بقلم: ابن كربلاء
في عديد الروايات عن الرسول والأئمة التي تطالعنا بشأن كربلاء المقدسة نقف على حقيقة مفادها أن لهذه التربة خصوصية غير متوفرة حتى لمكة والمدينة، أي بقعة وصفت بأنها من بقع الجنة؟! وأي ترعة نعتت بأنها من أفضل وأطهر الترع ليس في الدنيا فحسب بل في الدنيا والآخرة؟! وأي تربة يعد السجود عليها خرقا للحجب بل أنه ينوّر إلى الأرضين السبعة غير تربة الإمام الحسين في كربلاء؟! واثبات الشيء لا ينفي ما عداه، هذه الروايات التي جاءت لتبين مقام كربلاء لا تقلل من شأن وعظمة النجف الأشرف بيد أنها وغيرها من المدن المقدسة لم تصل إلى مرتبة كربلاء في العلو والمقام والأفضلية لخصوصية في الإمام الحسين عليه السلام، ذكرها المعصومون قبل إمامته وبعدها من أن جميعهم سفن النجاة ولكن سفينة الحسين أوسع وأسرع.
ليس هذا مورد بحثنا وإنما ألمعنا إليه توطئة للدخول في موضوع إعمار المدن المقدسة لا سيما بعد انعتاقها من عهود الأنظمة الطائفية البغيضة، واجراء مقارنة بسيطة بين الإعمار في النجف وكربلاء تتجلى مدى المظلومية التي تقع تحت ظلالها محافظة كربلاء ولا أدري أنه تقصير من قبل الحكومة أو قصور في المسؤولين أو كلاهما!!! وفي هذه العجالة نستعرض على أرض الواقع ما يجري في كلتا المدينتين لنخرج بعلاجات لعلها تكون مفيدة لتك المدينة المظلومة!!!
كفاك أن تلقي نظرة عابرة في مواقع الأنترنيت لكي تستطلع مدى الإعمار والمشاريع التي تنجز أو هي في طريقها للإنجاز في محافظة النجف الأشرف، لقد تخطوا بعد نكبة النجف الأخيرة كل الصعاب وشمروا عن سواعدهم قبل سنتين وأكملوا المجاري وأكسوا الشوارع ونصبوا الأرصفة وأكسوها بالشتايكر وبعد ذلك عرجوا على انعاش الحدائق والجزرات الوسطية وليس آخرها المنتجع السياحي لاستراحة الزائرين الواقع بين مرقدي مسلم بن عقيل وميثم التمار، والآن يفكرون بمشاريع استراتيجية على أرض الواقع، في تموز المقبل يتم افتتاح المطار وبدأوا بانشاء المحطة الكهربائية الغازية في الحيدرية، ومشاريع محطات الوقود والماء والمجسرات قائمة على قدم وساق إضافة إلى البدء بتشغيل المصانع والمعامل وإزالة بيوت ومحلات التجاوز وخصوصا المحاذية للطرق الرئيسية بما تشكله من تشويه منظر المدينة وربما تكون في بعض أماكنها حواضن للإرهاب وبؤر للفساد والجريمة، وتطالعنا الأخبار في النجف الأشرف كل يوم بما هو جديد ما بين استثمار وافتتاح مشاريع وتخطيط عمراني ومطالبة بحقوقهم المضيعة، والخلاصة أن مجلس المحافظة منسجم ومتكاتف وهو عبارة عن كتلة ملتهبة من النشاط والحيوية والحرقة على مدينتهم فأنهم آخذين بناصيتها إلى مصاف المدن المتطورة في العالم...في المقابل نجد كربلاء ما عدى المجاري المنجزة في معظم الأحياء بالرغم ما يشوبها بعض الإعتراضات من ذوي الإختصاص، فإن المدينة يلفها الهجران والنسيان وانعدام الخدمات وأن الكثير من الساحات والجزرات الوسطية والشوارع قد خربت وتحولت إلى أكوام من الأتربة والنفايات بهدف تسليك المجاري وأنها بقيت على حالها بالرغم من انجاز المجاري في بعض المناطق قبل أكثر من عام، وأن المشاريع الإستراتيجية من قبيل المطار ومحطات الوقود والكهرباء والمجسرات والأنفاق ما زالت حبرا على ورق وهواء في شبك، علاوة على إلقاء نظرة واحدة إلى عناوين المواقع الألكترونية تطالعنا أن الأجهزة الأمنية في كربلاء قد ألقت القبض على عصابات القتل والسرقة والعثور على أكداس من الأسلحة والأعتدة وأن هذه الأمور وإن كانت مهمة وتشكر عليها الأجهزة الأمنية بيد أنها أصبحت في كربلاء شغلها الشاغل من دون أن تصبح أرضية لتوفر الأمن تمهيدا للبدء في الإعمار واستقطاب المستثمرين المحليين والأجانب كما هو حاصل في النجف الأشرف.
لعل سبب الهجران والنسيان الذي يلف مدينة كربلاء هو التشرذم والإختلاف الذي يلف أعضاء مجلس محافظة كربلاء إضافة إلى أن الغالبية العظمى من أعضاءه هم غير كربلائيين ونحن هنا لا نعزف على وتر الإنتماء الجغرافي بقدر ما يهمنا من تماسك الأعضاء وحرقتهم على مدينتهم المقدسة مثلما هو حاصل في النجف الأشرف، والسبب الرئيسي في ذلك أن معظم المسؤولين في مجلس محافظة كربلاء كانوا رهائن بأيدي الإرهابيين في نفس المجلس قبل أحداث شعبان الدامية عام 1428هـ.
والعجب كل العجب أن مجلس المحافظة كان وما زال يستنكف بإرادة منه أو بضغوط من عصابات البعث المقنعة آنذاك الجلوس مع القوات الأمريكية لأنها (محتلة) والحين أن رئيس الوزراء (نوري المالكي) يجلس ويتحدث مع الأمريكان للتنسيق والحفاظ على الإمتيازات التي تحققت للأكثرية، وهذه المقاطعة التي يتبناها مجلس المحافظة باتت اسطوانة مشروخة وقد فقدت مسوغاتها في الوقت الحاضر وأنها لا تغني ولا تسمن من جوع، ومن الغباء أن تتبنى مجموعة سياسية تقول أنها حريصة على مصلحة الوطن والمواطن أن تتبنى سياسة (رجل مع الإرهاب في قبول طروحاتهم من مقاطعة الإحتلال ورجل في العملية السياسية) وليعلم مجلس محافظة كربلاء أن المسألة تتعلق بالمصلحة العامة وهي ضرورة التعاون مع القوات الأمريكية لا من أجل عيونهم بل من أجل راحة المواطن وتوفير الخدمة له، لا أنها مسألة شخصية حتى يزعل مع الأمريكان أو لا يزعل!! ونتيجة لذلك يبقى المواطن هو الخاسر الأول والأخير وهو الذي يدفع ضريبة هذه السياسة الخبيثة ولا تكون إلا على حساب خراب المدينة واثارة النعرات وتعطيل المشاريع الإستراتيجية فيها، لأن هذه الخيوط بيد الأمريكان تحركها حيثما شاءت وفي أي مكان أرادت!!! وحسنا ما يفعل المالكي وحسنا ما يفعل مجلس محافظة النجف الأشرف وبقية المجالس الأخرى من التنسيق مع القوات الأمريكية لكي لا تعود علينا نكبة ثورة العشرين، حيث الجهاد والتضحيات شيعية وقطف الثمار والمناصب سنية، وكل من يدعم المقاومة (الشريفة جدا)!!! ويناهض الإحتلال الأمريكي ويقاطعه في هذه المرحلة بالذات فهو قد قبل لنفسه أن يكون شاء أم أبى أداة بيد الدول الديكتاتورية العربية التي تسعى جاهدة لتقويض التجربة الديمقراطية في العراق وتسليط المقاومين (بالإعلام) والمنبطحين (في الواقع) للإحتلال!!! أمثال عدنان الدليمي وحارث الضاري -علينا ليسومونا سوء العذاب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة بالرغم من إذعاننا بإن النجف هي مشرفة بصاحبها أمير المؤمنين وهي تستحق كل الإعمار والتطور والرفاه، بيد أن كربلاء إن لم تسبقها في الفضل والشرف كما عرفنا ذلك في بداية المقال فلا أقل أنها مساوية لها في ذلك، فلماذا إذن يلفها النسيان والإهمال والهجران؟! وعتبنا ليس موجها إلى الحكومة المحلية فحسب بل أننا نستصرخ كافة القيادات الدينية والسياسية من أنهم ينظرون إلى المدن المقدسة بعين واحدة مع حفظ الخصوصيات والزيارات المليونية لمدينة كربلاء المقدسة.
وأرجو أن لا يكون اتهام رئيس لجنة السياحة الدينية في كربلاء (الشيخ عبد الحسن الفراتي) لعدد من الجهات الدينية والسياسية بالهيمنة على كربلاء وأخرى بالاهتمام بالنجف على حساب كربلاء لأغراض سياسية؟! أرجو أن لا يكون هذا الكلام صحيحا وأرجو أن يخلو من أجندات سياسية أو دينية بحد ذاته... وأرجو ألا يكون الاهتمام المتميز بالنجف لكي يراد لها أن تصبح العاصمة السياسية لأقليم الوسط والجنوب على حساب كربلاء؟! وأخيرا وليس آخرا أرجو ألا تكون الحكومة المركزية قد تبرعت مؤخرا بمبلغ 80 مليون دولار لإعمار النجف في حين لم تتلق كربلاء جزءا يسيرا من هذا المبلغ لإعمارها.
وطالما أن النجف أشرف وكربلاء مقدسة نرجو أن تحظيان باهتمام واحد -على أقل التقادير- من قبل المعنيين، وأن يحذو المسؤولون في الحكومة المحلية في كربلاء حذو زملائهم في النجف في اعتماد الخبرة والنزاهة في إحالة المشاريع والمطالبة بحقوق كربلاء المنسية وانتزاعها من أصحاب القرار ومن ضمنهم المحتل الكافر!!! نزعا كما يفعل أقرانهم في مجلس محافظة النجف حتى لا نعطي موضوعية لجملة (على حساب كربلاء) على واقعنا المعاش فيما ورد في تصريحات الفراتي الأخيرة...
https://telegram.me/buratha