بقلم المهندس والاعلامي : حازم خوير
للوهلة الاول يشير عنوان هذا المقال الى مشروع تنموي اقتصادي خيري واساس يستحق التحضير والتاسيس له لبناء مجتمع يعتمد الاساليب التي تكرس مبادئ تقديم يد العون للمعوزين والفقراء وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة .
وكحقيقة لا معقولة يتناولها المعنيون بالدفع في حديثهم وجدالاتهم ، بازدراء مغلظ، ظهر ان هذا المشروع يتبناه احد مجالس المحافظات العراقية المظلومة ويقضي باستقطاع مبلغا قدره (1000 دينار ) من الرواتب الشهرية لجميع الكوادر التعليمية في المدارس ومعاهد المعلمين والمعلمات ورياض الاطفال دعما للفقراء ،والاغرب من ذلك ان ذلك المجلس يصدر اوامره بضرورة حصوله على اسماء الممتنعين عن الدفع !!
وبالرغم من ان توجهات هذا المشروع واهدافه المعلنة تبدو منطقية وذات ابعاد انسانية الا انه بالمقابل يعد مهزلة تحمل في طياتها شمول هذه الشريحة من المظلومين بالاستقطاعات دون غيرهم من الاختصاصات الاخرى كالاطباء ومنتسبي الاجهزة الامنية والمدراء العامين وكوادر هيئة الاعمار فضلا عن اعضاء المجلس انفسهم ،كذلك فان للقرار تاثيرات نفسية عكسية على هذه الشريحة من المجتمع التي لا تضاهيها شريحة اخرى في البناء والرقي والتربية لاجيال مضت واخرى ستاتي .
ففي الوقت الذي كان المعلم يعاني ما يعانيه في زمن النظام البائد من الاضطهاد والملاحقة ،ويمارس مهنته التعليمية براتب شهري لا يتجاوز (3000 دينار ) اي ما يعادل حينها (دولارا واحدا لاغير ) شهريا! تتساقط مطارق عديدة على كاهله في مقابل تعديل راتبه الى حد ما ، ومن تلك المطارق والضغوطات :القوة الشرائية الضعيفة حاليا نسبة الى واقع السوق المحلية والخدمات التي ارتفعت الى مئات بل الاف الاضعاف مطلع عام 2008 كالكهرباء والماء والوقود والنقل والاتصالات السلكية والسلع الاستهلاكية وغيرها، مع ازدياد اقيام مبالغ الاستقطاعات التقاعدية ،فضلا عن الفارق الكبير بين رواتب المعلمين في (15) محافظة عراقية من جهة وبين رواتبهم في محافظات كردستان العراق الثلاثة من جهة اخرى.
وحيث ان السلطة التنفيذية وبالاتفاق مع وزارة التربية مارست دور الابوة لكل المشاريع الخيرية وتشترط وبقرار لا مناص من تنفيذه ان يكون صندوق ايداع تلك الاستقطاعات في مجلسها (المنتخب) وتصرف امواله باليات خاصة تسن فيما بعد من قبل نفس السلطة ،نتساءل هنا : اليس من الاولى توزيع مايتبقى من ميزانية المحافظة السنوية على ابنائها بدلا من ارجاعها الى الخزينة المركزية بالتالي خلق العديد من الاشكاليات في مجلس النواب العراقي في اقرار الميزانية الفيدرالية من خلال منطقية الجدل حول تلك الاقيام ومن جميع المحافظات ما ادى الى تاخير اقرار تلك الميزانية الى اربعة اشهر تقريباهذا العام 2008م ؟حيث ان ميزانية كل محافظة حددت حسب الدستور على اساس التعداد السكاني لتلك المحافظة ما يعني انها حق صرف لابنائها من عائدات الثروة النفطية التي تعود ملكيتها لهم بالاصل، وان لااحد يحق له التصرف بها حسب اهوائه الشخصية .
وينبغي هنا الاشارة الى ان طلب ذلك المجلس( المنتخب ديمقراطيا )!اسماء الممتنعين عن الدفع يعد استفزازا واضحا والعودة لممارسة السوط واللقمة من جديد مع هذه الشريحة المظلومة ،ويالاسف فان هذا سيجعل المشروع برمته عبارة عن مصادرة للحريات وسلبا للحقوق وهذا يعد منافيا لفقرات الدستور العراقي في بلد اراد شعبه ان بكرامة وسلام .
كما واننا لو افترضنا ان المشروع بمثابة تسول معلن فلا احد من العقلاء يقبل ان يجحف المتسول ويبتز المقابل لاجل حصوله على حفنة من الدنانير وبهذا يكون المشروع مخالفا للتشريعات الاسلامية التي استند عليها في سن فقرات وقوانين الدستور العراقي الجديد الذي صوت له (8 مليون مواطن) بل انه مخالفا للتشريعات الغير اسلامية .ان الكثير من سياسة مجالس المحافظات في مجالات : الاعمار والاقتصاد والزراعة والخدمات الاخرى تعد هشة وهزيلة وتفتقد الى الشفافية كما ان فيها الكثير من الاخطاء التي تكبد الدولة وفي حقيقة الامر هدر اموال الناس وحقوقم من عائدات النفط ،كما تعتبر مضيعة للوقت في احيان اخرى ،هذا في مقابل النزر اليسير الذي لا يتناسب وعمر الحكومة المركزية والحكومات المحلية ،وحجم الاموال الطائلة التي هي تحت تصرف مجالس المحافظات والدوائر والهيئات واللجان المنفذة .
وهنا ندعو الى الوقوف بحزم وجدية ومن خلال جميع الممارسات الديمقراطية والقانونية الى معارضة هذا القرار والقرارات الشبيهة له والى اعطاء حقوق المعلم كاملة ، واشعاره باهميته وكيانه لا بسلبه حقوقه وحرياته كذلك الشرائح الاخرى، والى اتباع الاساليب المنطقية والاخلاقية والشرعية في استصدار القرارات والتوجيهات من قبل السلطات التشريعية المركزية والمحلية وبما يتلاءم مع مصالح الناس في ذلك البلد او أي اقليم من اقاليمه ،كذلك اتباع وتطبيق توصيات المرجعية الدينية وعلى راسها الامام السيد السيستاني (دام ظله الوارف) بتحقيق توازن عادل بين مستويات الرواتب العالية وبين المتدنية بدلا من ضرب تلك الوصايا عرض الجدار ،ما ادى الى خلق احقاد فئوية وعدم تطبيق العدالة كما يجب داخل المجتمع ،والى حالة من الطبقية وضياع الحقوق ومشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة لا مجال لطرحها ،وقد ادى ذلك بالنتيجة الى معارضة الناس للكثير من القوانين لتقاطعها مع مصالحهم التي انتخبوا تلك الحكومات لرعايتها وتحقيقها.
https://telegram.me/buratha