لا أدري لماذا لم أستغرب وأنا أطالع افتتاحية جريدة ما يسمى ب(إشراقات الصدر) في عددها الصادر يوم الأحد 1632008 وأنا أرى المدعو فتاح الشيخ وهو يتهجم بلسان لا يختلف عن لسان أي بعثي على المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ففتاح الشيخ وكيل المخابرات العراقية السابقة المعتقل في إيران سابقاً بتهمة الانتساب للمخابرات الصدامية، والمطرود إلى سوريا متجسساً في أيام المعارضة لحساب المخابرات لا يمكن له ان ينزع جلده ويتغير، كما لا يمكن أن يتنكر لخط الرفيق الوالد ((زوج جاسمية)) والذي طالما تسبب باعتقالات المؤمنين في مدينة الصدر في بغداد.
الرفيق فتاح الشيخ كتب في افتتاحيته المعنونة: (عملاء في وضح النهار) وهو يتحدث عن موقف المجلس الأعلى الإسلامي العراقي المتحفظ بشأن توصيات مؤتمر البرلمانيين العرب الأخير في أربيل بشأن الجزر الثلاث (طنب الكبرى والصغرى وابو موسى) وراح يردد فيها نفس السمفونية البعثية حول العروبة وعروبة الجزر والهوية العربية والعراق العربي واخوة المحيط إلى الخليج وما إلى ذلك من ترانيم حزب البعث وكابينته الاعلامية، وقد خلص إلى القول عن العملاء في وضح النهار وموقفهم: ((أثار موقفهم جملة من التساؤلات وضعت أكثر من علامة استفهام ليس لدى الأوساط البرلمانية فحسب، بل حتى على مستوى الشارع العربي بصورة عامة والعراقي بشكل خاص عن المغزى الحقيقي وراء هذا التحفظ، وعن سر العلاقة التي بات من الواضح أنها ليست تبادل مصالح كما يدعي البعض، بل إنها أصبحت أكثر من مصيرية، ربما يقول البعض إن هذا التحفظ قد جاء من الأخوة في المجلس الأعلى (لماذا أخوة وهم عملاء في وضح النهار ياابن الرفيق؟) كرد جميل على حسن الضيافة التي قدمتها لهم طهران طيلة السنون التي مكثوا فيها على الأراضي الإيرانية والتسهيلات التي قدمت لهم من تلك الدولة الجارة... ولكن هل يعقل أن يتم ذلك على حساب الانتماء العروبي للعراق والانسلاخ عن المحيط العربي إلخ)).
ونحن لسنا بصدد الدفاع عن موقف المجلس الأعلى وتبيانه فلهم آلياتهم لكي يوضحوا مواقفهم، وفي غالبية ما سمعت من تعليقات مسؤوليهم كانت أكثر من كافية، ولكن يهمني جداً أن أقف عند ثقافة العصابات البعثية المقنعة، ففتاح الشيخ الذي سبقأن حصل على تمويل جريدته الملونة من الإمارات تحديدا، من الطبيعي أن يكتب ذلك ويدافع، ومن حقه أن يدافع عن أية فكرة، ولكن أن يصوغ الاتهامات بهذه الطريقة، فإنه لايتجاوز الخطوط الحمر، وإنما يكشف نقابا لم نخل يوماً أنه خاف على الكثيرين.
ومن الواضح إن مواقف الجهات المسؤولة عن الوطن، لن تتطابق مطلقاً مع مواقف جهات لم تعرف للقانون حرمة، ولم ترعوي عن انتهاك حرمة الدين ولو لمرة، وإذا كان من الطبيعي أن يقف المجلس الأعلى هذا الموقف في مؤتمر أربيل، لأن العبارات التي كتبها ممثل الإمارات كانت عدوانية كما عبّر عن ذلك تصريح أحد مسؤولي المؤتمرـ وهي عبارات غابت تماما عن الإماراتيين يوم أن قدموا الجزر للشاه المقبور وسط معاهدة دولية بينهما ـ إلا إن من الواضح إن هناك أمور عديدة تشغل السياسي المسؤول ويعطيها أولوية، فعمليات الاستقطاب القومي انتهت عريبا قبل أن تسقط عراقيا، وقد سقط العرب جميعاً في درس العراق، واكثرهم سقوطا كانت نفس الإمارات، فهل نقول إن ترك الأبواب مفتوحة من قبل الإماراتيين لكي يتم دعم الإرهابيين في بغداد والجنوب والوسط لا سيما العصابات البعثية المقنعة يمثل التزاما إماراتياً بعروبة العراق؟ وهل تفرج جميع العرب على مذابح العراق يمثل إجماعاً عربيا بعوبة العراق، لن نضحك على أنفسنا ولن يضحك أحد علينا بمقولات صدام وأيتامه، فالعرب متى ما أثبتوا أنهم يعتقدون أن العراق بلد منهم ولهم وعليهم التزامات عروبة العراق، عندئذ سيكون لكل حادث حديث!!
أما وقد جاء العراق الجديد فالعراق لن يكون عدوانياً ضد طرف، قد يتفهم الكثير من المواقف، ولكن من لا يريد أن يعتدي يجب عليه أن لا يسابق للتخندق في هذه الجبهة أو تلك، وقد ولت سياسة الاستعداء للجيران، ونحن نريد ـ والعراق لما يزل جريحا ـ أن نتعافى من جراحنا، ولهذا لا يمكن أن ندخل في مزايدات لم تغني قبل ذلك لأصحابها شيئا فضلاً عن غيرهم.
لقد اثبتت سياسة المجلس الأعلى التوازنية ـ رغم صعوبتها الفائقة وحاجتها الشديدة لضبط النفس ـ قدرتها الكبيرة على جمع المتصارعين، ونجاح المجلس الأعلى في جمع العدوين اللدودين (أمريكا وإيران) للجلوس على طاولة واحدة للتفاهم حول مصالح العراق، ولهذا لا يمكن أن نرى من المجلس الأعلى غير هذا الموقف الذي يريد أن يبقى من الجميع على مسافة واحدة لكي يكون فاعلا مع الجميع.
ولو كانت قضية الجزر شغل الإمارات الشاغل لماذا لا تلجأ لى المحاكم الدولية بدلا من الصخب الإعلامي واستعداء الآخرين كما فعلت البحرين وقطر لحسم مشكلة جزر حوار وغيرها.
على أي حال ثمة فرق بين الموقفين موقف مسؤولي مشروع بناء بلد ونظام حكم، وأصحاب مسؤولية بناء وطن جريح تتقاسمه ميول خطيرة، وتهيمن عليه عصابات الجريمة المقنعة البعثية والتكفيرية، وتحتوشه بلدان الجوار ومصالحها المتناقضة، وتتلاعب فيه ميول المتمولين من خارج الحدود الذين كان الفقر يأكلهم فعلت بهم سياسة الحواسم وسياسة الاختطاف من أجل المال أو القتل، وسياسة فرض الخوات على المقاولين وغيرهم في مناطقنا، وهذا الفرق هو فرق الحكماء عن المفلسين الجهلة الذين لا يملكون من أمرهم غير الشتائم لكي يعربوا عن وجودهم.
وهو نفس الفرق بين فتاح الشيخ الذي كان عميلاً للمخابرات الصدامية سابقاً وتقنّع دينيا لاحقاً، وبين من عمّد مسيرته بأزكى الدماء وبأعز التضحيات، ومن يكون في حصيلته دم كدم شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)؟ وجهاد كجهاد فيلق بدر لا نستغرب أن يتطاول عليه أبناء البعثيين وأحفادهم ووارثيهم، فهو درس التاريخ، وتبقى المسيرة والقافلة تسير، وعليها دوما أن تتوقع أن نجاحها له ضريبة استعداء الفاشلين.
https://telegram.me/buratha