المقالات

نافذة على مواقف المرجعية العليا (مقدمات العملية الانتخابية)


د. علي فاضل الدفَّاعي||

مع بداية الاحتجاجات الشعبية وتصاعد حدتها في شهر تشرين الاول الماضي، وفي ظل مشاعر عالية من اليأس والاحباط والفوضى وضياع البوصلة لم تَسلَم من تدخلات اجنبية، اضائت المرجعية العليا طريق الامل في 25 / 10 / 2019 بكلمتها للمحتجين ولجميع العراقيين بقولها: (ان الاصلاح الحقيقي ممكن اذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بمطالب محددة). ثم توالت بعد ذلك توجيهاتها ورعايتها للمطالب الاصلاحية الحقّة، والدفاع عن المتظاهرين السلميين.

في أدناه رصدٌ موجز نُطلُّ من خلاله على موضوع محدد أولته المرجعية العليا أولوية كبيرة ألا وهو موضوع (الانتخابات المبكرة) وبيان رؤية المرجعية الدينية التي طرحتها وأكّدت عليها لأكثر من مرة، لتكون مطلباً وطنياً عاماً يتبناه المحتجّون السلميون للضغط على مجلس النواب من أجل الحفاظ على أصوات الناخبين ولأعادة الثقة بالعملية الانتخابية من خلال اعتماد مقدمات مناسبة لها.

من المهم بدايةً ان نذكّر بلقاء سماحة المرجع الاعلى مع ممثلة بعثة الامم المتحدة السيد جنين بلاسخارت بتاريخ 11/11 / 2019 حيث أبدى بشكل واضح القلق من ان لا تكون لدى الجهات المعنية جدية كافية في تنفيذ أي اصلاح حقيقي، ومن هنا يتبيّن أهمية الموضوع بل خطورته.

في 15 / 11 / 2019 بيّنت المرجعية العليا أنّه من الاهمية بمكان الاسراع في اقرار قانون منصف للانتخابات يُعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية ولا يتحيّز للاحزاب والتيارات السياسية ويمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية اذا اراد الشعب تغييرها واستبدالها بوجوه جديدة، ان اقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولا ولاجدوى منه، كما يتعين اقرار قانون جديد للمفوضية التي يُعهد اليها بالاشراف على اجراء الانتخابات بحيث يوثق بحياديتها ومهنيتها وتحظى بالمصداقية والقبول الشعبي.

في 22 / 11 / 2019 أكّدت ما سبق منها إذ تُشدد على ضرورة الاسراع في انجاز قانون الانتخابات وقانون مفوضيتها لانهما يُمهدان لتجاوز الازمة الكبيرة التي يمر بها البلد .

في 29 / 11 / 2019 أكّدت دعوتها لمجلس النواب الى الاسراع في اقرار حزمة التشريعات الانتخابية بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لاجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن ارادة الشعب العراقي، فإن التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار الذي هو المدخل المناسب لتجاوز الازمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور سيكلف البلاد ثمنا باهضاً وسيندم الجميع.

في 20 / 12 / 2019 ذكّرت بقولها: وقد أشرنا في خطبة سابقة الى ان الشعب هو مصدر السلطات ومنه تستمد شرعيتها ـ كما ينص عليه الدستورـ وعلى ذلك فإنّ أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي ـ لا سمح الله ـ هو الرجوع الى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية. ولكن الملاحظ تعرقل إقرار قانون الانتخابات الى اليوم وتفاقم الخلاف بشأن بعض مواده الرئيسة، وهنا نؤكد مرة أخرى على ضرورة الاسراع في إقراره وأن يكون منسجماً مع تطلعات الناخبين، يقرّبهم من ممثليهم، ويرعى حرمة أصواتهم ولا يسمح بالالتفاف عليها. إنّ اقرار قانون لا يكون بهذه الصفة لن يساعد على تجاوز الأزمة الحالية.

واذا تمّ إقرار قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة، لكي تكون على إستعداد لعرضها على الناخبين في أوان الانتخابات، ويتم التثقيف على التنافس فيها لا على أساس الانتماءات المناطقية او العشائرية أو المذهبية للمرشحين بل بالنظر الى ما يتصفون به من كفاءة ومؤهلات وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبل أفضل.

في 31 / 1 / 2020 ذكّرت بأنّ الرجوع الى صناديق الاقتراع لتحديد ما يرتئيه الشعب هو الخيار المناسب في الوضع الحاضر، بالنظر الى الانقسامات التي تشهدها القوى السياسية من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها فيما يحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، وتعذر اتفاقها على اجراء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها معظم المواطنين، مما يعرّض البلد لمزيد من المخاطر والمشاكل، فيتحتم الاسراع في اجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته ويكون  مجلس النواب القادم المنبثق عن ارادته الحرة هو المعنيّ باتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية التي تحدد مستقبل البلد ولا سيما فيما يخص المحافظة على سيادته واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً.

في 13 / 9 / 2020 وفي معرض لقاء سماحته مع ممثلة بعثة الامم المتحدة أكّد بأن الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في العام القادم تحظى بأهمية بالغة، ويجب أن توفر لها الشروط الضرورية التي تضفي على نتائجها درجة عالية من المصداقية، ليتشجع المواطنون على المشاركة فيها بصورة واسعة. ولهذا الغرض لا بد من أن تجرى وفق قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسية، كما لا بد من أن تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل اجرائها، ويتم الاشراف والرقابة عليها بصورة جادة بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة.

ثم وضّح سماحته مسألة مهمة وهي أن الانتخابات المبكرة ليست هدفاً بحد ذاتها، وإنما هي المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن الذي يعاني منه البلد نتيجة لتراكم أزماته سياسياً واقتصادياً وأمنياً وصحياً وخدمياً وغير ذلك، فلا بد من أن تتاح الفرصة للمواطنين بأن يجددوا النظر في خياراتهم السياسية وينتخبوا بكل حرية وبعيداً عن أي ضغط من هنا أو هناك ممثليهم في مجلس النواب القادم، ليكون مؤهلاً للعمل باتجاه حلّ المشاكل والأزمات.

ومحذّراً في نهاية اللقاء بأن مزيداً من التأخير في اجراء الانتخابات أو اجراءها من دون توفير الشروط اللازمة لإنجاحها بحيث لا تكون نتائجها مقنعة لمعظم المواطنين سيؤدي الى تعميق مشاكل البلد والوصول ـ لا سمح الله ـ الى وضع يهدد وحدته ومستقبل أبنائه، وستندم عليه جميع الأطراف المعنية الممسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر.

قد لاتحتاج كل هذه التوصيات مع وضوح معناها وتكرارها المُلفت للنظر الى اكثر من التذكير بها لاغير، خصوصاً بعد مُضي سنةٍ على بداية الاحتجاجات الشعبية، وما يُرجى لها من نتائج تنسجم مع تطلعات المحتجّين السلميين، وتصبُّ في مصلحة عموم المواطنين والتي من المؤمل ان تكون من خلال التعبير عن ارادتهم بصناديق الانتخابات الموثوق بها، إلا أني أرى ممن المناسب التأكيد على نقطتين مهمتين.

الاولى: الاشارةُ الى القناعة المسبقة لدى سماحة المرجع الاعلى بأن ثمة قلقاً لا يستهان به من ان لاتكون لدى الجهات المعنية جدية كافية في تنفيذ أي اصلاح حقيقي. لذلك عمد الى التكرار والاعادة مرةً بعد أخرى ليذكّر الجماهير بهذا المطلب الجوهري المتمثل بتحضير المقدمات المناسبة للانتخبات المبكرة حتى تكون نتائجها مرضيةً لغالبية المواطنين ومنسجمة مع تطلعاتهم في التغيير، وليكونوا واعين لدورهم وعارفين بمسؤوليتهم الرقابية في المتابعة والضغط.

أمّا النقطة الثانية: فهي التحذير الجاد لجميع الاطراف وفي مقدمتها القوى السياسية في السلطة من الزيادة في مشاكل البلد الى درجةٍ تتهدد معها وحدة العراق ومستقبل ابنائه، اذا استمر التسويف والمماطلة وعدم الاستجابة لمتطلبات المرحلة، ولا يشُكنّ احدٌ بفراسة السيد السيستاني واستشرافه للمستقبل!! فإنّ معصية الناصح الشفيق العالم المجرب _كما أخبر امير المؤمنين_ تورثُ الحسرةَ وتعقبُ الندامة، فإنّ ثمرة التفريط الندامة وثمرة الحزم السلامة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك