا السقوط، وأتذكر ما اقترفه هذا الحزب بالشعب العراقي، وما صنعه من بطولات كارتونية، تذكرت أنني كنت عازم منذ عدة أشهر، وفي معرض عملي لإعداد ملف صحفي "بروفايلخاص حول حزب البعث في البحرين، إجراء مقابلة مع رئيس جمعية التجمع الديمقراطي الأستاذ رسول الجشي.

ولكثرة مشاغل "أبو غسان" –الجشي- كان التأجيل سيد الموقف في كل مرة، ، حتى جائت أكثر الأيام انفراجاً، إحدى ليالي شهر نوفمبر المنصرم، وكان اللقاء بمقر الجمعية الكائن بمنطقة الزنج !

لستُ عاشق لدخول مقار الجمعيات السياسية، ولم أدخل قط مقر جمعية سياسية، لغرض حضور حوار أو ما شابه ذلك، أتذكر مرة واحدة دخلت جمعية الوفاق، وكانت بدعوة من أحد زملاء الدراسة، بهدف تأسيس جمعية شبابية، لم تكن تابعة للوفاق على الرغم من عرض الوفاق مشروع احتضان، ولكن زميلي لم يكن وفاقي الهوى، ولم يقبل عقد الصفقة، ولم ترى النور لبرود الأعضاء المتحمسين بهوس تشكيل الجمعيات آنذاك!

فتشت عن مقر جمعية التجمع الديمقراطي بين بيوتات أهالي الزنج، فلم أجدها إلا بعد ساعة كاملة من البحث المضني، وبعد أن رافقني أحد أهالي الزنج –مشكوراً-، ليدلني على مقر هذه الجمعية، التي لم يعرفها هو الآخر إلا بعد إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، عندما هم بعض الغاضبون بحرق واجهة الجمعية إثر إقامتها تأبين للرئيس المخلوع، وثمة سؤال ملح في عيني المرافق، لماذا تبحث عن الجمعية؟ فأجبته دون سؤال، "لدي لقاء صحفي مع رئيس الجمعية"!! فضحك الرجل وقال : قرأت سؤالي دون ان أحرك لساني !!

وصلت للمكان، أوقفت محرك سيارتي، تابعت الخطوات لأدخل المقر، حاملاً بيدي مجموعة أوراق، وقلم، وورقة الأسئلة، ولكثرة مراجعتي الأسئلة نسيت دعاء دخول هذا المكان! فقد فاتني على ما يبدو !!

نفسي كانت متحمسة لمحاورة أسد البعث البحريني، وكانت الأسئلة التي حضرتها تتسابق في ذهني، لأمتحن إيمان "أبو غسان" بظلامية الحزب-آسف .. أقصد بنور البعث البهيج في أفئدة الموالين، أردت أن أرى ما إذا كان إيمان البعث مازال وقاداً في مهج المحبين، بعد إعدام أحد أعمدة قادة الحزب البعثي.

أستقبلتني إحدى الموظفات في الجمعية، ونصحتني بالجلوس في إحدى الغرف المخصصة لاستقبال الضيوف –كما ظننت- ولكنها في واقع الأمر مجلس لعقد الندوات وإلقاء المحاضرات.

تسللت ساقاي نحو ذلك المكان، وعندما واجهة الباب قدمت الرجل اليسرى، بعكس المأمول من تقديم اليمنى، لتستقبلني صورة كبيرة، لأسد البعث المخلوع المسجى، في قبر لجسد واحد لا شريك له، لا يشاركه فيه أحد، ليس قبراً جماعياً كما اعتاد رجالات هذا الحزب أن يدفنوا مناوئيه!!

وقفت برهة، -خُيل للبعض أنني أؤدي التحية للجنرال الراحل- أتأمل تلك الصورة، التي رسمت بيد مُحبه على الأرجح! مسترجعاً شريط الذكريات.. فتذكرت كل شئ أعرفه عن هذا الإنسان –مجازاً-، وعن العراق المأسور في قضبته منذ عقود من الزمن، تذكرت زيارتي الأولى للجمهورية العراقية عامي 1989 و 1996، وكيف كان يتعامل أفراد الشرطة البعثيون مع الزائرين، وكيف يستقبلون حجاج العراق في مطار بغداد الدولي، بصلافة ! وكيف كان الناس يمجدون هذا الرئيس من وراء قلوبهم خشية مقاصل الإعدام المجهزة مسبقاً! تذكرت خوف أحد العراقيين في النجف الأشرف بعدما انتقدت القائد العراقي وعمري لا يتجاوز التسع أعوام حينها، فقد كادت روحه ان تُزهق في مكانها، لمجرد انتقاد، هذه هي حقيقة حُب الشعب العراقيين تجلت منذ اللحظات الأولى لسقوط تمثال الصنم الصدامي !

تذكرت آلام الشعب العراقي الذي يحكمه هذا الرئيس المحنط، والمنتشرة صورة على حيطان ذلك المكان. تذكرت مرارة الشعب الكويتي، حينما باغتهم جار السوء، في فجر الثاني من أغسطس 1990، ليخرق مبادئ حرمة الجار والإسلام والعروبة!

تذكرت تلك الحفرة التي تعفن بها الرئيس الراحل، بعدما هرب مع جيشه في ليلة وضحاها كالجبناء، وهو يلوي برأسه أمام عدسات الكاميرا، تذكرت لحظة إعدامه وأفراح العراقيين وجميع الشعوب المضطهدة، التي خرجت مهلهلة بإعدام أعتى ديكتاتور في العالم.

جملة الذكريات طرأت في مخيلتي في لحظات قليلة، وأنا أنظر للرئيس "الحائطي" ! صور صنمية هي التي تبقت من أشلاء البعث، لم يبقى سوى ذكرى النصر والعدل الإلهي راسخة في ذهن الأنظمة الديكتاتورية!

أخذت الكرسي الأول من الباب، وكأن نفسي لا تريد الدخول في هذا المكان، أنتظر "أبو غسان"، وإذا بالشاي يقدمه إحد الموظفين الآسيويين!

ارتشفت منه قليلاً، وأنا أمحلق بعيناي زوايا المكان، وإذا بالتلفاز مُدار على القناة الكويتية العامة، لا أدري هل هي صدفة !!

لم يكن بالمقر سوى بضع أشخاص، ومع مرور الوقت تزايد عددهم، ليكتظ المكان بالنفس البعثي، ليتحول المكان ثكنة عسكرية بعثية !

أسترقت السمع، ليس خلسة! حيث كانت الأصوات مرتفعة في الممر المحاذي لمنضدة الاستقبال، لأتذكر بأن هذا الحديث سمعته من قبل زيارتي للجمهورية العراقية،إبان حكم صدام حسين، فقد كان حواراً مكرراً لعناصر البعث الذيم ملئوا المكان، وأيضاً قرأته في بعض المنتديات الإلكترونية التي تمجد الرئيس "الشهيد"!

كانت تذم في الشعب الكردي ، وتذكرهم ببطولات البعث والقصف الكياموي، بحجة الموالاة لإيران! وتهين الجمهورية الإيرانية، وتصفهم بالغباء والحمق، وتمجد مجاهدي "خلق"، وما يسمى بالمقاومة العراقية الموالية للحزب البعثي.

كان النقاش محتدماً جداً، وأكثر ما أستغربت منه، وجعلني لا أصدق بأنني أعيش في مملكة البحرين، بل في "فلوجة" البحرين، هو كلام أحد الأعضاء بعودة الحياة البعثية في العراق انطلاقاً من الخليج!! وكأنه سعيد الصحاف بنسخة بحرينية، يمارس دور وزير الإعلام "كلها مسرحية، وسيعود الحكم لحزب البعث، وليخسأ الخونة والعملاء لا سيما الإيرانيين منهم".

كانت المراهنات كما يبدو وافرة بين الأعضاء لإحياء الدماء البعثية، الموالية للنظام العراقي السابق. وفي زحام النقاش كان أحدهم يقول بما معناه " من تتوقعون في تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة بعد سقوط حكومة الاحتلال وعودة العراقيين الشرفاء؟" –وقد حددهم في زمرة البعث البائد!! -

يأملون بإعادة إحياء فكر البعث –النسخة العراقية-، ويعلقون آملاً كبيرة على ما يبدو بزيارة محمد الدوري آخر سفراء العراق في الأمم المتحدة، المرتقبة آنذاك، والذي اجتمعوا معه فيما بعد لساعات للتشاور في الطرق الجديدة لإحياء هذا الفكر! ولكن الدوري غادر وغادرت معه بوادر الأمل !

كان الحديث المحموم بالطعن حتى في جيران الخليج، نابعٌ من توظيف سياسي لا فكري كما يدعي البعثيون. بعد حوالي الساعة جاء أبو غسان، فقد كان ودوداً جداً، أخذني لمنضدة الاستقبال ، ليعتذر مجدداً عن التأخير، ويطلب التأجيل لما بعد المحاضرة التي سيلقيها الكاتب الصحفي غسان الشهابي، وافقت على ذلك، ولكنه عاد ليطلب التأجيل ليوم آخر، ودعاني لحضور الندوة، وكانت الآمال متصلة في حوار خاطف مع أبو غسان بعد انتهاء الندوة !

عدت لنفس المكان، لأشاهد أعضاء وأصدقاء الجمعية، كانت الوجوه مثلها في العراق، والنفس الفكري هو ذاته، تواجد أشخاص ليسوا بحرينيين، وكانت لهجتهم شامية، وأخرى عراقية، تذكرنا بمليشيا صدام ! كان خليطاً من جنسيات عربية، اشتركوا في حُب القائد، وحُب البعث، وخرافة إحياء حكم البعث !

جاء الشهابي ليلقي محاضرته، ولكني لم أكملها، حتى سئِمَت نفسي الجو العام، لأغادر المكان بعد أن أمضيت الساعتين في ليلة لن أنساها، هي ليلة في أحضان البعث- فرع البحرين !

في اليوم التالي، أعتذر الأستاذ رسول الجشي عن إجراء المقابلة، لأن الجمعية تستعد لمناسبة ما، عرفت فيما بعد بأنها زيارة محمد الدوري آخر سفراء العراق في الأمم المتحدة.

بعد انتهاء المكالمة مزقت ورقة الأسئلة التي أعددتها للجشي، وتمزق معها إسم الرئيس العراقي المخلوع، لتعذر الممتحن البعثي –فرع البحرين- عن حضور الإمتحان، فسقط الجشي عن المواجهة في المنامة، كما سقط صدام حسين في بغداد !

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عراقي
2008-04-14
الحج في اللغة: هو القصد للزيارة،
عراقي
2008-04-13
على صاحب جلالة البحرين (المعظم) أن يحذر جرذان البعث الغادر لانهم سيتطلعون لعرشه المبجل ليصبح البحرين وقائده الزروره على مقولة اخواننا الأكراد يصبح هذا الزروره قائدا للامه العربيه ويضم اليه محافظة قطر ومحافظة الكويت ليؤسس (أمه عربيه شارده ذات رساله حاسمه) والله اكبر وليخسأ الخاسئون
الملاك
2008-04-12
فقط عندي اعتراض على استخدام كلمة حجاج التي نستعملها عند حج بيت الله تعالى اما عند زيارة مراقد أئمتنا الطهار فنحن زوار ...بالنسبة للبعث والبعثييون فهم شر وبلاء وان شاء الله لاتقوم لهم قيامة في العراق وعلى الدول المتواجدون فيها اجتثاثهم والا ...
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك