( بقلم : أسعد المطيري )
((بعد جولات عديدة تناحرت فيها الفرق السياسية في الاخذ والعطاء بين المصلحة العامة والمصلحة الذاتية، وما الت اليه الاحداث المضطربة إلى الاستقراء ووضوح الرؤيا والمعالم وفق النتائج الايجابية لاغلب الاراء والمقترحات التي تصب في خدمة الشعب، كونها تحمل بعدا ستراتيجيا على الامد البعيد، وتحقيق بعض من متطلبات الشارع في الوقت القريب. وبعد ان انتهت النزاعات والمشادات والمجاذبات داخل اروقة الحكومة السرية والعلنية، رفع الستار عن اقرار ميزانية عام 2008 الانفجارية، رغم انها جاءت متأخرة ، وقانون العفو العام وشروطه الذي اثار بعض الخلافات وقانون مجلس المحافظات الذي رفضته اكثر من محافظة لاعادة النظر فيه وتعديل الكثير من بنوده بعد هذا كله بدأ مؤشر الرأي الجماهيري ينحدر إلى الهمس تارة ويرتفع إلى الكلام المباشر والمعلن تارة اخرى، عن مدى صحة الوعود التي اطلقتها الحكومة على نفسها والتزاماتها كشرط اساسي لبناء روابط مشتركة مع الجماهير، لازدهار البلد ورقيه والعبور به إلى ضفة اكثر اشراقا وشواطىء تستريح عندها السفن بعد رحلة طويلة وشاقة مع الارهاب والامن والتهجير وسوء الخدمات وارتفاع الاسعار ، وغيرها من الضروريات التي لاغنى للمواطن عنها ولا بديل له سوى ان يراقب موعد تنفيذها لكي يصعد بعراقه وبلده إلى مصاف الدول الناهضة ويمد يده إلى اقتصاد النهار حتى يأخذ الطريق السليم في خطوات سريعة وايجابية ومتقنة. ولكن هذه الوعود ارتطمت بحقائق موجودة على ارض الواقع واضحة وجلية حيث يرى المواطن ان ما حققته الحكومة لا يكاد يلبي جزءا بسيطا جدا من الطموح ببناء عراق مشرق ومزدهر. وهذا ما تسبب في زيادة الفرقة بين المواطن والدولة))
حرية الرأي:لا تقوم الديمقراطية ونحن يفترض اننا نعيش عصر الديمقراطية في ضوء التحولات السياسية الكبيرة والممارسات الضخمة لهذا العنوان الكبير من الانتخابات والاستفتاء على الدستور واختيار المجالس البلدية ومجالس المحافظات بالاقتراع السري والمسائل التي اشركت الحكومة مواطنيها فيها بأخذ رأيهم والمشاورة معهم بما يساهم في ابداء رأي الشارع لكي يحقق المواطن شراكته في التعبير واتخاذ القرارات. فلكي نساهم في تأخير لوحة الديمقراطية بالصيغ المعروفة وبناء مجتمع يتزامن مع الحضارة والتقدم في كل المجالات ويساير الاحداث بخطوط واضحة لرسم المستقبل. يجب ان يقوم هذا الامر على ثلاثة اركان رئيسة:-
اولا: لابد من وجود مؤسسات تشريعية لكي تقرر بعد دراسة الواقع العراقي دراسة متأنية لمعرفة مكامن القوة والضعف في القرار ليتوجه بشكل سليم لخدمة الشعب وهذا ما يرسم بارقة امل من ان هناك اهتاما واضحا من الدولة بصنع القرار المناسب في لزمان والمكان المناسبين وطرح الخيارات المحتملة لكل رأي حتى تتضح صورة القرار دون المساس بجهة او طائفة او تحت عوامل نفسية واجتماعية ودينية.
ثانيا:تكوين صحافة حرة خالية من الرقابة المسلطة، رقابة الاقصاء والتشديد والمحاسبة، فلو مورست الضغوط على الصحافة واجبرت على الرقابة والتفتيش سندخل ثانية في دوامة الدكتاتورية وسياسة التصفيق والشعارات الزائفة فالاعلام غير الحكومي او حتى الحكومي يمكن ان يحقق اهداف رسالته في الحياة فيما اذا توفرت له العناصر النجاح ورفع سوط الخشية والخوف من السلطة ، ليمارس الاعلام مهنيته كعنصر من عناصر انجاح الدولة في ارشادها الى مناطق الضعف. فحرية الصحافة والاعلام يشكل بارقة امل عريضة يستضيء منها المواطن باكتشاف الخفايا والولوج الى ما كان موصودا، وهذا ما جعل موارد الثقة موجودة بين ما يقال وما يكتب وما ينفذ على ارض الواقع بالصوت والصورة والكلمة. فالاعلام بشكل عام اداة لتعرية الحقائق واكتشاف مواطن القوة والضعف في ادارة المؤسسات التي لها تماس مع المواطن بشكل مباشر، ونقلها بمهنية وموضوعية.
ثالثاً: مؤسسات المجتمع المدني: وهذه المؤسسات تفتح افاقاً واسعة امام المواطنين لممارسة طقوسهم وحرياتهم الفكرية في كل جوانب الحياة، لانها توفر فرصة لخلق تعاون جدي بين الشعب والدولة من خلال مؤسسات يختارها ، ويؤسس لها ويكتب بياناتها ويكون هو القائد من موقع ادنى، فهناك مؤسسات مجتمع مدني في دول العالم الاخرى بحجم وزارات ، وهي تعمل باستقلالية كوزارة الثقافة مثلا، فيعتمد اختيار هذه الوزارات ومن يشغلها بترشيح او انتخاب او كفاءة او تحويل هذه الوزارات الى مؤسسات مجتمع مدني لعزل هيمنة السلطة عليها وابداء الرأي، وحرية الكلمة والجرأة، إذ لا يمكن لها ان تستقيم وتعلو تحت السيطرة والمسؤولية المباشرة للسلطة، لان العامل في هذه الوزارة او تلك يكون موظفاً حكومياً ويخشى ان يقول الحقائق حفاظاً على منصبه، ولذلك يجب – لكي نردم الهوة- بين المواطن والحكومة ان تفتح الافاق امام المؤسسات العاملة لنحصل على مجتمع مثقف ثقافة سياسية واعية بعيداً عن الطائفية والولاءات الحزبية.
تغليب المصلحة العامة على الذاتيةتندرج ضمن تفاصيل التقارب بين الحكومة والمجتمع عناصر مهمة وفاعلة لاسيما ونحن نعيش في جو مشحون بالازمات والخلافات والتجاذبات –اذا ما اسلمنا جدلاً- بان اغلبها قد حلّ او في طريقه الى الحل، وتأتي في مرحلة منها نقطة جوهرية هي محاربة الفساد الاداري، هذا السرطان الذي نخر جسد المؤسسات الحكومية فتراها حيّة وهي ميتة من الداخل، وهو آفة خطيرة وظاهرة غير حضارية ناتجة حروب وتغيير سلطة وكلها عوامل معروفة وطبيعية، ولكن ما يثير الريبة ان رأس هرم النزاهة فاسد فكيف يستطيع المواطن ان يثق بمؤسسة رئيسها يسرق المال ويهرب؟!. والفساد يؤثر على بناء الدولة اقتصاديا واجتماعياً ويعرقل سيرها، بل ويجعله مرتبكاً او متوقفاً في بعض الاحيان كون المواطن يقارن بين ما مصروف وما ناتج عن الصرف على ارض الواقع من تحسن في الخدمات او البناء او التطوير، فعلى الحكومة كي تباشر بالتقرب من المواطن ان تعمل على تنقية مؤسساتها ودوائرها من المفسدين واجراء تنفيذ قرارات صارمة وقوية ومحاسبة المقصرين محاسبة علنية كي يعلم الجمهور صدق النوايات وفاعلية العمل. ووضع مصلحة المواطن فوق المصالح الذاتية والابتعاد عن المحسوبيات والحزبيات لكي نجنب الدوائر من هذه العناصر ووضع بديلاً ناجحاً من ذوي الكفاءة والنزاهة واحالة المقصرين الى المحاكم، كذلك تندرج ضمن هذا السياق عملية اختيار الوزراء اذ ان اغلب وزارتنا تعاني من عدم وجود الوزير بعد انسحاب وزراء التوافق والتيار الصدري واصبح عدد من الوزراء يشغل وزارتين في ان واحد، وهذا شيء مدهش، فالوزارة الواحدة تحتاج الى عدد من المستشارين والوكلاء والمدراء العامين لكي تستمر بعملها، ناهيك عن الاداء الهزيل لبعض الوزارات والوزير الذي لم يستطع انجاح عمل وزارته تسلم له وزارة اخرى، فيجب ان تكون رؤية علمية في اختيار الوزراء من اصحاب الكفاءة والمهنية والخبرة والقدرة على الادارة. المواطن يستمع الى تصريحات الدولة حول حكومة تكنوقراط والى الان لم يجد هذا التصريح مداه الواسع بين الجماهير، ولا خير في اعطاء العذر للحكومة في جانب اهتمامها بعلاج الخلافات الداخلية والسعي الى تشكيل وحدة وطنية ولكنها مطالبة من الجماهير ان تقف في موقع الحسم للقضايا الجوهرية المتعلقة به مباشرة والسعي الى كسبه جانبها كما كان عليه في الايام الاولى خوفاً من فقدان هذه الصلة التي تحتاجها الحكومة لضمان استمرارها واستمرار عملها.كذلك لا يمكن اغفال دور سن القوانين واحكامها ومساواة الجميع امام القانون وضمان الحريات العامة والحقوق المنصوص عليها في الدستور، فالقانون بحاجة الى تفعيل وبسط سيطرته ونفوذه وقول كلمته الفصل في اشد القضايا خطورة، كاصدار احكام الاعدام بحق المدانين من قتلة الشعب والمحاسبة الشديدة والقوية لكل من ساهم وساعد في الفتك بالارواح والاموال بل وحتى بالافكار، فالمجتمع ارض خصبة تستقبل كل الافكار وتروج لها وتتبناها، ولهذا على الحكومة ان تفرض سلطة القانون وتحاسب الجميع من دون الالتفاف الى المركز والمكانة الاجتماعية لان الجميع متساوين امام القانون ابتداءً من رئيس الجمهورية الى الطفل الذي ولد قبل ساعة. وهذا من شأنه ان يدعم موقفها في التقرب الى الجماهير، فضلاً عن تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الجميع في بناء البلد والمساهمة في استقراره، ويأتي انعاش روح المواطنة من خلال معرفة مرتكزات عمل الحكومة على النوايا الحسنة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الذاتية.
الجدية في العمل.المواطن مصدر السلطةالشعب العراقي عاش وبالتحديد منذ اول حكومة عراقية في عام 1921 برئاسة عبد الرحمن النقيب في حالة عداء ونفور وصراع من الحكومة وكلاهما يتربص بالاخر ويضمر له العداء او يعلنه في بعض الاحيان لاسباب عدة منها ان اغلب الحكومات التي حكمت العراق لم تكن باختياره وانما جاء اغلبها عن طريق انقلابات عسكرية. والان وبعد اختار الشعب حكومته وممثليه بارادته ووضع ثقته فيهم اصبح الزاماً على من يتربع على هرم السلطة ان يرعى هذا الاختيار، لان المواطن هو مصدر السلطة، ويجب الاستفادة من تجارب الحكومات السابقة التي كانت تعيش بعزلة عن الشعب ولاحوار بينهما سوى التصفيق والتمجيد، فلا بد ان نتجاوز سلبيات العهود السابقة ونعمل على زرع الشعور لدى المواطن عن طريق اللقاءات المباشرة مع الجماهير لمعرفة هموم المواطنين ومشاكلهم واحتياجاتهم وهذا ليس صعباً في عقد لقاءات جماهيرية في بغداد والمحافظات والاستماع الى ما يطرح، مع فسح المجال لحرية التعبير، كذلك تطوير ثقافة الحوار الجاد والهادف ط غير هدام لكي يشعر المواطن بان انتماء الحكومة له، وله فقط والعراق من دون الحزب او المؤسسة او القومية، وهذه كلها سترفع الاسئلة او تجيب عليها والتي تدور في فلك وشعارات رنانة جذبت لها جمهوراً كبيراً من المؤيدين؟ ولكي تحافظ على هذه القاعدة وهذه الاكف التي حملتها الى عرش السلطة، ويجب ان تلتفت وبعناية كبيرة الى السواد الاعظم الذي يعيش بمستوى خط الفقر، وعليها ان تحذر من هذه الاياد لانها سوف تصل الى اماكن تستطيع الوصول اليها بسهولة ولديها تجارب في هذا المضمار. فهذه دعوة صادقة مخلصة لدراسة الواقع العراقي من جديد ومد جسور المحبة بين المواطن والحكومة والحفاظ على ما تبقى من الثقة للوصول الى الاهداف التي رسمتها منذ البداية والتي يأمل من الجميع بتحقيقها وحالما يجد الجمهور ما يعزز ويدعم هذه الفرضيات على ارض الواقع سيكون بلا شك معها للمشاركة في بناء عراق جديد
https://telegram.me/buratha