( بقلم : عمران موسى الياسري )
عندما يولد الطفل في مكان ما سيبقى حنينهُ لذلك المكان وان كان قد عاش لبرهة من الوقت . ولذلك جاء البيت الشعري( نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول فكم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل ) . إذاً عندما يبصر الطفل إلى هذه الدنيا يتعلق بأمه وأبيه في بادئ الأمر ثم تتطور هذه العلاقة تدريجياً فينتقل هذا التعلق نحو إخوانه وأسرته ثم إلى أصدقائه وجيرانه ومحلته ومدينته وبعدها يشعر انه يحن إلى شئ كبير وهو الوطن . وهنا يأتي السؤال فكيف بالطفل العراقي الذي يولد لأبوين عراقيين يولد أحيانا في أمريكا وأحيانا في أوربا . كيف ستكون المعادلة هل يحن للأول منزل أم يحن إلى العراق وطن آبائه وأجداده ؟
وماهو واجب الأبوين والمجتمع في تعزيز روح الانتماء الوطني ؟ والسبب الذي دفعني إلى كتابة هذا الموضوع عندما كنت أتجول في احد أسواق مدينة مالمو جنوب السويد جاء عراقي ومعهُ زوجتهُ السويدية وابنهم الذي لا يتجاوز السابعة من عمره فأخذا يشتريان بعض الهدايا لابنهم الصغير , ومما لفت انتباهي اختار الطفل رغم صغر سنه قبعة وفيها قد رسم علم العراق . ولبسها وهو فرح جداً علماً انهُ يوجد العديد من القباعات والأعلام المختلفة , وسالت نفسي كيف لطفل يتعلق بالعراق رغم انهُ لم يراه . وللإجابة على مثل هذه التساؤلات لابد أن نتفق جميعا أن المواطن العراقي قبل عام 1979 لم يفكر على الإطلاق بترك العراق ولأي سبب كان ما عدى الراغبين لإكمال دراستهم والبعثات وهم يقدمون بملأ أرادتهم بل حتى عندما يسافر المواطن العراقي من محافظته إلى بغداد أو من محافظته إلى محافظة أخرى يجد صعوبة كبيرة حتى يعود إلى منزله وعندها يشعر بسعادة لا توصف حتى وان كان هذا المكان في أعلى نقطة جبل أو في ابعد نقطة في القصب والبردي أي منطقة الاهوار الجميلة لكن لا يوجد مكان أو زمان يخلو من الطغاة والظلمة وما أن تسلط النظام المقبور على سدة الحكم حتى بدأت الافرازات المريرة والموجعة على هذا الشعب المظلوم وبدء كل شئ يسوء من عام إلى عام وبدأت الإساءة تسرع من شهر إلى أخر ومن ثم من يوم إلى يوم إلى أن وصلت إلى كل ساعة وأمام هذه التغيرات ما الذي يفعله الفرد أو الأسرة ؟ ( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً)
الآية المباركة تعطي الإذن والسماح للهجرة بحثاُ عن حياة حرة كريمة ولكن هذه الرحلة لا يعرف صعوباتها إلا العراقيين أنفسهم ورغم كل قساوة الظروف بقى عند العراقيين شئ يميزهم عن الجنسيات الأخرى وهو حنينهم لوطنهم مهما بلغت السنين العجاف وهم بعيدون عن هذا الوطن وهذه الحقيقة أشار لها الباحث والمفكر الإسلامي الشيخ علي الكوراني الذي أجاب على سؤال وجه لهُ عند زيارة مدينة مالمو كيف وجدت العراقيين في المهجر ؟ فأجاب الكثير عندما يتركون بلدانهم يتغيرون ويتأثرون بطبيعة الغرب أما العراقيين فهم ينفردون بصفة وهي الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم وتأدية شعائرهم الدينية على أحسن وجه . ومن هنا تجد الأطفال ايظاً ينمو معهم الانتماء لهذا الوطن منذُ نعومة الاضافر وتبقى دعوى مفتوحة لكل الخيريين من أصحاب الضمير الحي وبصورة منفردة أو مجتمعة أن تحاول وضع مقدمات ترغيب وتذكير ووسائل تساعد الطفل بجعلهُ قريب كل القرب من وطن الأنبياء والأئمة عليهم السلام واهم هذه الوسائل تبدأ بتعلم اللغة العربية وإعطاء هذا الموضوع أهمية كبرى وخصوصا من قبل المربين وتعليم وحفظ السور القرآنية المباركة والأحاديث الشريفة والحضور إلى المجالس الذي تحي ذكر أهل البيت عليهم السلام فعندما تحضر الطفلة مع أمها لهذا المجلس أو ذاك تجدها بعد أيام تبحث عن لبس الحجاب وهي على قناعة تامة أو الطفل الذي يشاهد أباه وهو ينهمر بالبكاء عندما تذكر مصيبة أبا الأحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام لاشك ان مثل هذه المناظر تبقى عالقة في العقل الباطني للطفل قد لا يفسر فلسفتها في الوقت الحاضر ولكن لربما تصبح جزء من معتقداته وسلوكيته .
السيد عمران موسى الياسريمدينة كريستيان ستاد / السويد
https://telegram.me/buratha