( بقلم : علاء الخطيب )
لقاءان جمعا الشهيد محمد باقر الصدر وصدام, ولم يخطر على بال أحد أنهما سيلتقيان أو على الأقل اللقاء الثاني إذ لم يكن في نيتهما أن يلتقيا ولم يحددا موعد ومكان اللقاء الثاني لأنهم اتفقا أن لا يلتقيا, حيث تمخض لقاءهما الأول عن جملة من القرارات المهمة التي غيرت التاريخ العراقي وتاريخ المنطقة بأسرها , ولكنهما اتفقا على إدامة الصراع حيث تمسك كل ٌ منهما بمواقفه ,
فكانت الرؤى مختلفه والمواقف متباعدة , وأنى لهم اللقاء وكيف يكون اللقاء بين جلاد ٍ لايعرف معنى الحرية ولا يحترم الكلمة وبين رجل مستعد ان يقدم كل شئ من أجل شرف الكلمة ونشر الحرية ,غاب شخص الأول عن مسرح الا حداث وظن الثاني أن الصراع قد انتهى فأستوسقت له الامور وصفا له الملك فتجبر وعتا , ولكن القدر كان يعد للأمر ويرتب اللقاء الثاني , ولم يخطر على بال الجلاد نفسه أن يوما ً ما سيجمعه مع خصمه , وإن بَعُدَ الدهر وإستطال العذاب ولكن الصدر سيبقى يلاحقه ويقض مضجعه, إنها سنة الله التي خلت في الأولين ( وبشر القاتل بالقتل) , وكأن القدر كان يخبيء الكثير من المفاجئات وهوعلى موعد مع الأثنين, كان اللقاء الأول في بغداد في التاسع من نيسان مع تباشير الفجر الاولى في غرفة مظلمة شهدت وقوع الجريمة وأحتضنت دماء الضيف ودماء أخته التي رافقته وأبت أن تفارقه حيا ً وشهيدا ً,
لم يحضر اللقاء إلا ثلة من الذين توثبوا للجريمة والمرعوبين منها وجلاد متعطش لدماء ضيفه الذي أبى أن يساوم وكان يائساً من ان يعطيه الدنية فأختار له المنية ليثب غاضبا ً ويطلق النار ليسقط الصدر شهيد مواقفه ومبادئه وينتهي اللقاء,و يذهب الشهيد الصدر الى ربه آمنا ً مطمئناً ليستقر في مثواه الذي حاول عدوه ان يخفيه لكن القدر وحده الذي يفاجئ الجميع فيظهر القبر على يد من خُبيء لهذه المهمة, بعد أن تقادت الايام وأندرست القبورالتي حوله إلا قبره ليكون محجة ً للأحرار وكعبة للحالمين بالحرية وفضاءاً للكلمة وشرفها .
وتمضي السنين لتستعد بغداد للقاء الثاني المكان ذات المكان والزمان هو ذاته التاسع من نيسان صباحا ً ولكن هذه المرة حظر اللقاء وتابعه الملايين ليهوي الجلاد من عرشه ليستقر في سقر وترتفع صور الشهيد الصدر واسمه عالياً لم يكن الشهيد الصدر حاضرا ً في اللقاء الثاني جسدا لكنه حضر روحاً ولعل الصدر ظل يلاحق صدام حتى حينما التف حبل العدالة الالهية حول رقبته , فكانت أخر الكلمات التي سمعها هي (عاش عاش عاش الصدر) لينتهي اللقاء , ومضى الصدر الى ربه وهو يتأمل ويحلم بالعراق كل العراق موطنه الذي أحتضن تجربته وحلمه والمكان الذي تبلورت فيه أفكاره الفذة وطموحاته الكبيرة ولعله اليوم يتفجع الى الحال والمآل الذي آل اليه وطنه وحبه الكبير. العراق الذي دفع دمه الزكي ثمنا ً لحريته , العراق الذي تعشقه وعشق شعبه على إختلاف مشاربه وإنتماءاته فهو مع السني والشيعي والكوردي والعربي والمسلم والمسيحي على حدٍ سواء مادام الجميع مع العراق, فهو اليوم (أي العراق) بعيدا عن الصورة التي رسمها له , فهناك العراق الرازح تحت الإحتلال والمذبوح على مذبح الخرائط والإنتماءات الطائفية والمصالح الفئوية, ومصالح دول الجوار التي ما فتأت تكيد له وتدفع الاذى عنها بحرقه وقتل أبناءه وسرقة ثرواته وتبديدها, العراق المقيد بالفصل السابع والمأسور من قبل المليشيات, ولعل قلبه ينزف دما لما يجري على أيدي أؤلئك الذين يشوهون مبادئه وينادون بأسمه ويسؤون لروحه, وهم لروح خصمه أقرب , أؤلئك الذين لا هم لهم إلا الاساءة للعراقيين وسرقة الفرح من قلوبهم والبسمة من شفاه أطفالهم , أولئك الخوارج عن نهجه والخارجين عن القانون المتلبسين بزيه, ولعل جرحه الاعمق هو حينما يرددون اسمه ويرفعون صوره وهو منهم بَراء ,
لم يندمل جرحك النازف يا ابا جعفر مادام العراق ينزف ومادام الصراع بينك وبين الجلاد قائم رغم إختفاء شخوصكما عن مسرح الاحداث , لقد كنت الصوت الذي ترجم مظلومية شعبك وقلت للعالم ان في العراق قلب نابض ودم يجري وفيه حرارة الشوق للحرية والكرامة مجسدا في موقفك العظيم أمام أعتى أنظمة العلم دكتاتوريتا ً الشجاعه و الثبات على المبدأ ولم تهن ولم تنكل, ولكن لم يبلغ الكلام مداه و أنت تتقلب وتنتظر حلمك يتحقق وترى شمس الحرية تشرق في وطنك, وترى رؤاك التي طالما ناديت بها متجسدة على ارض الواقع , نعم هناك الان من الصوت النشاز الكثير ولكن هناك أيظأ رجال تواثقوا وتحالفوا أن لايبيت ببطن العراق ظالم , فنم قرير العين أبا جعفر وأنا اعلم أنك متألم,
ولكن المستقبل للنور في العراق ولا مكان للظلام والمكان للحرية ولا مكان للقيود, هكذا حلمت وحلمنا معك وهكذا ضحيت ونضحي معك ,لأنك حلمت وضحيت كعراقي أصيل ولم يخطر ببالك انك محمد باقر الصدر المرجع أو المفكر الكبير لم يشغلك الاسم ولا المنصب , فرفضت حقك الشخصي بكتابة اسمك على كتابك ( اقتصادنا ) وأردت أن يكون باسم جماعة العلماء ورفضت كل عروض الاغراء رغم ان الدنيا سجدت عند أعتابك فطلقتها ثلاثا ً لأن همك الاسلام و العراق وهمك الانسان أولا ً, فعشت حيا ً وطبت ميتا ً وخَلـُدت في قلوب العراقيين مادام للعراق فسحة من الحياة وأمل في الحرية .
علاء الخطيب/ أكاديمي عراقي
https://telegram.me/buratha