( بقلم : منشد مطلق المنشداوي )
الــخــاتــمــة
فمهما حاولت الاختصار فإن الموضوع متشعب جدا وواسع سعة الرقعة الأرضية التي يتعايش عليها المجتمع الوهابي وسعة الزمن الذي شغله هذا المجتمع في ظل حركته، وقد رأينا المراحل والتغيرات التي عرفها على اختلافها بالتعبير والأرقام وإن كانت الأعداد ليست هي القصد في حد ذاتها ضبطا، إذ أنه بين سنة وأخرى قد تعرف زيادة أو نقصانا. لكن مهما كان مستوى هذه الزيادة أو النقصان فإن التمايز واضح بين بدايات تأسيس الحركة الوهابية وحال مجتمعها وبين طفرة التغيرات بعد العهد الثاني من الدولة السعودية الحديثة وخاصة بعد توفر زيت البترول واكتشاف المعادن النفيسة الأخرى من ذهب وغيره.ولئن كنت لم أستوف تتبع هذه التغيرات من كل جوانبها وأحيط بها علما إلا أنني أشرت إلى أهم الأهم فيها وأعطيت صورة تتجاذبها أنماط الجدة والتقليد، كما برز لنا جليا دور الحركة الوهابية على أرض الواقع وعوامل التغيرات الحادثة في أوساط المجتمع الذي احتضنته سواء كانت هذه التغيرات إيجابية أم سلبية، غير أن المطلب الآن بعد هذه المعطيات النسبية هو إلى أي مدى يمكن للوهابية أن تستمر في أسلوبها الدعوي والتطبيقي بنفس الأدوات والمناهج التي أدت بها إلى ما هي عليه الآن؟كما هل الوهابية مؤهلة للتغيير الاجتماعي على نفس الأسلوب الذي أحدثته في بداياتها بعلمائها الحاليين ومستوياتهم وما آلت إليه في الوقت الحاضر من خروج أغلب زعماء الإرهاب من رحم هذه الحركة ، إضافة إلى ردع صولة التغيرات وتياراتها الحادثة في المجتمع الوهابي وسطوة الإعلام الغربي في صياغتها نشرا وإشهارا وتقنية براقة ومغرية؟. هذا بالإضافة إلى توفر سطوة المال وسيولته الذي كان السبب الرئيسي في إحداث طفرة نوعية غير عادية في تحولات المجتمع الوهابي، كما أحدث تغيرات مفاجئة في المفاهيم والعلاقات بين أفراد المجتمع انعكست آثارها حتى على العلاقات الأسرية وتنظيم أحكامها، كان من أبرزها ما طرح جدلا في وسائل الإعلام الوهابي في السنين الأخيرة من طرف أغلب علمائهم حول اعتبار تعدد الزوجات هو الأصل في الزواج وأن التزوج بامرأة واحدة هو استثناء! ولهذا فالمطلوب تكميل الأربعة مخالفين بذلك آراء وأغلب المذاهب الإسلامية السنية التي ترى أن الأصل واحدة والتعدد استثنائي، وطرح مثل هذا الموضوع بالإلزام بالتعدد لم يكن تفسيره لدى أغلبهم إلا بأسلوب مادي والحديث عن إمكانية الإنفاق على أربعة نسوة دون تعرض لفاقة أو حرج وما إلى ذلك. وعرض هذا الرأي بهذا الإلحاح والإشهار به لا يمكن تفسيره سوى بتوفر البذخ وطفرة المال التي طغت بماديتها حتى على صياغة الفتاوى وخاصة في الجانب المتعلق بالغريزة الشهوية.إن على علماء الوهابية أن يعيدوا النظر في مناهج مدرستهم الداخلية قبل التفكير في تصديرها إلى الخارج وتوجيه النقد لغيرهم ممن هم محط النقد والتبديع في زعمهم إذ كما يقال "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي غيرك بالحجارة".حينئذ يمكن للوهابية أن تصمد في وجه التغيرات وتكون بمؤهلاتها العلمية والمادية دعما مهما للمسلمين في بقاع الأرض على مستوى التعاون والحوار البناء لا على مستوى الاستلاب والاستقطاب والاحتكار الفكري والسلفي وتطبيق مبدأ "دكتاتورية الدعوة" وتبني منطق "ما أريكم إلا ما أرى". إذ أن هذا الأسلوب في التعامل عند الدعوة غير مقبول ومرفوض عند عامة وعلماء المسلمين … إضافة إلى غير المسلمين ممن لا إلمام لهم بالعقيدة والشريعة الإسلامية إلا بالسماع من بعيد!.
فوحدة الأمة الإسلامية كامنة في وحدة شعورها وهذا الشعور أساسه روحي بالدرجة الأولى وميزته المحبة والتوافق والمناسبة والتطابق الغائي دون التواءات أو تعرجات أو تستر بغطاءات سرعان ما تنكشف، لأن الحق هو الذي يكشفها، إذ كل شيء يمكن المراوغة فيه إلا الإسلام، وهو إما أن تكون صادقا مخلصا في إيمانك به عقيدة وشريعة وفي دعوتك إليه، وهذا هو العمل الصحيح المقبول عند الله وعند المخلصين من هذه الأمة المجيدة، وإما أن تكون كافرا تعلن العداء والكيد له وللمؤمنين به صراحة فأنت مكشوف مبدئيا، وإما أن تكون منافقا تداري بالدين وتمتطيه لأهداف خسيسة ودنيوية فانية، وصاحب هذه الغاية لا يستقر أمره على حال إذ سرعان ما يكشفه الدين نفسه ويلفظه على الأرض مرفوضا مكسرا ومقصوم الظهر لا تقوم له قائمة لأن الإسلام علم الله المحيط بالظاهر والباطن، لقوله تعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" و"أحاط بكل شيء علما".
وهذه الإحاطة العلمية متناسبة مع القدرة على التغيير والإصلاح والضرب على أيدي المفسدين في الأرض وإهلاكهم إذا لم يعودوا إلى طريق الحق والإخلاص في سلوكهم على هديه وشريعته. ولهذا فلم يكن الإسلام ولن يكون أبدا مطية لهدف غير هدفه هو، في أحكامه وغايته، وهذا الهدف هو تحقيق صلاح الإنسان في دينه ودنياه، والصلاح لا يقبل التشطير والمرحلية المتناقضة في أوجهها تناقض أصول وسلوك وغاية لأنه كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذ فقهوا"، وعلى هذا القياس فخياركم في الدنيا خياركم في الآخرة وخياركم في العقيدة خياركم في الشريعة وخياركم في السياسة خياركم في الفقه والتطبيق العملي وخياركم في الأذواق خياركم في الأخلاق. "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا" صدق الله العظيم؛ وهو ولي التوفيق.
https://telegram.me/buratha