( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
التجربة التي عاشتها معظم محافظات العراق بعد تشكيل مجالس المحافظات والتي بمجملها قد ادت دورها بشكل اقل ما يقال عنه بانه دور جيد رغم بعض الاخطاء التي رافقت هذه التجربة الجديدة التي لم يألفها العراقيون سابقاً لكنها، تفاوتت في انجاز مشاريعها بين محافظة واخرى حتى وصل الامر ببعض هذه المجالس انها فاقت وتفوقت على اداء بعض الوزارات وهذا ما يعني ان هذه التجربة اذا ما توفرت لها عوامل النجاح فسوف تصل الى درجة عالية من النجاح الذي يأمله العراقيون في معالجة ازمات الامن والخدمات وتشغيل الايادي العاملة من خلال الشروع بتنفيذ المشاريع الكبيرة والاستراتيجية التي بامكانها ان تمتص البطالة وتقضي على الفساد الاداري والمالي الموروث من سياسات النظام المقبور.
هذه التجربة الفريدة لابد للحكومة العراقية ان تفتح يدها اكثر وتدعمها دعماً يتناسب وحجم المشاريع الانمائية التي تتعلق باعادة الاعمار والبناء للبنى التحتية للدولة وخاصة على صعيد التخصيصات المالية في الموازنة لهذا العام والتي تعتبر اكبر ميزانية في تاريخ العراق المعاصر مما يستدعي الدفع الجدي بهذا الاتجاه لتحقق ما عجزت او تعجز عن تحقيقه الحكومة العراقية لوحدها وهذا ما يعطي انطباعاً بان قبضة المركز الشديدة اصبحت من الماضي ومخلفاته الثقيلة وبدأت مرحلة توسيع الصلاحيات اللازمة لمعالجة الازمات في هذه المحافظات مع الاخذ بنظر الاعتبار حجم التخصيصات بما يتناسب والكثافة السكانية والتوزيع العادل للثروات وخاصة المحافظات التي تضررت بنيتها التحتية طيلة العقود الثلاثة الماضية بسبب السياسات الطائفية والعنصرية وسياسات التهميش التي عاشتها اغلب محافظات العراق وادت الى تأخر نمو البناء التحتي والاقتصادي والعلمي طيلة حكم النظام المقبور.وبما ان انتخابات هذه المجالس اصبحت على مرمى حجر وان الاشهر القليلة القادمة سوف تشهد تنافساً شديداً بين المرشحين في جو ديمقراطي شفاف وباشراف كامل من قبل الهيئات الدولية وعلى رأسها منظمة الامم المتحدة يصبح لزاماً بان اجواء نجاح هذه التجربة وتعميمها لابد ان تأخذ مداها الواسع على اكثر من صعيد ومن اهم اسباب نجاح هذه التجربة ولكي يستطيع العراقيون من الادلاء باصواتهم لمرشحيهم بكل حرية يجب ان تكون مفوضية الانتخابات مستقلة كما هو اسمها بانها (مفوضية عليا مستقلة) وان لا تخضع للتسييس وان لا تكون ذات لون واحد وهذا ما يستدعي اعادة النظر بتشكيل هذه المفوضية التي ستأخذ على عاتقها اخطر واهم تجربة رائدة عاشها العراقيون بعد سقوط النظام الدكتاتوري المعروف بتهميشه لاغلب مكونات الشعب العراقي باستثناء المكونات الفئوية والحزبية المستفيدة منه على حساب مصالح واهداف الشعب العراقي لاسيما وان العديد من الكتل السياسية والمكونات الاجتماعية ترى ان المفوضية بوضعها الحالي هي ليست مستقلة بالمعنى الكامل وان خروقات متعددة قد صاحبت اختيار اعضائها وخاصة على صعيد مدراء الدوائر الانتخابية في المحافظات والذي انيط اختبارهم عن طريق اعضاء مجلس النواب الممثلين لمحافظاتهم فهم بلا شك مسيسون وتبعون كتلهم السياسية وبهذا لا يمكن الحصول على الشفافية والاختيار على اساس مستقل مما يقدح بهذه التعيينات بشكل واضح.بالتأكيد العراقيون وعلى مختلف اطيافهم ومكوناتهم وفي كافة محافظات العراق لا يقدحون بالافراد وانما يقدحون بآليات الاختيار والتعيين التي لم تمرر عبر مجلس النواب وهذا بالتأكيد يستدعي الخوف والقلق من استغلال بعض المتلاعبين بان لا تحصل هذه الانتخابات وفق الشروط والضوابط التي لابد ان تتوفر بالمرشح وبالمفوضية التي ستشرف على صناديق الاقتراع اذا كانت – المفوضية – من لون واحد كما يقول البعض.
العديد من الكتل السياسية ترى ان تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة بعد الموعد الذي حدد في تشرين الاول من هذا العام سوف يعطي الفرصة الكاملة لاعادة قراءة المشهد بشكل مستفيض ودقيق بحيث يرضي الجميع ويزيل مواضع الشك والقلق لدى البعض وهذا ما سيخدم بالتأكيد العملية برمتها ويمنع أي قدح او طعن من احد اذا ما توافقت كافة الكتل والمكونات على هذه الاختيارات التي ستتوفر بشكل كامل على الاستقلالية والشفافية المطلوب توفرهما في اعضاء هذه المفوضية التي من خلالها ستتم عملية الانتخابات القادمة.
ان المطالبة بتعديل الترشيحات سواء على مستوى المفوضين او على مدراء الدوائر او المحطات الانتخابية امر ضروري ولازم لمنع أي عملية تزوير – لا سمح الله- قد تحصل في بعض هذه الدوائر ولكي تصل في شفافيتها ووضوحها الى درجة عالية من الاطمئنان لابد من التعامل مع هذه المعايير بروح ديمقراطية حقيقية وهذا ما سوف يضمن شرعيتها ويمنع أي نقد غير بناء حيالها ولكي تأخذ مداها في النجاح المطلوب محلياً واقليمياً ودولياً خاصة وان هناك من يتذرع الى الان بعدم شرعية مثل هذه الانتخابات في ظل تواجد قوات اجنبية داخل البلد هذه الذريعة التي اصبحت (قميص عثمان) او الشماعة التي يعلق عليها البعض مآربهم ونواياهم السيئة لوقف أي خطوة وطنية ديمقراطية تخدم مسيرة العملية السياسية برمتها.
ان اعداء العملية السياسية سواء في داخل العراق او خارجه هم كثر وسوف لا يتركون فرصة للنيل من شرعيتها – الانتخابات- تحت لافتات وعناوين خرقاء لا تصب في مصلحة احد باستثناء اعداء الشعب العراقي واعداء التحول الديمقراطي الجديد في العراق ولكي يسد الشعب العراقي وقادته السياسيون المخلصون هذه الكوى والمنافذ لابد من اعتماد او الاخذ بالرأي الآخر والاستماع له وعدم الاصرار على الخطأ لان ذلك هو المنفذ الحقيقي الذي سيستغله اعداء هذه التجربة الرائدة التي تعني في قضية فك قبضة المركزية التي لم تنتج طيلة تشكيل الدولة العراقية سوى الانظمة الدكتاتورية التعسفية المستبدة ولمصلحة فئة معينة على حساب كل مكونات الطيف العراقي بعربه وكرده وتركمانه واقلياته الاخرى بسنته وشيعته ومسلميه وغيرهم من المكونات الاخرى.
المراقبون السياسيون يجدون ان من الضروري واللازم لانجاح هذه الممارسة الديمقراطية ان تبقى المفوضية العليا المستقلة بعيدة كل البعد عن تأثيرات الاحزاب والكتل السياسية ولكي يعرف الجميع حجمه الحقيقي على ارض الواقع ديمقراطياً ليكون الفيصل فيها هي صناديق الاقتراع واراء الناخبين الذين سيصوتون لمرشحيهم الذين يرون فيهم القدرة والكفاءة والنزاهة والوطنية والاخلاص والايمان بالعملية السياسية أي بمعنى اخر لا يرون امامهم سوى العراق ووحدته الوطنية وامنه واستقلاله وسيادته الكاملة على ترابه.
https://telegram.me/buratha